أسبوع الجزائر.. الحوار يعصف بالإخوان ويفكك مراكز الدولة العميقة
مذكرة توقيف ضد وزير الدفاع الأسبق، وهجمة الإخوان على مساعي الحوار، وسجن المزيد من وزراء نظام بوتفليقة كانت أبرز أحداث الجزائر.
جاءت أيام أسبوع الجزائر المنصرم حبلى بالتطورات المفاجئة في الشهر السادس من عمر الأزمة السياسية، التي وضعت قاطرتها على سكة الحوار بعد أن شرعت لجنة الوساطة في لقاءاتها مع مختلف الأطراف، وسط محاولات إخوانية فاشلة لإجهاض الالتفاف الشعبي والسياسي حول مخرج آمن يجنب البلاد "حلولاً قيصرية" شبيهة بفترة التسعينيات.
- أسبوع ساخن بالجزائر.. حوار متعثر وطوارئ بسبب الحرائق وحوادث المرور
- الجزائر في أسبوع.. خطوات جديدة لحل الأزمة وتفكيك نظام بوتفليقة
فترة تذكرها الجزائريون خلال الأسبوع الماضي، بعد أن أصدر القضاء العسكري مذكرة توقيف ضد خالد نزار وزير الدفاع الأسبق الذي يوصف بـ"العلبة السوداء لفترة العشرية السوداء"، التي شهدت انفلاتاً أمنياً غير مسبوق بعد تغول نشاط الجماعات الإرهابية.
وعلى مدار أسبوع كامل، كان مصطلحا "الإخوان" و"الفساد" الأكثر تداولاً في الساحة السياسية، بتصريحات إخوانية "منتهية الصلاحية" كما وصفها مراقبون، وارتفاع عدد وزراء بوتفليقة المسجونين إلى 8 بتهم فساد، مع تعهد حكومي جديد بالحفاظ على مناصب الشغل في شركات رجال الأعمال القابعين في السجن.
صفعتان في يوم واحد
أطل إخوان الجزائر برؤوسهم من جديد خلال الأسبوع الماضي بتصريحات منتقدة ومشككة في كل الأطراف الباحثة عن مخرج للمأزق السياسي، بعد أن اتهمتها بـ"خدمة السلطة ومحاولة الالتفاف على مطالب الحراك".
- قائد الجيش الجزائري يهاجم الإخوان لعرقلتهم حل أزمة البلاد
- "الحوار" الجزائرية ترد على مكائد الإخوان: لا نمثل أي طرف
وهي التهمة التي أجمع مراقبون تحدثوا لـ"العين الإخبارية" على أنها الأسطوانة القديمة والوحيدة التي بقيت أمام الإخوان لترديدها في مشهد متأزم ومتغير في آن واحد، بات فيها الشارع "قوة رفض" لعقيدة "لا أريكم إلا ما أرى" التي ينطق بها إخوان الجزائر منذ تسعينيات القرن الماضي.
وفي يوم واحد، صُفع الإخوان بمواقف فضحت وأكدت مساعيهم لعرقلة الحوار في مهده، إذ هاجم قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح التيارات المشككة والمعرقلة لمساعي إيجاد حل للأزمة السياسية، في إشارة إلى التنظيم الإرهابي وتابعيه من الدولة العميقة.
ولم يتوان الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية في وصفها بـ"المجموعات الصغيرة التابعة للعصابة التي ترفض أي مبادرات لحل الأزمة"، و"الأطراف المتشبثة بمطالب تجاوزها الزمن والإنجازات".
واتهم قايد صالح تلك الأطراف بـ"الانزعاج من استقرار بلاده"، وكشف في السياق ذاته عن وجود معلومات لدى القيادة العليا "حول المخططات المعادية التي تستغل الوضع الراهن للبلاد، لمحاولة فرض أجنداتها والتأثير في مسار الأحداث".
وللمرة الأولى، أثنى على جهود لجنة الحوار والوساطة وأعلن دعمه لها، بالتزامن مع الهجمة الإخوانية عليها في إشارة إلى مواجهة شاملة لمخططات الجماعة الإرهابية.
كما نفت لجنة الحوار والوساطة أن تكون ممثلاً لأي طرف، سواء السلطة أو الحراك الشعبي أو المعارضة.
وذكر عدد من المحللين السياسيين لـ"العين الإخبارية" أن قائد الجيش الجزائري وجه رسائل مشفرة وأخرى مباشرة للقيادات الإخوانية والأطراف المحسوبة على الدولة العميقة، بعد أن وضعها للمرة الأولى في سلة واحدة وهي "العصابة".
غير أن الكاتب والمحلل السياسي محمد دلومي "استبعد" أن يكون كلام قائد الجيش موجهاً للإخواني عبدالله جاب الله رئيس ما يعرف بـ"جبهة العدالة والتنمية".
وبرهن على رأيه في تصريح لـ"العين الإخبارية" بأن "الإخواني وحزبه أصغر من أن يرد الجيش عليهما، أو يوجه لهما رسائل تفوق مستوى استيعاب اسم مهووس بأنه زعيم التيار الإخواني، بينما الواقع يقول أنه انتهى سياسياً".
أول مذكرة توقيف دولية
شهد يوم الثلاثاء الماضي، إصدار أول مذكرة توقيف دولية منذ استقالة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي، من قبل القضاء العسكري ضد وزير الدفاع الأسبق خالد نزار ونجله لطفي ومساعده الشخصي فريد بن حمدين الذين كان وسيطاً مع شقيق بوتفليقة.
وجاء ذلك بعد "تغريدات" منسوبة لوزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار عبر موقع "تويتر" في الأسبوعين الأخيرين والتي شن خلالها هجوما على قيادة الجيش ودعا إلى تغييرها.
وأجمع المتابعون للشأن السياسي في الجزائر، على أن إصدار مذكرة التوقيف ضد "نزار" أهم من توقيفه في حد ذاته، مفسرين ذلك بأن "المذكرة الدولية تعني قطع الطريق أمام الأطراف الخارجية التي تقف وراءه وتسعى لخلط أوراق الأزمة السياسية" على حد تعبيرهم.
ويوصف خالد نزار الذي فر إلى فرنسا في النصف الثاني من الشهر الماضي بأنه "كاتم أسرار العشرية السوداء" التي كان خلالها "جنرال الجزائر القوي" وأحد مهندسي "المجلس الأعلى للدولة" (1992 – 1994).
ويتزامن إصدار أمر التوقيف الدولي، مع اعتزام نجل الرئيس الجزائري الأسبق والمغتال محمد بوضياف رفع دعوى قضائية ضد نزار ورئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين، بعد أن اتهمهما بـ"الوقوف وراء مقتل والده".
8 وزراء في السجن
وارتفع عدد وزراء "عهد بوتفليقة" الموجودين في سجن الحراش بالجزائر العاصمة خلال الأسبوع المنتهي إلى 8 وزراء، بعد أن أمرت المحكمة العليا، الإثنين الماضي، بإيداع كل من عبدالغني زعلان مدير حملة بوتفليقة السابق ومحمد الغازي وزير التشغيل والضمان الاجتماعي الأسبق رهن الحبس المؤقت بتهم فساد.
ووجهت المحكمة للوزيرين تهماً تتعلق بـ"استغلال النفوذ وإساءة استغلال الوظيفة، و"إبرام صفقات وعقود مخالفة للقانون".
في مقابل ذلك، جددت الحكومة تعهدها بالحفاظ على مناصب الشغل في الشركات المملوكة لرجال الأعمال الـ10 المسجونين بتهم فساد.
وكشفت حكومة نور الدين بدوي عن اتخادها إجراءات استعجالية تحمي العاملين فيها، وتحافظ على نشاط الشركات من الانهيار، دون أن تكشف عن طبيعة التدابير التي اتخذتها.
ويرى المراقبون أن التسريع من وتيرة المتابعات القضائية ضد رموز نظام بوتفليقة واستخراج ملفات فساد من أدراج وزراء وقضاة ومسؤولين أمنيين سابقين يحمل في طياته عدة دلالات.
من أبرزها "تفكيك هياكل أجنحة الدولة العميقة المرتبطة بشبكة متشعبة من الفساد، والتأكيد على مرافقة الجيش لمطالب الحراك، وتمهيد الطريق للرئيس القادم لمباشرة عهد جديد يُحدث القطيعة مع أساليب النظام السابق، يكون خلالها إعادة التوازن لاقتصاد البلد المتردي أولوية في مرحلة ما بعد الأزمة".