انتصر السادات في الحرب وكان زايد سندا وعونا له في ساحة الوغى، وانتصر السادات في السلم واسترد أرضه وجنّب شعبه إراقة الدماء
هل يمكن للعالم بشكل عام، وللمصريين بشكل خاص، أن يتذكروا الرئيس أنور السادات هذه الأيام من دون وعي كامل وتذكر حاضر دوما بزايد الخير الباقي في قلوب الشعوب العربية عبر الزمن؟
اختلف المصريون والعرب حول الرئيس السادات، بل ولا نغالي إن قلنا أن الرجل الذي تجرأ على الأمل الحقيقي، وسعى في طريق سلام الأمم والشعوب إلى حد أن دفع حياته ثمنا لقيم آمن بها كان، وعن حق، من نوعية مغايرة من القادة الاستشرافيين الذين جنّبوا بلادهم الموت والمرار والدمار.
انتصر السادات في الحرب وكان زايد سندا وعونا له في ساحة الوغى، وانتصر السادات في السلم واسترد أرضه وجنّب شعبه إراقة الدماء وفتح أمامه أبواب النماء، وكان أيضا زايد إلى جانبه
وفي الوقت نفسه يبقى زايد رمزا للإنسان العروبي الخلّاق، ذاك الذي فتح قلبه للقاصي والداني، وعرف الجميع مكارم أخلاقه وحسن وصاله، شهامته ونخوته، وبات بعد رحيله مضربا للقادة التقدميين في حلهم وترحالهم.
السادات وزايد من الرجال الأماجد الذين نتوق لأن نجعل من تراب أرجلهم كحلا لعيوننا، وما تذكُّر العالم لهم هذه الأيام إلا عرفانا بالجميل، وإقرارا بأنهما رأيا من بعيد المواعيد والأزمنة التي لم تُحِط بها عقول القريبين منهم قبل أربعة عقود.
ما الذي أعاد التذكير بالسادات ومن جديد هذه الأيام؟
باختصار غير مُخلّ، الذكرى المائة لميلاده التي تحل في 25 ديسمبر الجاري، وهي المناسبة التي قرر فيها الكونجرس الأمريكي، منح اسم الرئيس المصري الشهيد "ميدالية الكونجرس الذهبية"؛ اعترافا بدوره في تغيير مسار التاريخ، من الكراهية والخصام إلى المودة والسلام.
الميدالية المشار إليها يُعدّ السادات أول عربي يحصل عليها في التاريخ، ومنذ نشأتها، ونقرأ في صيغة براءة الميدالية أن القائد المصري الشجاع يُعدّ في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي العالم كله، زعيما محترما وبطلا للسلام، وأن رؤيته قدمت خارطة طريق لحل سلمي لصراع طال أمده، وقدم للعالم وللمنطقة معاهدة تعد ركيزة للسلام في المنطقة، اليوم.
تاريخ السادات يحملنا على تذكر تاريخ زايد بحروف من نور في الحرب وفي السلم، فقد كان زايد الخير أخا وشقيقا للسادات بصورة غير اعتيادية، ومواقفه سوف تبقى خالدة مدى الدهر.
مواقف زايد مع مصر السادات لا تبدأ من السادس من أكتوبر 1973، وإنما تسبقها في واقع الأمر بكثير، وهناك الأكثر لم تطلع عليه أعين القراء بعد، غير أن الرجل هو صاحب الصيحة الشهيرة الخاصة بالنفط، وكيف أنه ليس أثمن ولا أغلى من الدم العربي، وقد كانت صيحته بجوار موقف المغفور له الملك فيصل بمثابة دعوة لتقييم الذات العربية بأعين حقيقية، وربما للمرة الأولى، ما دعم المقاتلين العرب على الجبهتين المصرية والسورية.
حين نطلق على الراحل الكبير مؤسس الاتحاد الإماراتي لفظة "زايد الخير" فإن التعبير في موقعه وموضعه بكل تأكيد وتحديد، ويكفي أن نراجع ما فعله الرجل في الأيام الأولى من حرب أكتوبر حين كان في لندن، وبلغته أخبار المعركة، وقد بادر وقتها بلقاء ممثلي عدد من البنوك انتهت بحصوله على قرض بـ100 مليون دولار من لندن ميدلاند بنك بضمان شحنات نفط أبوظبي، وتم تحويله إلى مصر، لتغطية ثمن قطع غيار للطائرات الحربية المصرية، بناء على طلب قائد سلاح الجو المصري اللواء حسني مبارك من الرئيس السادات.
استشرف زايد الخير أن الحروب والدماء المراقة ليست هي الطريق الأمثل لإنهاء النزاعات، ولهذا رفض منطق جبهة دول الرفض الذي حاول حصار مصر وإقصاءها عن محيطها العربي، وقال يومها كلمته الشهيرة: "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية".
يخبرنا معالي وزير الدولة زكي نسيبة في حوار أخير له مع مجلة "نصف الدنيا" المصريه، أجراه الزميل محمد منير، أن زايد كان يُكِنّ لمصر والمصريين محبة كبيرة جدا، وكان يعتبر مصر هي العمود الفقري للوطن العربي، وكان يقول دوما إن العالم العربي بحاجة لهذا الثقل الذي تمثله مصر، وكان يعجب لما لها من تاريخ وحضارة ودور كبير في السياسة العالمية، وكان على علاقة جيدة دائما مع رؤساء مصر، وبعد مقاطعة مصر على إثر كامب ديفيد، كان أول من طالب بعودة مصر للوطن العربي، وأكد أن هذه المقاطعة يجب أن تنتهي، لأن مصر هي ركيزة في العالم العربي.
أثبتت الأيام تباعا أن السادات كان صاحب نظرة تقدمية، وأنه استبق حركة التاريخ بتوقعاته وتوجهاته، وربما أدركت القيادة الفلسطينية متأخرا جدا أن فرصة كبيرة ضاعت وأن عرضا لم يتكرر قد ذهب إلى غير رجعة، بعد أن بقيت مقاعد الوفد الفلسطيني إلى فندق مينا هاوس أمام أهرامات القاهرة فارغة من أصحابها، بعد اتهامهم السادات بالخيانة والمصريين بالرضوخ للعم سام.
انتصر السادات في الحرب وكان زايد سندا وعونا له في ساحة الوغى، وانتصر السادات في السلم واسترد أرضه وجنّب شعبه إراقة الدماء، وفتح أمامه أبواب النماء، وكان أيضا زايد إلى جانبه.
وحتى بعد رحيله، بقي زايد الخير وفيا لمصر في علاقته مع الرئيس السابق حسني مبارك، والذي وصف الشيخ زايد بأنه كان رجل مبادئ وأخلاق، وحافظ بسياسته الحكيمة على استقرار دولة الإمارات، وتحقق على أرضها تطور كبير في مجالات مختلفة.
وعن علاقة زايد بمصر اضاف مبارك ذات مرة بان الشيخ الراحل لم يتاخر عن مصر ابدا ، وانه اي مبارك انبهر من التقدم الذي شاهده في الامارات ، وان الفضل في ذلك يرجع للشيخ زايد ، وان مصر تحمل له كل حب وتقدير .
رحم الله السادات وزايد ، وسقى الله زمن الرجال الاماجد .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة