ولا ننسى إطلاقا فى هذا المجال أن الهتاف الجماهيرى الذى ساد ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير كان»عيش حرية عدالة اجتماعية»
فى إطار المسح الاجتماعى الشامل للمجتمع المصرى فى مرحلته الثانية (1980-2010) أخرج المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية الذى يقوم بالمسح مجلداً عنوانه «المجلد الاقتصادى» وقد أشرفت على بحوثه وحررته الدكتورة «ابتسام الجعفراوى» أستاذة الاقتصاد بالمركز، وشاركها بالبحوث المتعمقة فى مختلف الجوانب الاقتصادية نخبة متميزة من الباحثين هم الدكاترة «ابتسام كامل» و«شيماء حنفى» و«أسماء مليجى» و«عبد الله سليمان» و«إكرام إلياس» و«عفاف عبد القوى» و«أنور النقيب» و«فيليب فهمى» و«رانيا عامر» و«نيفين كامل».
والواقع أن هذا الفريق البحثى المتكامل درس بعمق مختلف الأبعاد الاقتصادية فى فترة المسح (1980-2010). وهذا المجلد البالغ الأهمية ينقسم إلى أربعه أبواب رئيسية يضم كل منها فصولا متعددة. وهى السياسات الاقتصادية الكلية والموارد والطبيعة والموارد البشرية ومستوى المعيشة.
وقد اخترنا أن نركز على الباب الخامس الخاص بمستوى المعيشة والذى يعالج بعمق مشكلتين من أخطر المشاكل الاجتماعية التى تواجه صانع القرار التنموى المصرى وهما البطالة من ناحية والفقر من ناحية أخرى.
ولا ننسى إطلاقا فى هذا المجال أن الهتاف الجماهيرى الذى ساد ميدان التحرير فى ثورة 25 يناير كان»عيش حرية عدالة اجتماعية» وهو هتاف يلخص بشكل عبقرى أزمة السياسات التنموية المصرية وعجزها عبر السنوات الممتدة عن حل مشكلة الفقر من ناحية ومشكلة البطالة من ناحية أخرى.
كتبت الفصل الخاص بالفقر الدكتور «ابتسام الجعفراوى» ولقد كانت موفقة تماما حين صدرت الفصل بمقدمة جاء فيها «رفع مستوى معيشة الأسر وتحسين ظروفها الحياتية هو الهدف النهائى لجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقد شهدت الفترة بحل الدراسة تغييرات جوهرية فى السياسة الاقتصادية وفى الأداء الاقتصادى وأيضاً فى معدلات النمو. ومع ذلك فإن ارتفاع معدلات النمو فى بعض الفترات لم ينعكس على مستوى معيشة الأسر بصورة واضحة وظلت معدلات الفقر طوال فترات الدراسة مرتفعة ولم تخف حدته إلا بدرجة محدودة ولفترة قصيرة».
وقد حددت الدكتور «ابتسام الجعفراوى» إطارا حاولت من خلاله بيان تطورات معدلات الفقر خلال فترة الدراسة (1981-2010) وبيان أهم العوامل المؤثرة فيه من خلال الإجابة على التساؤلات التالية» كيف تطورت نسب الفقر خلال فترات الدراسة؟ وهل ارتبط الفقر بحالة من عدم المساواة؟ وكيف تغيرت حالة اللا مساواة عبر فترات الدراسة؟ وما هى أسباب هذا التغير فى الأوضاع المعيشية للأسر؟
وما المناطق الأكثر معاناة من الفقر؟ ومن أكثر الفئات تعرضا للفقر؟
ومن الواضح أن هذا الإطار الشامل من التساؤلات كفيل من خلال الإجابة عنها بتقديم صورة متكاملة لمشكلة الفقرة المزمنة فى المجتمع المصرى.
وتتحدث الدراسة أولا عن الفقر النقدى، وتقرر «تختلف نتائج دراسات الفقر الذى تبنته الدراسة ومنهج القياس وتعد المسوح الميدانية أفضل طريقة للحصول على بيانات رقمية عن دخل واتفاق الأسر على أن يتم ذلك على عينيات قومية مختلفة ووفقا لضوابط منهجية فى تطبيق الاستبيان. أما عن منهجية قياس الفقر فى مصر فتتم استنادا إلى تكلفة الحاجات الأساسية كما يتم استخدام الإنفاق كمؤشر على الرفاهة بدلا من الدخل وفقا لما هو متفق عليه عالميا.
واهتمت الدراسة بحساب ثلاثة خطوط للقفر وهى خطة فقر الغذاء أى خط الفقر المدقع، وخط الفقر الأدنى وخط الفقر الأعلى.
وتسوق الدراسة ملاحظة هامة وهى ارتباط الفقر بالأداء الاقتصادى فى بعض المراحل وعدم ارتباطه فى مراحل أخرى.
وقد اهتمت الدراسة بالتوزيع الإقليمى للفقر بمعنى التفرقة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية. ومنه يتبين ارتفاع معدلات الفقر فى الريف عنها فى الحضر ويتبع كل منهما اتجاها عاما نحو التزايد.
وتخلص الدراسة إلى أهمية تبنى سياسات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تسهم فى مزيد من الإدماج الاقتصادى والاجتماعية للشرائح الدنيا.
ومن الواضح أن هذه التوصية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا آمنت النخبة السياسية الحاكمة والنخب السياسية عموما بضرورة وضع رؤية استراتيجية تهدف إلى إشباع الحاجات المادية والروحية للجماهير العريضة حتى لا تنعم بثمار التنمية طبقة عليا قليلة العدد كما حدث فى مصر قبل ثورة 25 يناير.
وإذا انتقلنا الآن إلى مشكلة البطالة التى بحثتها بعمق الدكتورة «عفاف عبد القوى» أستاذ الاجتماع المساعد بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فعلينا أن نلفت النظر أولا إلى أن البطالة وخصوصا بين الشباب أصبحت مشكلة عالمية.
ولعل هذه الحقيقة هى التى دفعت بعالم الاجتماع الألمانى الشهير «إبرليس بك» فى كتابه المعروف «مجتمع الخطر» أن يقرر أن المجتمعات الخطرة فى العالم الآن هى المجتمعات التى تزيد فيها الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، وهى كذلك التى تزيد فيها معدلات البطالة وخصوصا بين الشباب.
ولعل هذا ما دفع بعالم السياسة الأمريكى الشهير «بيرزتسكى» أن يقرر أن مجتمعات الشباب الساخطة فى مختلف أنحاء العالم أصبحت أشبه بقنبلة موقوتة!
والواقع أن الدكتورة «عفاف» قامت بدراسة شاملة فى الفصل الذى كتبته بعنوان «قوة العمل فى مصر: التشغيل والبطالة» وهى تقرر فى مقدمة الفصل «تمثل قوة العمل أحد المقومات الأساسية للبناء الاقتصادى والاجتماعى فى المجتمع وأفراد قوة العمل هم الذين يشكلون القوى العاملة فى أى عملية إنتاجية.
وهى تعرف قوة العمل نظريا بأنهم السكان الذين فى سن العمل (15-65 سنة) وفقا لما هو متعارف عليه دوليا. أما تعريف البطالة فهى تعنى –كما تقرر الباحثة- «عدم توافر فرص العمل للأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه. والبطالة تشتمل على نوعين رئيسيين الأول «البطالة الكاملة» وهو ما يطلق عليه البطالة السافرة وهناك أيضا ما يسمى «بالبطالة المقنعة» أو «التوظيف الناقص» ونعنى هؤلاء الأشخاص الذين يعملون أقل من اللازم من ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية عما هم قادرون على أدائه من عمل.
ولا نستطيع للأسف الشديد تتبع تفصيلات هذه الدراسة الهامة، ولذلك نقنع بالإشارة إلى أهم نتائجها وهى أن المؤشرات الإحصائية المتاحة لسنوات المسح تشير إلى زيادة معدلات البطالة السافرة بالتوازى مع توجه مصر نحو تحرير الاقتصاد المصرى وتنفيذ سياسات التكليف الهيكلى ابتداء من فترة الثمانينيات وأوائل التسعينيات. ومن ناحية أخرى إتضح زيادة نسب المتعطلين وخاصة من الشباب الذين بلغت نسبتهم 80.9% عام 1986 وارتفعت فى سنة 1996 إلى 94.4% وكذلك 93% فى سنة 2006 من جملة المتعطلين. وهكذا تتضح أخطر المشكلات التى يواجهها المجتمع المصرى الآن وهى الفقر من ناحية والبطالة من ناحية أخرى.
نقلاً عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة