قطر متفردة في قبول التنظيمات المتطرفة لوساطتها سواء لإطلاق سراح أسراهم أو حتى إطلاق سراح الرهائن الذين سقطوا في قبضتهم، فهل كانت تلك التنظيمات ستقبل بوساطتها لو كانت ادعاءات قطر صحيحة في أنها تبذل جهدا للقضاء عليها
كثيرا ما كانت تتردد في وسائل الإعلام القطرية أو المدعومة من قطر قصص نجاح صيغة حبكتها القيادة القطرية وتفاصيل هذه القصص وخيوط نجاحها في سياق يجعل من السامع شخصا منساقا مسلوب الإرادة مصفقا ومحتفلا بذاك الإنجاز الذي لو أُفرغ من قالبه لظهر الوجه المأساوي لقصة النجاح تلك وما تحويه من فصول وآثار بشعة ترتبت أو ستترتب عليها في قادم الأيام.
المشهد يتلخص في نجاح الدبلوماسية القطرية في تحرير رهائن ومختطفين لدى أعتى وأقوى الجماعات الإرهابية في العالم بل وأكثرها شراسة، أو مشهد آخر يتمثل في إعلان قطر نجاح وساطتها في التوفيق بين طرفي نزاع مسلح استمر عقودا من الزمن لم يكن أكبر المتفائلين وفطاحل التحليل السياسي والعسكري يظنون أو يعتقدون حتى باحتمال جلوس الطرفين على طاولة الحوار.
في تلك القصص عادة ما يبدأ المشهد في تسارع كبير بإعلان مفاجئ لهذا النجاح ثم الانتقال السريع إلى تفاصيل الاتفاق وما تم التوقيع عليه وآلية التنفيذ والزمن المحدد لها، واللقاءات التالية للوقوف على ما تم تنفيذه من عدمه، ومناقشة المعوقات بطبيعة الحال إن وُجدت، وفي خضم هذه البيانات والتفاصيل المتسارعة والمملة أحيانا يتم تضييع الحقيقة التي لو سارت الأمور وفق التسلسل الصحيح لها لظهرت للعيان دون الحاجة للتخمين أو التدقيق أو التمحيص، فالوساطة لها شروطها ومقوماتها التي لو توفرت لكانت أجابت على الكثير من الأسئلة حتى قبل طرحها، كالإجابة على التساؤل الذي من المفترض أنه جوهري والمتمثل في سبب قبول وساطة قطر التي لا تشفع لها خبرتها السياسية حتى في إدارة أمورها الداخلية، والتي تابعنا حلها بانقلاب الابن على أبيه، كما لا يشفع لها ثقلها العسكري كقوة عظمى أو حتى بأدنى درجات القبول كقوة عسكرية مؤثرة في المنطقة، كما أن أحد أهم التساؤلات يبقى حائرا دون إجابة، ما ضمانات الالتزام بما ستسفر عنه الوساطة وكيف تولدت الثقة لدى قطر بالتنظيمات الإرهابية وما الذي ولد الثقة لدى الإرهابين بقطر كمنسق ومحتضن ومنظم للحوار والضامن لمخرجاته؟
قطر متفردة في قبول التنظيمات المتطرفة لوساطتها سواء لإطلاق سراح أسراهم أو حتى إطلاق سراح الرهائن الذين سقطوا في قبضتهم، فهل كانت تلك التنظيمات ستقبل بوساطتها لو كانت ادعاءات قطر صحيحة في أنها تبذل جهدا للقضاء عليهاعادة ما يكون الوسيط صاحب مصالح مشتركة مع أطراف الحوار تتنوع وتختلف وتتباين تلك المصالح لكنها تُبقى نقاطا مشتركة مهدت لتلك الوساطة التي بُنيت بالاعتماد على ثقة سابقة إذ من غير المعقول القبول بوساطة طرف يصرح بالعداء أو حتى يضمره في نفسه بل من غير المعقول القبول بوسيط تتعارض مصلحته مع أي طرف من أطراف الحوار.
من هذا المنطلق نجد أن قطر دولة وحيدة ومتفردة في قبول التنظيمات المتطرفة لوساطتها سواء لإطلاق أسراهم أو المقبوض عليهم من أتباعهم أو حتى إطلاق سراح الرهائن الذين سقطوا في قبضتهم، وبالرجوع إلى ما تدعيه قطر من أن لها جهودا في مكافحة الإرهاب والتصدي للمتطرفين فهل كانت تلك التنظيمات ستقبل بوساطة قطر لو كانت ادعاءات قطر صحيحة في أنها تبذل جهدا للقضاء عليها!؟
عندما قطعت الدول الخليجية الثلاث بداية علاقاتها مع قطر كان من مجموعة الأسباب وأهمها تمويل قطر للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة والتي وقعت قطر وتعهدت أمام الملك عبدالله بوقف تمويلها ودعمها لها إلا أنها تنصلت من تعهداتها بعد رحيل الملك عبدالله ظنا منها أنها ستنجو بفعلتها إن هي نقضت العهد وعادت للمربع الأول بنفي تمويلها لتلك التنظيمات، إلا أن قرب انتهاء المهلة التي قدمتها دول الخليج لقطر كي تعيد الأمور لمسارها الصحيح بالإقرار بما وقعت عليه وتعهدت به والبدء الفوري بالتنفيذ أصاب السياسة القطرية بالإرباك بداية بمحاولة الترويج لحصار وهمي والسعي لتدويل استخدام الدول حقها السيادي في قطع العلاقات الدبلوماسية ومنع قطر من استخدام الأجواء والمياه الإقليمية للدول المقاطعة، مرورا بتحوير الموقف السياسي وتصويره كجريمة إنسانية تستوجب تدخل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلا أن المشهد الأخير لخص الأزمة على لسان وزير الخارجية القطري خلال المؤتمر الذي عقده بالأمس في إيطاليا والذي اعترف فيه بأن قطر تمول الإرهاب والتنظيمات المتطرفة إذ إنه لا يرى في ذلك ضررا طالما أن قطر تأتي في ذيل قائمة الدول الداعمة للإرهاب، اعتراف لخص أزمة قطر وأجاب على دفاع أو تساؤل طرحه كثيرون بأنه لا دليل على دعم وتمويل قطر للجماعات الإرهابية فهل بعد الاعتراف يكون القصاص يا قطر!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة