الجزائر وإسبانيا ترفعان شراكتهما الاستراتيجية والاقتصادية
الجزائر وإسبانيا توقّعان 8 اتفاقيات أمنية واقتصادية على هامش زيارة رئيس الوزارء الإسباني للجزائر.
كشف رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى، خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الإسباني، ماريانو راخوي براي، عن توقيع البلدين 8 اتفاقيات بينهما، "من بينها 5 وقعت بقاعة المؤتمرات، و3 وقعت عن بعد، عن طريق التكنولوجيا الرقمية"، دون أن يعطي تفاصيل أخرى عن طبيعة الاتفاقيات.
غير أن مصدرا مسؤولاً في الحكومة الجزائرية، أكد في اتصال مع "العين الإخبارية"، أن الاتفاقيات الموقعة بين الجزائر ومدريد "أمنية واقتصادية".
- قانون جديد في الجزائر لمكافحة الجرائم الإلكترونية
- الجزائر.. تفكيك خلية "الذئاب المنفردة" الداعشية غرب البلاد
وذكر المصدر أن الحكومتين الجزائرية والإسبانية وقعتا اتفاقية "في مجال رفع التنسيق الأمني والعسكري بينهما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية".
إضافة إلى اتفاقيات "في مجال تعزيز الاستثمار الإسباني بالجزائر خاصة بالتأمين الزراعي، وأخرى في مجالي التعليم العالي والتربية".
وفي كلمته أمام الدورة السابعة للاجتماع الثنائي الجزائري الإسباني التي انطلقت الثلاثاء، قال رئيس الوزراء الجزائري، إن "الجزائر مرتاحة للعلاقات المتميزة التي تربط البلدين، وبأنها علاقات تاريخية لا يشوبها أي نزاع"، في إشارة إلى قضية مقتل مهاجر غير شرعي جزائري في أحد السجون الإسبانية.
وأكد أويحيى أن القضية لن تؤثر على العلاقات مع مدريد، وهي "في يد العدالة الإسبانية"، مشيرا في سياق كلامه إلى وجود توافق جزائري إسباني في مسألة الهجرة غير الشرعية، التي وصفها "بالتصرف الخارج عن القانون".
كما كشف أن "الدبلوماسية الجزائرية اتخذت تدابير للتعاون مع نظيرتها الإسبانية لعودة المهاجرين السريين الجزائريين إلى بلادهم".
ورأى متابعون لتصريحات أويحيى، أنها "تكذيب رسمي جزائري" على الأخبار التي راجت مؤخرا عبر بعض وسائل الإعلام الدولية، والتي تحدثت عن وجود "أزمة في العلاقات بين الجزائر ومدريد على خلفية مقتل الجزائري في سجن إسباني، واستدعاء الجزائر سفيرا مدريد لطلب توضيحات".
ودافع رئيس الوزراء الجزائري عن "قوة العلاقات مع إسبانيا"، والتي قال إن لها "سنداً قوياً وهي معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي أبرمت عام 2002 بين الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، والعاهل الإسباني خوان كارلوس"، والتي أفضت إلى توقيع أكثر من 50 اتفاقاً في مختلف المجالات منذ ذلك التاريخ.
بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي براي، أن "الجزائر تعتبر شريكاً استراتيجياً بالغ الأهمية أمنياً واقتصادياً".
راخوي الذي وصل الثلاثاء إلى الجزائر لترؤس وفد بلاده في الدورة السابعة للاجتماع الثنائي الجزائري الإسباني، أكد أن "بلاده تعد البلد الأوروبي الوحيد الذي عقد أكبر عدد من الندوات رفيعة المستوى مع الجزائر، وهو ما يعكس درجة الالتزام التي يتشبث بها البلدان".
وأضاف أن المحادثات الجزائرية الإسبانية تركزت حول ملفات عدة، أبرزها "مكافحة الإرهاب في مناطق المتوسط والساحل الإفريقي، والمسألة الليبية، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين".
وأكد رئيس الحكومة الإسبانية أنه اتفق مع نظيره الجزائري "على ترك كل قنوات الاتصال مفتوحة للتطرق إلى التحديات العالمية والمسائل ذات الاهتمام الإقليمي، لا سيما المسائل الراهنة".
وعلق الخبير الأمني الدكتور أحمد ميزاب على تصريحات أويحيى وراخوي بالقول: "إنها تدل على الأهمية الكبيرة التي يوليها كل طرف للآخر، خاصة وأن الجزائر تعتبر الخاصرة الأمنية لجنوب إسبانيا، سواء في محاربة الإرهاب أو الهجرة غير الشرعية".
- واشنطن تنفي وجود قاعدة عسكرية لها على الأراضي الجزائرية
- حملة عسكرية فرنسية "مفاجئة" ضد القاعدة بتنسيق جزائري
وأضاف في اتصال مع "العين الإخبارية": "الجزائر ومدريد لا تريدان أي نوع من الخلافات بينهما، والمصالح المشتركة بينهما تفرض عليهما تجاوزها، كما أن العلاقات مع مدريد في المجال الأمني تعتبر في أعلى مستوياتها، خاصة في إطار التنسيق بين القيادتين على مستوى التعاون العسكري والدفاع وتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية".
كما أشار متابعون لزيارة رئيس الوزراء الإسباني إلى أن طبيعة الوفد المرافق لراخوي، توحي "بانتقال العلاقات بين الجزائر ومدريد إلى مرحلة تعاون وتنسيق أكبر"، حيث ضم الوفد الوزاري "الأول من نوعه بهذا الحجم"، وزراء الخارجية والداخلية والدفاع والطاقة، إضافة لكتاب دولة في عدد من القطاعات، من بينها التعليم العالي والفلاحة والتجارة.
نقد متبادل رغم الأهمية البالغة للتعاون
حملت زيارة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي براي، إلى الجزائر "لغة نقد متبادل" لم يتعود المراقبون سماعها بين بلدين تربطهما علاقات توصف بـ"الممتازة"، وتبادل كل من أويحيى وراخوي ما وصفه المتابعون "رسائل جرح ودواء" كما يقال في الجزائر.
- من إسبانيا إلى الجزائر: الانفتاح هو طريق الانتعاش الاقتصادي
- الجزائر تدشِّن منطقة اقتصادية على سواحلها لأول مرة
وخلال كملته أمام الاجتماع الجزائري الإسباني رفيع المستوى، انتقد صراحة رئيس الوزراء الإسباني "معضلة قوانين الاستثمار في الجزائر"، التي اعتبرها "غير مريحة ومعرقلة للمستثمر الإسباني، ولا تعكس طبيعة العلاقات بين البلدين"، إضافة إلى حديثه عن مسألة قرار الجزائر إلغاء استيراد أكثر من 800 منتج، الأمر الذي رد عليه أويحيى بالقول: "إنه إجراء مؤقت والحكومة الإسبانية تفهمت ذلك".
لكنه أثنى في المقابل "على الأهمية القصوى" للجزائر بالنسبة لإسبانيا خاصة في مجال تمويلها بالغاز الطبيعي.
وقال رئيس الوزراء الإسباني: "إن الجزائر تعتبر شريكاً استراتيجياً مهما للغاية، حيث يزود إسبانيا بنسبة 49.8 % من الغاز المستهلك في إسبانيا، وشريكاً وفياً وموثوقاً بالنسبة لإسبانيا".
وهو الكلام الذي اعتبره الخبير الاقتصادي، علاوة خلوط في حديث مع "العين الإخبارية"، بأنه "تبديد رسمي لمخاوف الجزائر فيما يتعلق بتجديد عقود الغاز مع إسبانيا التي ستنتهي بحلول 2022"، والتي سبق وأن أثارت أزمة بين الجزائر وكل من إسبانيا وإيطاليا.
حيث طالبت مدريد بإعادة نظر شاملة في مدة العقود، وإلغاء الطويلة الأجل وتعويضها بعقود قصيرة الأجل، مع تقديم الجزائر أسعاراً تنافسية، وهي الشروط التي وصفتها الجزائر بـ"التعجيزية".
وقال الخبير الاقتصادي: "إن كلام رئيس الوزراء الإسباني يؤكد أن أزمة العقود في طريقها إلى الحل بين البلدين، خاصة وأن الجزائر شريك قديم وموثوق لإسبانيا، ولا يمكن للأخيرة أن تجازف بتعويض الغاز الجزائري، إضافة إلى محاولة البلدين الاستفادة من الفرص الجديدة في السوق الجزائرية".
أما رئيس الوزراء الجزائري الذي بدأ كلامه بعبارات "الارتياح" لمستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة وأن "إسبانيا تعد مموّن الجزائر الخامس، وزبونها الثالث" كما قال، إلا أنه فاجأ المراقبين بتوجيه "رد على نقد نظيره الإسباني، ومبادلته بنقد آخر في مجال الاستثمار".
- قوانين الاستثمار .. "معضلة" الجزائر ومطالب دولية بالتغيير
- الجزائر تعزز إنتاجها الغازي بحقل "حاسي بارودة" الجديد
وقال أويحيى لنظيره الإسباني: "إن العلاقات السياسية والتعاون والمبادلات التجارية بين البلدين، يبعث كلها على الارتياح، غير أنه لسوء الحظ ليس نفسه بالنسبة للاستثمارات الذي يبقى متواضعاً، ونسجل 47 شراكة فقط أبرمت طيلة 15 سنة بمبلغ يقل عن ملياري يورو".
وواصل أويحيى نقده للاستثمار الإسباني بالقول: "صحيح سجلنا أيضا مجيء أكثر من 500 مؤسسة إسبانية منذ 2000، لكنها جاءت في إطار عقود إنجاز، والدليل أنها غادرت الجزائر بمجرد استكمال ورشاتها".
ووصف رئيس الوزراء الجزائري نقده لمستوى العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا "بالصراحة المطلوبة"، وقال: "أعرض أمامكم بكل صراحة هذه المعاينة عن علاقات العمل القائمة بين بلدينا؛ لأن تلك هي اللغة الأنسب في نظري بين أصدقاء وشركاء مثل الجزائر وإسبانيا، مطالبين ببذل المزيد من الجهد خدمة لمصالحنا المتبادلة وبمزايا متقاسمة أيضا".
واعتبر المحلل السياسي عادل زغار، في حديث مع "العين الإخبارية" أن "تصريحات أويحيى الأخيرة كشفت عن خلافات بين البلدين لم يكشف عنها من قبل"، وأكد أن اجتماع اليوم "هو الأكثر صراحة من بين الاجتماعات السبع التي جرت بين البلدين، لكنها خلافات تطرح على الطاولة، وهو ما يعكس المستوى الكبير الذي بلغته علاقات الجزائر ومدريد".
وأضاف أن "القواسم والمصالح المشتركة الكبيرة بين البلدين المتقابلين على ضفة المتوسط، تجعلهما أمام واقع مواجهة الخلافات، وفي اعتقادي أن قوة العلاقات السياسية مرتبطة بقوتها الاقتصادية، والعكس أيضا، ولاحظنا أن الجزائر أخرجت أوراقاً لم تتعود على استعمالها من قبل في علاقاتها مع مدريد رغم تأكيدهما على الأهمية البالغة لعلاقات التعاون الاستراتيجي".