شهدت الأسابيع الماضية حضوراً كبيراً للجماعات المسلحة بالقرب من مناجم الذهب، حيث يُعتبر استخراج الذهب مصدر تمويل للإرهابيين.
يشكك الكثير من المحللين حول ما إذا كان قرار استبدال زعيم ما يسمى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، عبد المالك دروكدال، بالجزائري أبو عبيدة يوسف العنابي، على رأس التنظيم بعد وفاته، صائباً وموفقاً.
عندما تم تأسيس "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، لم يكن بعد قد بدأ التمدد الإرهابي في مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون. أما في الوقت الحاضر، فقد تغيرت كل تلك المعطيات، وبينما تُضيِّق دول شمال أفريقيا، الخناق على الإرهابيين، يحدث العكس تماماً جنوب القارة السمراء مع استمرار الهجمات، وإنشاء القواعد والتأثير بهدوء على السكان أمام عجز الجيوش الوطنية.
ولزيادة تعقيد الوضع، فإن نفس الأرض التي يحتلها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مرغوبة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وتحديداً فروعه في الصحراء الكبرى وغرب أفريقيا. وحتى وفاة زعيم داعش السابق، أبو بكر البغدادي، حافظت الجماعة على التوازن في هذه المنطقة، لكن يحدث عكس ذلك الآن. وتمتد الخشية من توسّع داعش من نيجيريا إلى موريتانيا، حيث توجد الفروع التابعة للقاعدة لذلك إذا كان داعش يرغب في التقدم، فيجب أن يكون ذلك على حساب القاعدة.
هذا هو الوضع الحالي لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". فمن جهة، يوجد التنظيم تحت ضغط داعش من الجنوب، الذي يستمر في القتال من أجل السيطرة على الأراضي، لا سيما على الحدود الثلاثية لمالي وبوركينا فاسو والنيجر. ومن ناحية أخرى، تضغط الجيوش الوطنية من جميع الجهات على التنظيم، فضلاً عن ملاحقة قوة برخان الفرنسية للتنظيم، والتي يبدو أنها مستعدة لتحييد أكثر من 200 إرهابي تم إطلاق سراحهم في آخر عملية تبادل رهائن. إلى كل هذا، يجب أن نضيف أن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تواجه نزيفاً داخلياً بانضمام بعض من مقاتليها لصفوف تنظيم داعش الإرهابي.
وفي ظل الظروف العادية، يجب أن نكون سعداء بهذا الوضع السيء "لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ولكن بعض الشكوك التي تطفو على السطح تفسد تلك الفرحة. هل من الأفضل ترك هذه المنطقة لداعش وحده؟ هل سيكون اندماج فرع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مع داعش أمراً طبيعياً في حال تخلت القاعدة عن نواتها؟ ويشير المراقبون الموجودون على الأرض إلى وصول مقاتلين أجانب، وكذا أسلحة تركية إلى الأراضي المالية لإشعال فتيل الصراع. وفي غضون ذلك، تمكّن الجيش الوطني الليبي من مصادرة شحنة أسلحة في ليبيا كانت في طريقها لتنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، لكن يبدو أنه تم إيصال شحنات أخرى من قبل.
وفي الأثناء، تفيد الأخبار الواردة من مقاطعة سوم في بوركينا فاسو، على الحدود مع مالي، أنه يتم استخراج كميات كبيرة من الذهب بالطرق التقليدية. وشهدت الأسابيع الماضية حضوراً كبيراً للجماعات المسلحة. وتقوم هذه المجموعات إما بفرض ضريبة على عمال المناجم أو شراء ما تم استخراجه بسعر ثابت، ومن يحاول معارضة ذلك، فسيلقى مصيراً معروفاً. بعض هؤلاء الإرهابيين هم من مالي والآخرون من بوركينا فاسو، مما يُرجح أن يكونوا من القاعدة وداعش. ومن خلال ما سبق، يظهر لنا عجز الحكومات الإقليمية عن السيطرة على الوضع، حيث يُعتبر استخراج الذهب في هذه الحالة مصدر تمويل للإرهابيين.
إن وصول الإرهابيين الأجانب إلى مالي وبوركينا فاسو من النيجر يمكن أن يقودنا إلى معرفة من تكون الأطراف التي لها مصلحة في زعزعة الاستقرار وسط أفريقيا. إن استمرار وصول شحنات الأسلحة التركية على متن رحلات جوية عسكرية تحط في ليبيا، يوضّح بما لا يدع مجالاً للشك الطرف المسؤول عن تدفق السلاح، لكن أردوغان في هذه المرحلة لا يهتم كثيراً بمعرفة العالم لذلك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة