الجزائر ودبلوماسية "إخماد الحرائق".. احتواء أزمات الجيران لإبعاد النيران
بثقلها الإقليمي والدولي، حرّكت الجزائر آلتها الدبلوماسية باتجاه "جوارها وما جاوره"، حيث تلتهب الأزمات الداخلية وما بين الدول.
ومنذ عودة المخضرم رمطان لعمامرة إلى وزارة الخارجية الجزائرية، مطلع الشهر الماضي، فعّلت الجزائر "دبلوماسية إخماد الحرائق" أو "دبلوماسية تصدير السلام"، كما عبر عن ذلك الوزير الجزائري غداة تسلمه منصبه.
- الجزائر تواجه مخاطر أمنية غير مسبوقة.. وخبير: "تطويق استراتيجي"
- الجزائر بعيون واشنطن: حنكة دبلوماسية وصوت مسموع
عرّاب مشروع "إسكات البنادق" بالقارة الأفريقية في 2020، لم ينتظر طويلا ليُخرج من جعبته خبرة حل النزاعات الدولية، فطار إلى مناطق توتر وأزمات بالمنطقة بحثاً عن مخارج سلمية.
وكان واضحاً من كشف لعمامرة عن أولويات الدبلوماسية الجزائرية في المرحلة القادمة رغبتها "للعودة بقوة" إلى عمقها الأفريقي والعربي، ليس في إطار ثنائي فقط، بل كـ"وسيط محايد وموثوق" لحل نزاعات القارة السمراء.
الدبلوماسية الأمنية
وفي ظرف أسبوع واحد، شهدت الجزائر نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً، تجلى في الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الذي قادته مرتين متتاليتين إلى تونس، كما تنقل بين عواصم أزمة سد النهضة وهي إثيوبيا والسودان ومصر.
- مصر والجزائر تؤكدان دعمهما صون استقرار تونس وإنفاذ إرادة شعبها
- للمرة الثانية بأسبوع.. رسالة من "تبون" للرئيس التونسي
وأعلن عن وساطة جزائرية في النزاع الحدودي بين أديس أبابا والخرطوم، وكذا ملف أزمة سد النهضة الشائك بطلب إثيوبي، والذي اعترف المسؤول الجزائري بأنه "معقد وحساس" للدول الثلاث، ودعا لأن يكون حله داخل أسوار الاتحاد الأفريقي.
وفي خضم ذلك، استقبلت الجزائر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، طغى خلالها الجانب الأمني على أجندة زيارته الأولى للجزائر.
وهي الأزمة التي رافعت الجزائر منذ اندلاعها من أجل أن يكون حلها "ليبياً-ليبياً" بعيدا عن التدخلات الخارجية، كما أن انفلات الوضع الأمني بليبيا جعل الجزائر من أكثر دول المنطقة المهددة بانتقال السلاح والجماعات الإرهابية إليها وإلى منطقة الساحل.
احتواء الأزمات
وأكد خبيران جزائريان في تصريحات متفرقة لـ"العين الإخبارية" أن التحرك الدبلوماسي للجزائر باتجاه جوارها الملتهب وعمقها الأفريقي مرده زيادة التوترات بالمنطقة، بما بات يهدد الأمن القومي للجزائر بشكل غير مسبوق.
- السودان يرحب بالمبادرة الجزائرية حول "سد النهضة"
- إثيوبيا تطلب وساطة الجزائر حول سد النهضة.. لعمامرة بين 3 عواصم
الخبيران أشارا إلى الخطر الداهم على الجزائر من معظم أزمات جيرانها، بدءا من تونس وليبيا، مرورا بالنيجر ومالي التي تعاني من انفلات أمني كبير منذ نحو عقد كامل.
الجزائر بحسب الخبيرين تبحث من خلال دبلوماسيتها عن تحقيق هدفين اثنين ينحصران تحت "استراتيجية احتواء الأزمات".
الأول هو محاولة إخماد النيران المحيطة بها خصوصاً في ليبيا ومالي خشية وصولها إلى العمق الداخلي وبالأخص الخطر الإرهابي، من خلال مساعدة الفرقاء في البلدين على إيجاد حلول سلمية بعيدا عن التدخلات الخارجية.
أزمتان تحاصران الجزائر من خاصرتيها الشرقية والجنوبية منذ 10 سنوات كاملة، ساعدت على تحول هذين البلدين إلى أرض خصبة لأخطر الجماعات الإرهابية، ما يدفع البلاد -حسب المراقبين- لإشهار ورقة حل الأزمات كواحدة من مقاربات تضييق الخناق على إرهاب المنطقة، بعد أن استبعدت أي إمكانية لتدخل عسكري.
أما الهدف الثاني فهو إعادة الدبلوماسية الجزائرية إلى "أعوام توهجها" في المحافل الدولية، خصوصاً أن لها باعا طويلا في حل الأزمات الدولية خاصة بالقارة الأفريقية.
وهما الهدفان اللذان أكدهما سفير الجزائر لدى رومانيا علي مقراني في تصريحات إعلامية، حيث أكد أن بلاده "تعمل بلا هوادة" من أجل إيجاد حلول سلمية للأزمات التي تعرفها بعض بلدان الجوار في إطار القانون الدولي.
التحديات الصعبة
تحرك دبلوماسي كثيف دفع مراقبين إلى طرح تساؤلات عن إن كان ذلك مرتبطاً بـ"تحول دبلوماسي" جزائري فرضته التطورات السياسية والأمنية الإقليمية المحيطة، أم هي عودة لـ"أصول الدبلوماسية" الجزائرية، وكذا مدى قدرة الجزائر على إخماد نيران المنطقة في ظل المتغيرات الحاصلة في السياسة الدولية.
- جيش الجزائر يحذر: السياق الدولي لا يرحم الضعفاء
- مبادرة جزائرية من السودان لدفع الحلول السلمية بالمنطقة
الباحثة في العلاقات الدولية نايلة برحال أكدت أن "الجزائر بحكم موقعها الاستراتيجي وثقلها الدبلوماسي خلال أعوام سابقة فإنها مجبرة اليوم على إعادة تحريك آلتها الدبلوماسية من جديد، خاصة في منطقة الساحل لعدة اعتبارات أكبرها الأمنية".
وأوضحت في حديث مع "العين الإخبارية" أن "تدهور الوضع في مالي وليبيا والتحالف بين الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، كلها معطيات فرضت على الجزائر العودة إلى الواجهة بعد ركود دبلوماسي، كان له عدة انعكاسات وسط تراجع دورها".
ونوهت إلى أن إعادة لعمامرة على رأس الدبلوماسية الجزائرية "يندرج في ذلك وفي الإرادة السياسية التي عبر عنها الرئيس عبدالمجيد تبون عدة مرات والتي أكد فيها أن الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي على المستوى الإقليمي، وكان ذلك ملموساً من خلال التحركات الجزائرية خاصة لحل الأزمة في ليبيا وجهود إعادة بعث اتفاق السلام في مالي، وهي العودة التي تكون بالتمسك بمبادئ أبرزها عدم التدخل في شؤون هذه الدول، وترافع دائماً للحوار والحلول السلمية للأزمات".
واستطردت قائلة: "لعمامرة ملم بعدة ملفات خاصة منطقة الساحل، وكما كانت الجزائر نموذجا في مكافحة الإرهاب فهي اليوم ترمي بثقلها الدبلوماسي ليس للعودة فقط بل لإيجاد حلول لأزمات المنطقة، وهي تحديات خارجية صعبة".
تحرك استباقي
المحللة السياسية نايلة برحال لفتت أيضا إلى أن التحرك الدبلوماسي الجزائري "ليس وقائياً فقط، بل استباقي"، مرجعة ذلك إلى أن "استمرار تدهور الأوضاع بمنطقة الساحل ودول الجوار فإن الجزائر هي المتضرر الأكبر من الانفلات الأمني، وأعتقد أن الجزائر هو البلد الوحيد الذي ينعم بالاستقرار الداخلي وسط هذه المنطقة المضطربة وتمكن بفضل مجهودات جيشه من دحر خطر الإرهاب".
وأضافت أن تحرك آلة الدبلوماسية الجزائرية "ليس من أجل الدبلوماسية فقط لكن دورها وقائي واستباقي من مشاكل قد تؤثر على داخلها وتعمل من خلالها للحفاظ على أمنها واستقرارها، والأولوية هو عودة الأمن لمنطقة الساحل والذي يعد أكبر ضمان لأمن واستقرار الجزائر".
تدارك دبلوماسي
الدكتور حسين قادري أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر أوضح في حديث مع "العين الإخبارية" أن "هناك مؤشرات أولية في تحول الدبلوماسية الجزائرية وهو ما تضمنه الدستور الجديد عن إمكانية انخراط الجزائر في استخدام قواتها العسكرية تحت مظلة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية".
وتابع قائلا: "ومع تعيين رمطان لعمامرة على رأس وزارة الخارجية تداركت الجزائر بأنها تأخرت سنوات طويلة لأنها لم تكن تعطي الأهمية اللازمة للجانب الدبلوماسي، وللأسف الشديد لم يكن من اهتمامات الحكومات المتعاقبة الشؤون الداخلية لتحقيق التنمية ولا الخارجية لتحسين صورة الجزائر وخدمة قضاياها، كانت الجزائر تحت سطوة عصابة مهتمة بالسرقة وتحويل الأموال".
وأشار الأكاديمي الجزائري إلى أن من أهم مؤشرات التغيير في الحكومة الجديدة التي ورثت تحديات كبيرة هو الملف الدبلوماسي، معتبرا أن "مكانة الجزائر الأفريقية تراجعت بشكل كبير لصالح أطراف أخرى، وحتى وإن كانت قضاياها عادلة إلا أنها لم تعد تحسن الدفاع عنها".
ولفت إلى أن ما يميز لعمامرة "معرفته الدقيقة بالملفات الدبلوماسية الجزائرية شرقاً وغرباً، وكذا فهو رجل مخضرم ومؤهل لأن ينتقل بدبلوماسية الجزائر من دبلوماسية دفاعية إلى هجومية، والأولوية كيفية إيصال مواقفها بطرق دبلوماسية مناسبة وسريعة في الزمان والمكان وتقنع بها الأطراف الأخرى".