تمتلك إيران نزعة توسعية تستخدم التشيع رأس حربة لاختراق المجتمعات الإسلامية، بل ذهب طموحها إلى محاولة التأثير في مناسك الحج
تمتلك إيران نزعة توسعية تستخدم التشيع رأس حربة لاختراق المجتمعات الإسلامية، بل ذهب طموحها إلى محاولة التأثير مذهبياً وسياسياً في مناسك الحج، لتحقيق أهدافها التوسعية، ومن هنا كان الصراع الإيراني مع السعودية في مواسم الحج، وهو ليس صراعاً سياسياً فحسب، ولا تقصد به إيران مشاكسة السعودية وإفساد مواسم الحج فقط، بل الموضوع يتجاوز ذلك إلى تحقيق طموحات لم تتحقق في التاريخ الإسلامي.
يقوم المجهود الإيراني المتكرر على إثارة الشغب والفوضى مرة بتهريب متفجرات، كما حدث في موسم سابق، أو إدارة مظاهرات أو الدفع بوفدها لإحداث فوضى عارمة في موسم الحج، كما كانت الحال في مواسم متعددة أخرى، ما أدى بشكل متكرر إلى سقوط الكثير من الضحايا وإثارة بلبلة وإثارة الحجاج ضد بعضهم، وتحريض المسلمين ضد السعودية، بصفتها الدولة المُضيفة والمُنظمة للشعائر. ثم جاء رفض إيران التوقيع على اتفاق الحج مع السعودية، وإعلان رفضها إرسال حجاج إلى موسم الحج هذا العام، بسبب رفض السعودية لمطالب إيرانية ليست لها علاقة بشعائر الحج.
وتتبع إيران استراتيجية التصعيد وافتعال المشكلات واستثمار أية أخطاء والاتجار السياسي بمواسم الحج، لتحقيق أهداف لم تعد خافية على أحد، ويؤيدها في ذلك الجماعات المذهبية التابعة لها بشكل ببغائي، كما نرى في الدول المجاورة في العالم العربي التي تحكمها أو تسيطر عليها مليشيات صفوية، كالعراق ولبنان واليمن، وتتعمد زرع الحقد المذهبي وتأصيله لدى الطبقات الشعبية الإيرانية والصفوية عموماً في المنطقة ضد السعودية، وهو الأساس المطلوب لاستمرار النزاع مع السعودية على المدى الطويل من ناحية، وتأهيل أتباعها في المنطقة لأهداف عدوانية ضد السعودية في المستقبل من ناحية أخرى، وهو المطلوب لتحقيق مآرب إيران التوسعية في المنطقة.
ظهرت بعض المذاهب الباطنية نتيجة لصراع سياسي دار في القرون الأولى من تاريخ الإسلام، حول ادعاء البعض أحقية مقدسة في الحاكمية، بناء على انتسابهم لسلالة النبي - عليه الصلاة والسلام -، وإن كان هذا الادعاء أساسه سياسي إلا أن أتباع هذا الادعاء نسجوا بعد ذلك مذهباً فقهياً حول الحق السلالي، فنتج منه مذهب إسلامي كامل لا يدور حول العقيدة، التي هي أساس الدعوة الإسلامية، بل على مسالة الإمامة المقدسة قسراً، وارتبط تاريخ هذه الفرق بنزعة عدوانية تستهدف الدول الإسلامية عبر التاريخ، لإسقاط هذه الدول أولاً ثم إسقاط مرجعتيها الدينية، لفرض تفسـيرها الطائفي الضيق المسـيّس.
تراعي السعودية أن تكون شعائر الحج وفق المنهج الإسلامي الصافي بعيدة عن أهداف سياسية أو اجتهادات مذهبية مثيرة للفُرقة بين المسلمين، والتي ظهرت بعد مئات من السنين من وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام -، بينما تسعى إيران إلى فرض أجندة سياسية ومذهبية على الحج، وتقوم الاستراتيجية الإيرانية على محاولة إظهار أن السعودية لا تمتلك الكفاءة على إدارة الحشود، وذلك بإثارة تظاهرات واضطرابات ثم استثمارها إعلامياً، وبالتالي المطالبة (بتدويل الحج والإشراف على الحرمين الشريفين) عبر مشاركة إسلامية، تشمل إيران طبعاً، مع السعودية في إدارة الأماكن المقدسة وشعائرها، وهدف إيران هو تحقيق أهداف بالغة الخطورة:
أولاً: تسييس الحج بإدخال ما يسمى دعاء (البراءة من المشركين والمستكبرين وأميركا المجرمة)، على حد تعبير الخميني الذي طالب بممارسة هذا الدعاء، وهو مطلب سياسي في المقام الأول، إذ تحاول إيران تحويل الحج إلى مظاهرة سياسية، محاولة إحراج السعودية، وإظهار أن إيران، وليس السعودية، هي المدافعة عن المسلمين ضد أعداء الأمة، إذ سيتم تصعيد الصراع حول القضية الفلسطينية والقضايا الأخرى للعالم الإسلامي، وهي قضايا تقدم فيها إيران دعماً شكلياً لاستعمالها في الغرض الدعائي، وتسعى إيران إلى تحقيق الزعامة السياسية على العالم الإسلامي.
ثانياً: المشاركة في إدارة الحج هي مرحلة أولى ستتبعها حتماً محاولة لتحريف شعائر الحج باعتبارها مرحلة ثانية بممارسة بعض شعائر شيعية، كالمطالبة بإضافة (دعاء كميل) وهو أحد الأدعية التي يُقال إن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خص بتعليمه أحد الصحابة، أو التوسع في تطبيقات مذهبية أخرى، أو المطالبة بممارسات صوفية لإحراج السعودية ووضعها في مواجهة تيارات سنية أخرى.
ثالثاً: نشر النفوذ الإيراني عبر تثبيت فكرة (المظلومية) خلال الحج لدى الدهماء من المسلمين، لتصبح حاضنة مناسبة للتبشير بالمذهب الصفوي، الذي يقوم على فكرة المظلومية في الدول التي قدم منها الحجاج، يتلوه الاستخدام السياسي لهذا الفكر وتأسيس البؤر الإرهابية والميليشيات وجماعات النفوذ التابعة لإيران في العالم الإسلامي للتغلغل في دوله. وتجب على السعودية مواجهة هذا المخطط عبر:
- التنسيق الدائم مع الدول الإسلامية للاستمرار في الموقف الموحد ورفض جماعي لأية محاولة لتدويل إدارة الحج أو فرض أجندة سياسية أو مذهبية على الشعائر.
- عدم قصر المجهود السعودي على حكومات الدول الإسلامية فقط، بل مخاطبة المؤسسات والشخصيات الدينية السنية الرسمية في دول العالم الإسلامي، ثم النزول إلى الجماعات الإسلامية الشعبية والمساجد والمنابر التابعة لهم، وكذلك التعاون مع الشخصيات السياسية والإعلامية والاجتماعية والفنية المرموقة في هذه الدول، وكذلك الكتل الشيعية المعتدلة المعادية لإيران.
- استخدام ذكي وواسع للإعلام بإنتاج برامج متعددة بمختلف لغات العالم الإسلامي تظهر مخططات إيران وتطورها وأهدافها الحقيقية، ونشر هذه البرامج بشكل متكرر في وسائل إعلام الدول الإسلامية، باستخدام لغة إسلامية معتدلة تراعي ظروف وتكوين كل دولة، لشرح أن سياسة إيران تثير الفتن بين المسلمين وعرض جرائم ميليشياتها في العراق وسورية ولبنان واليمن، وكذلك برامج للشعوب والسياسيين والإعلاميين في الدول الغربية، للكشف عن مآرب إيران في نشر الإرهاب الدولي.
- اللجوء إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية للحصول على مواقف داعمة، من منطلق أن السياسة الإيرانية ستقود إلى تصعيد جرائم الكراهية الدينية وتشكيل الميليشيات الإرهابية، كحزب الله اللبناني حول العالم، بما يقوض المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب.
- استخدام مراقبين من الدول الإسلامية والغربية لمراقبة لصيقة ومستمرة لبعثات الحج الإيرانية، لرصد أنشطة التخريب التي يرتكبها الإيرانيون، وتصويرها بالكاميرات عن قرب، وبثها في شبكات التلفزة الدولية.
- بحث إمكان مقاضاة إيران في المحاكم الدولية على الشغب في الحج، لما فيه من خطر على المدنيين والممتلكات.
لا يكفي لمواجهة إيران الالتزام بسياسة دفاعية، بل الانتقال إلى المبادرة بالوسائل السياسية والإعلامية، وهي الطريق الوحيد لمواجهة إيران التي تمتلك مشروعاً متكاملاً للسيطرة على المنطقة.
*نقلا عن جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة