لعل أطرف ما جرى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية هو تغطية الإعلام الأمريكى لها فهو فى تغطيته لنتائج ولاية أيوا اعتبر هيلارى كلينتون «فازت»
لعل أطرف ما جرى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية حتى الآن هو تغطية الإعلام الأمريكى لها. فهو فى تغطيته لنتائج ولاية أيوا، اعتبر هيلارى كلينتون «فازت»، ودونالد ترامب «انهزم»، وماركو روبيو «النجم الصاعد». وتلك فى الحقيقة خلاصة طريفة لا تقل عنها طرافة أن الاهتمام البالغ بانتخابات ولاية أيوا ظاهرة إعلامية أصلاً.
فالفائز الحقيقى فى فريق الديمقراطيين كان برنى ساندرز الذى «هزمته» كلينتون. فحين تكون مرشحاً يتجاهله الإعلام وتبدأ السباق بفارق يقل 20% عن منافستك القوية، ثم تأتى نتيجة الانتخابات لصالح تلك المرشحة بفارق يقل عن 0.2% فلابد أنك الفائز الحقيقى. أكثر من ذلك، فقد كان الفارق ضئيلًا فى عدد «غير معلوم» من مقاطعات الولاية لدرجة دعت مسؤولى الانتخابات لاستخدام لعبة «ملك وكتابة» التى انتهت، كلها بالمناسبة، لصالح كلينتون! أكثر من ذلك، فإن برنى ساندرز حصل على 84% مِن أصوات مَن تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عاماً، وعلى 58% ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و44. وهيلارى كلينتون التى أعلنت فوزها فى ولاية أيوا راحت تخفض بوضوح من توقعات مؤيديها بالنسبة لولاية نيوهامبشير التالية فى السباق، والتى يرجح ألا يقل أداء ساندرز فيها عن سابقه.
أما على جانب الجمهوريين فقد ركز الإعلام على ترامب وروبيو أكثر من تركيزه على الفائز تيد كروز. صحيح أن فوز كروز لم يكن مفاجئاً نظراً للحضور القوى لليمين الدينى بين ناخبى الولاية إلا أن حكاية روبيو «الصاعد» تلك مصنوعة صنعاً. فترامب «المهزوم»، فى نظر الإعلام، حصل على أصوات أعلى من روبيو! ولم يكن هناك أطرف مما فعلته شركة طيران صغيرة بولاية فلوريدا تهكماً على حكاية «صعود روبيو». فهى أعلنت عن تخفيض لتذاكرها بنسبة 36%، أى ما يساوى مجموع أصوات روبيو، سيناتور الولاية، وجيب بوش، حاكمها السابق مجتمعين!.
وانتخابات ولايتى أيوا ونيوهامبشير فى ذاتها صناعة إعلامية. فكلتاهما لا تمثل بأى معيار عينة دقيقة للناخبين الأمريكيين. فرغم أن سُود أمريكا يمثلون حوالى 13% من السكان، ويمثل الأمريكيون من أصل لاتينى (اللاتينو) حوالى 17%، فإن 91% من سكان ولاية أيوا من البيض، ولا يمثل السود سوى 2% فقط، واللاتينو 4%. وفى نيوهامبشير يشكل البيض 94% من السكان، بينما يمثل السود 2% واللاتينو 3.3%. لكن الولايتين صارتا مهمتين بشكل مبالغ فيه حين وقع الإعلام فيهما ضحية توقعاته الخاطئة فى 1972. ففى ذلك العام، رشح جورج ماكجفرن نفسه عن الحزب الديمقراطى، وأعطى اهتماماً غير مسبوق لولاية أيوا.
لكن الإعلام وقتها تجاهله ولم يعتبره ضمن المرشحين الذين «يستحقون التغطية». لكن ماكجفرن انتهى بالولاية فى المركز الثانى بهامش بسيط للغاية فاجأ الإعلام الذى كان يركز وقتها على مرشح آخر هو إدموند موسكى باعتباره الفائز «المتوقع» بترشيح الحزب. ثم جاء شهر إبريل من ذلك العام ليحمل معه صدمة كبرى، فقد انهارت تماماً حملة موسكى، فبات الإعلام ضحية توقعاته. فقد تبين أن ماكجفرن الذى تجاهلوه سيحصل على ترشيح الحزب.
لذلك، عندما بدأت حملة 1976، شهدت ولاية أيوا تكثيفاً إعلامياً مذهلاً قبل إجراء الانتخابات وأثناءها، مما لعب فى ذاته دوراً هائلاً فى فوز جيمى كارتر بمركز الصدارة فى الولاية. ومنذ ذلك التاريخ صار التركيز الإعلامى المبالغ فيه هو الذى يجبر المرشحين على الاهتمام المبالغ بأيوا ثم نيوهامبشير التالية لها مباشرة فى السباق.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة