القمة العربية بالجزائر في ذكرى الثورة.. خلفيات وحقائق
على أرض بلد "المليون ونصف المليون شهيد"، تلتئم قمة قادة الدول العربية الـ31 بالجزائر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وبعد أن تأجلت 3 مرات متتالية (2020، 2021، مارس/آذار 2022)، وافق مجلس وزراء خارجية الدول العربية بالإجماع على مقترح جزائري لعقد القمة العربية المقبلة في 1 و2 نوفمبر/تشرين الثاني المقبلين.
وذكر بيان عن وزارة الخارجية الجزائرية، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، بأن جامعة الدول العربية تبنت قرار الرئيس الجزائري لعقد قمة قادة الدول العربية في "ذكرى قمة الثورات".
وأشار إلى "تبني وزراء الخارجية العرب المجتمعون بالقاهرة في إطار الدورة العادية للمجلس الوزاري، قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حول تاريخ انعقاد القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر، والذي تم ترسيمه يومي الفاتح والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 تزامناً مع الذكرى الـ68 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة".
وأوضحت "الخارجية الجزائرية" بأن الوزير رمطان لعمامرة قدم "خلال هذه الدورة عرضاً حول أهم نتائج المشاورات التي قادها رئيس الجمهورية مع أشقائه العرب بطريقة مباشرة أو عبر مبعوثه الخاص، مؤكدا على رمزية الموعد الذي اختاره لانعقاد القمة باعتباره تاريخاً جامعاً كرس التفاف الدول والشعوب العربية وتضامنها مع الثورة الجزائرية المجيدة وما يحمله من دلالات هامة حول تمسك الدول العربية بقيم النضال المشترك في سبيل التحرر وامتلاك مقومات تقرير مصيرها الموحد، خاصة في خضم التحديات المتزايدة التي تفرضها التوترات الخطيرة والمتسارعة على الساحة الدولية".
وباعتماد هذا القرار – يضيف البيان – لـ"لبرمجة انعقاد القمة العربية في غرة شهر نوفمبر المجيد، يكون العرب أمام موعد سياسي هام في تاريخ الأمة العربية ينتظر منه فتح آفاق جديدة للعمل العربي المشترك لتمكين الأمة العربية من إسماع صوتها والتفاعل والتأثير بصفة إيجابية على مجريات الأمور على الصعيدين الإقليمي والدولي"
مضيفا بأنه "سيشكل فرصة أيضا للاحتفال مع الشعب الجزائري وكافة الشعوب العربية بأمجاد هذه الأمة واستلهام همتهم في بلورة رؤية مستقبلية لتحقيق نهضة عربية شاملة في جميع الميادين بما يسمح للمنطقة العربية بالتموقع مجددا على خريطة العلاقات الدولية".
وانفردت "العين الإخبارية" في وقت سابق الشهر الماضي، نقلا عن مصادر دبلوماسية جزائرية مطلعة، أكدت بأن الدول العربية تتجه لعقد القمة العربية بالجزائر بالتزامن مع احتفالاتها بالذكرى الـ60 لاندلاع ثورتها التحريرية المجيدة ضد الاحتلال الفرنسي، والتي تكللت بنيل الجزائر استقلالها في 5 يوليو/تموز 1962، وعرفت بـ"ثورة المليون ونصف المليون شهيد".
وأشارت المصادر ذاتها لـ"العين الإخبارية" بأن القيادة الجزائرية سعت لأن يكون موعد القمة العربية بالتزامن مع هذه الذكرى التاريخية لما قدمه العرب من دعم كبير للثورة الجزائرية، وكـ"عرفان من الجزائر على تقديرها لدعم أشقائها العرب في ثورتها التحريرية" بحسب المصادر الدبلوماسية.
تاريخ قمم الجزائر
ومنذ انضمامها إلى جامعة الدول العربية في آب/أغسطس 1962 بعد شهر من استقلالها، احتضنت الجزائر 3 قمم عربية بينها واحدة غير عادية.
وكانت الأولى في من 26 إلى 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1973 في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، والذي كان مؤتمر القمة السادس في تاريخ الجامعة العربية، التي شهدت انضمام موريتانيا إلى الجامعة العربية.
ومن 7 إلى 9 يونيو/حزيران 1988 احتضنت الجزائر مؤتمر القمة العربية غير العادي "الخامس" في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لبحث مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإدانة الاعتداء الأمريكي على ليبيا.
وصدر عن القمة الطارئة 8 قرارات، تمثلت في دعم الانتفاضة الفلسطينية، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة، إلى جانب لبنان في استعادة أراضيه، وتجديد التضامن الكامل مع العراق والوقوف معه في حربه ضد إيران، وإدانة الاعتداء الأمريكي على ليبيا، وإدانة الإرهاب الدولي والممارسات العنصرية.
أما آخر قمة عربية استضافتها الجزائر فكانت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من 22 إلى 23 مارس/أذار 2005، وشهدت مشاركة عدد كبير من قادة الدول العربية، بينهم العاهل المغربي الملك محمد السادس.
دلالات التاريخ
ولتاريخ 1 نوفمبر/تشرين الثاني دلالات تاريخية كبيرة بالنسبة للشعب الجزائري ولجميع الدول العربية التي دعمت وساندت ووقفت إلى جانب الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي.
فقد كانت معظم الدول العربية السباقة لتقديم كل أشكال الدعم المادي والعسكري والسياسي والدبلوماسي للثورة الجزائرية التي اندلعت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 وانتهت في عام 1962، بعد أن رضخت فرنسا لإرادة الجزائريين، ونالت الجزائر استقلالها في 5 يوليو/تموز 1962.
ثورةٌ يصفها المؤرخون على أنها "واحدة من أعظم ثورات القرن العشرين"، جابه خلالها الجزائريون أعتى قوة استعمارية في ذلك القرن (فرنسا)، رغم تكلفة نيل الاستقلال الباهظة التي وصلت إلى مليون ونصف المليون شهيد.
شهادات ومراجع تاريخية كثيرة، أكدت بأن الجزائريين وثورتهم لم تكن لوحدها، وكما استنجدت فرنسا بحلف شمال الأطلسي لوأد الثورة الجزائرية، فقد كان الدعم العربي لثورة تحرر الجزائر من الاحتلال الفرنسي كبيرة جدا.
تونس والمغرب.. الروابط المشتركة
التأييد العربي لثورة الجزائر كان بمثابة البعد الاستراتيجي لقيادة "جبهة التحرير الوطني" التي كانت حينها الممثل الوحيد للشعب الجزائري، وهي الثورة التي التف حولها العرب بمختلف أنواع الدعم للجزائريين في كفاحهم لنيل استقلالهم.
ومن منطلقات جغرافية وروابط تاريخية وحضارية مشتركة، فقد كان الدعم التونسي والمغربي للثورة الجزائرية كبيرا جدا، من خلال الأموال والأغذية والأدوية والألبسة والأغطية والوسائل الطبية وعلاج الجرحى التي كانت تصل إلى مقاومي الثورة الجزائرية، بالإضافة إلى الأسلحة التي كانت يشتريها ثوار الجزائر من البلدين والمجازفة بتمريرها عبر الحدود مع تونس والمغرب.
وعلى مدار الـ7 أعوام ونصف العام للثورة الجزائرية، كانت تونس والمغرب قاعدة إسناد خلفية لهذه الثورة، وحظيت ثورة الجزائر بدعم شعبي ورسمي قوي في تونس والمغرب.
مصر.. الدعم اللامحدود
لم يكن ذلك البعد الجغرافي بين البلدين عائقاً للدعم المصري الرسمي والشعبي للثورة الجزائرية في عهد الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر.
فقد كان الدعم المصري للثورة الجزائرية منذ بدايتها منقطع النظير، وهو الاعتراف الذي كان على لسان كريستيان بينو وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، والذي كان يصف ثورة الجزائريين بـ"التمرد"، وزعم بأن ذلك "التمرد لا تحركه سوى المساعدات المصرية".
وأكد على أن تلك المساعدات "إذا توقفت فإن كل الأمور ستهدأ"، مرجعاً ذلك إلى أن فرنسا تعتبر "الجزائر جزءًا لا يتجزأ من فرنسا"، وهو الدعم الذي من دوافع اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر.
وأكد على الدعم المصري الكبير للثورة الجزائرية بيان "جبهة التحرير" الجزائرية عقب العدوان الثلاثي على مصر، والذي جاء فيه بأنه "لا ينسى أي جزائري أن مصر الشقيقة تعرّضت لعدوان شنيع كانت فيه ضحية تأييدها للشعب الجزائري المناضل، ولا ينسى أي جزائري أن انتصار الشعب المصري في معركة بورسعيد التاريخية ليس إلا انتصار لواجهة من واجهات القتال العديدة التي تجري في الجزائر منذ 38 شهرًا، وأن الشعب الجزائري المنهمك في معركته التحريرية الكبرى ليبعث إلى الشعب المصري الشقيق وبطله الخالد جمال عبد الناصر بأصدق عواطف الأخوة والتضامن، وعاشت العروبة حرة خالدة، وعاش العرب تحت راية الاستقلال والعزة والمجد".
السعودية.. سند الثورة
بعد اندلاع ثورة الجزائر التحريرية "بشهرين"، تولى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان رئيساً "للجنة الشعبية لجمع التبرعات لثورة الجزائر" بتكليف من أخيه الملك الراحل سعود بن عبد العزيز.
وفي عام 1957، خصص الملك سعود يوم الـ 15 من شهر شعبان من كل عام هجري "يوماً لجمع التبرعات الشعبية لدعم الثورة الجزائرية"، وخصص 250 ألف جنيه استرليني من موازنة المملكة العامة "كهبة لدعم الجزائر".
وفي العام ذاته، أعلنت المملكة العربية السعودية عن شعار جديد لموسم الحج لعام 1957، باسم "حج الجزائر"، وانتشرت الأعلام الجزائرية بجانب السعودية في الحرم المكي.
كما تحركت المملكة في المحافل الدولية لتجعل من القضية الجزائرية "قضية دولية"، وكان الأمير فيصل "أول من نقل القضية الجزائرية إلى أروقة مجلس الأمن والجمعية العامة للأم المتحدة عام 1955".
ولم تمنع قوة وأهمية العلاقات السعودية مع فرنسا الملك سعود من اتخاذ قرار "جريء وشجاع" كما وُصف آنذاك، حيث قرر قطع علاقات بلاده مع فرنسا.
الدعم العربي الواسع للثورة الجزائرية امتد إلى معظم الأقطار العربية، فقد كان سوريا من بين أوائل الدول العربية التي فتحت باب التطوع للسوريين للمشاركة في حرب التحرير الجزائرية، رغم أن قيادة "جبهة التحرير" الجزائرية كانت تنظر إلى أن تحرير أرض الجزائر لا يمكن إلا أن يكون جزائرياً.
وبكل أنواع الدعم المالي والطبي والمساعدات الغذائية والدعم الدبلوماسي في المحافل، ورغم ضعف اقتصاد بعض الدول العربية في تلك الفترة، فقد تلقت الثورة الجزائرية دعماً كبيرا من عدة دول عربية، وكان أيضا نيل الجزائر استقلالها عام 1962 فرحة موحدة في جميع الدول العربية.
aXA6IDEzLjU4LjIwMy4yNTUg جزيرة ام اند امز