يبدو بوضوح أن إيران لم تعد الدولة التي يستحيل الاعتراض على أنشطتها، كما أن قضية الاستقرار داخلها صارت تتطلب قراءة لأسئلتها الصعبة.
إذ إن الأمل الإيراني في إدارة بايدن لم يكن بحجم التوقع، فلا تزال مفاوضات فيينا تتعرض لضعف الثقة والشكوك حول نوايا الأطراف، فإيران تريد الخروج من نفق عقوبات ترامب، والذي ربما لا يزال "بايدن" يغلقه بشروط يصعب على الإيرانيين القبول بها.
إيران تدرك أنها تمارس مغامرات متكررة منذ أربعة عقود، وهذه المغامرات تترك أثرها على كل حقبة حكومية لها وعلى الشعب الإيراني، الذي يطرح بدوره أسئلة جوهرية حول النتائج، التي تريد أن تصل إليها دولته، ويسأل أيضًا عن خسائر وأرباح مشروعات إيران الأيديولوجية، وكل ما يقلقه هو ارتفاع تكاليف تلك المشروعات سنويًّا، أضف إلى ذلك دخول إيران، وبشكل سياسي مرهق، كثيرًا من المفاوضات، سواء مع أمريكا أو أوروبا, أو الأمم المتحدة.
هناك ثغرات كبرى لا بدَّ من سدِّها في المشروع الإيراني بالمنطقة، قبل أن تطلق واشنطن يدها للتفاوض مع طهران من جديد.
فالمشروع الإيراني يصل إلى مرحلة تتطلب من الإيرانيين أنفسهم إما أن يتحلوا بالشفافية والنزاهة أمام جيرانهم، أو يواجهوا مخاطر وصول خططهم إلى مرحلة يصعب عليهم إدارتها، فأمريكا، التي تطمح في تهيئة المنطقة لرحيلها الجزئي، تريد معالجة القضايا الإيرانية ومليشياتها في إطار اتفاق شامل، ولن يتم ذلك بالطبع دون معالجة لأزمة الصواريخ الإيرانية.
إن تحديات الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران تضاعفت تكاليفها، ولم تعد كما كانت قبل خمس سنوات، خاصة مع تغير الإدارة الأمريكية وتزايد أزمات المنطقة، فأمريكا لا يغيب عنها الدعم الإيراني لـ"حماس"، التي تعتبر واشنطن أنشطتها غير مشروعة، وهذه معادلة مُعقدة سياسيا وتضعُ أمريكا في موقف محرج، إذا ما التفتنا إلى أن أمريكا لا تستطيع الوقوف وحدها في مفاوضات "نووي إيران"، لذلك فهي وأوروبا تنتظران مبادرات تخلق حوارًا مع إيران في المنطقة.
وإذا لم تصل إيران إلى مرحلة تتمتع فيها بدرجة مقبولة من النزاهة والشفافية، فإن المسار السياسي والخيار الوحيد أمام دول المنطقة أن تعمل على تكثيف الاشتراطات التصالحية بين أمريكا وإيران، فدول الخليج مثلا قادرة على تكثيف الأسئلة السياسية الصعبة حول أي مسار قد يؤدي إلى اتفاق بين أمريكا وإيران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة