ساعات فقط، تفصلنا عن التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الذي يجري صباح غد الثلاثاء الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. وليس من المتوقع أن تنقلب موازين القوى الانتخابية في تلك الساعات القلائل.
ورغم أن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس بفارق ملحوظ على دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، قد لا تعبر بدقة تلك المؤشرات التي تجمعت في الأسابيع الماضية، عن اتجاهات التصويت النهائي الذي يجري غداً.
فمن ناحية، كثيراً ما كانت استطلاعات الرأي تنتهي بمفاجأة عكسية يوم التصويت. إلى حد أن بعض المعلقين يشككون في صدقية وحيادية بعض الاستطلاعات، وأن نتائجها متعمدة لتحفيز الناخبين المترددين في التصويت. ومن ناحية أخرى، تلعب مواقف وتصريحات المرشحين دوراً جوهرياً في تحديد أو تغيير اتجاهات التصويت في الأيام الأخيرة، وبصفة خاصة بين الناخبين الذين لم يحسموا خياراتهم التصويتية بعد، خاصة في هذه الانتخابات.
وفي الانتخابات الراهنة، هناك ظواهر جديدة ربما تؤثر بشكل أو بآخر في تحديد الفائز غداً. من أهم تلك الظواهر، انحدار مستوى الخطاب الانتخابي الصادر عن كلا المرشحين الرئيسيين، هاريس وترامب، كخطاب حاد وجريء إلى حد الخروج عن اللياقة اللفظية واستخدام مفردات غير لائقة. والمثال الصارخ على ذلك، استخدام الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن لفظ "قمامة" في وصف بعض مؤيدي المرشح دونالد ترامب.
فتحول هذا الوصف إلى أداة للتراشق الانتخابي، واستغله ترامب بسخرية حادة وقام بمشهد سينمائي، حيث ارتدى ملابس عامل نظافة، واستقل سيارة لجمع القمامة. وبحكم الفوارق الشخصية بين هاريس وترامب، فإن الأخير يتفوق في سلاطة اللسان. لكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيفيده لسانه الحاد في صناديق الاقتراع.
مشهد آخر يتعلق بقضية مطروحة دائماً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكنها اتخذت أبعاداً جديدة في هذه الانتخابات، هي قضية الإجهاض. ورغم أنها إحدى القضايا الانتخابية التقليدية لعدة عقود متتالية، اختلفت مكانتها هذه المرة. وليس السبب وجود مرشحة رئاسية سيدة، فقد كانت هيلاري كلينتون أول سيدة تترشح للرئاسة لكن لم تحظَ قضية الإجهاض بأكثر من الاهتمام المعتاد. أما في الانتخابات الحالية، فإن القضية لم تعد الإجهاض وإنما حقوق المرأة ومكانتها في المجتمع. وبالطبع كان لقضايا الاعتداء الجنسي الموجهة ضد دونالد ترامب دور محوري في اتخاذ تلك القضية أبعاداً أوسع من المعتاد.
وبينما لم تحتج كامالا هاريس إلى جهد كبير لتسويق مواقفها من قضايا المرأة واهتماماتها وهمومها. وهو ما ينطبق أيضاً على التباين الكبير بين كل من المرشحين في الموقف من الأقليات والجاليات الأجنبية، فهاريس ملونة من أصول غير أمريكية فضلاً عن انتمائها إلى الحزب الديمقراطي بما يعني ذلك من قرب ومقبولية لدى الشرائح الدنيا والأقليات في المجتمع الأمريكي.
وفي المقابل، يصر دونالد ترامب على مواقفه المضادة بشدة للمهاجرين وبالتالي الأقليات. بل إنه من أيام قليلة وعد بما وصفها بحملة لطرد "أكبر عدد في التاريخ" من المهاجرين. ولم يكن ذلك المشهد هو الوحيد الذي ظهرت فيه صفات الأكبر والأضخم، فقد أدى دخول إيلون ماسك ملياردير المعلوماتية ورئيس شركة إكس "تويتر سابقاً" على خط الحملة الانتخابية بقوة واندفاع. ولم يكتف بتقديم تبرع مالي مباشر لحملة دونالد ترامب، بل ذهب في مساندته إلى حد إقامة جائزة اليانصيب للناخبين الجمهوريين، قيمتها مليون دولار أمريكي يومياً. وهو رقم غير مسبوق وتصرف أيضاً لم يقم به من قبل رجل أعمال بهذا الشكل المبالغ فيه من التأييد.
إن الانتخابات الرئاسية مفتوحة على كل الاحتمالات. وليس من المنطق اعتبار الانتخابات محسومة لصالح أحد المرشحين، بل هناك احتمالات لأن تكون انتخابات يكون فيها المرشحون متعادلين وأن الكونغرس الأمريكي هو من سيحسمها وذلك نتيجة لتقارب فرص كلا المرشحين.
الشيء المؤكد أن دوائر القرار ومراكز صنع السياسة، سواءً في دولة الإمارات أو في غيرها من الدول تتسم بالعقلانية والموضوعية في تقدير المواقف السياسية فهي على استعداد وجاهزية للتعامل سواءً كان الفائز هاريس أو ترامب. خصوصاً بعد انكشاف أن السياسات الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط تكاد تكون واحدة مع أي رئيس. في ظل انتباه دول المنطقة والإمارات في مقدمتها إلى أن مصالحها الوطنية وقدراتها الذاتية هي الضمانة الحقيقية لمواجهة تحدياتها. بغض النظر عن أي موقف أو توجه أو أي رئيس أمريكي أياً كان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة