المليارديرة المهاجرة ثيريسا غو.. رائدة التنوع في عالم الاستثمار الجريء

وصفت الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة (Solv)، هيذر فرنانديز، وهي أيضًا المدير التنفيذي السابق في شركة (Trulia)، المستثمرَة الجريئة ثيريسيا غو بعبارات تلخص حضورها اللافت في عالم يتسم بالندرة النسائية.
قالت هيذر فرنانديز أن المستثمرَة الجريئة ثيريسيا غو: "ذكية، وحادة الرأي، كما أصبحت واحدة من السيدات اللواتي حقّقن العديد من الإنجازات الأولى من نوعها".
وأضافت "كانت غو من أوائل المستثمرين الذين آمنوا بإمكانات (Trulia) عندما دعمتها ماليًا عام 2005، قبل أن تُثبت على مدى السنوات التالية مكانتها كأحد أبرز الأسماء النسائية في وادي السيليكون".
مستثمرة جريئة في نادي المليارديرات
وُلدت غو في إندونيسيا لعائلة من أصول صينية في عام 1968، وانتقلت إلى الولايات المتحدة وهي في الثالثة من عمرها. منذ خطواتها الأولى، بدت مصممة على شق طريق مختلف؛ إذ كانت أول طالبة في مدرستها الثانوية تُقبل في جامعة براون المرموقة.
ثم واصلت طريقها في كسر الحواجز حين أصبحت أول سيدة تتولى منصب شريك في شركة (Accel)، وهي من كبرى شركات رأس المال الجريء في العالم. ولم تتوقف عند ذلك، بل أسهمت لاحقًا في تأسيس واحدة من أولى شركات الاستثمار الجريء التي تقودها نساء في وادي السيليكون.
وفي حديث لمجلة "فوربس" عام 2023، لخّصت غو رحلتها بقولها: "الحلم الأمريكي جزء محوري في قصتي الشخصية". حلم ترجمته بالعمل والاجتهاد إلى إنجاز تاريخي جديد يُسجل باسمها، إذ أصبحت أول سيدة في الولايات المتحدة تدخل نادي المليارديرات من خلال الاستثمار الجريء، بثروة تُقدّر اليوم بنحو 1.2 مليار دولار.
الجزء الأكبر من هذه الثروة يعود إلى فترة عملها الطويلة التي امتدت 15 عامًا في شركة (Accel)، حيث لعبت دورًا محوريًا ضمن الفريق الذي اتخذ قرار الاستثمار المبكر في شركة فيسبوك، المعروفة اليوم باسم ميتا، وهو رهان استثماري تحوّل إلى أحد أنجح قرارات الشركة عبر تاريخها.
- ممرات التجارة تحت التهديد.. الشحن البحري يترقّب التصعيد الإسرائيلي الإيراني
- لاري فينك.. رائد الاستثمار في الأسهم وأحد مؤسسي «بلاك روك»
تأسيس Acrew Capital
تشغل غو اليوم منصب الشريك المؤسس والمدير في شركة (Acrew Capital)، وهي شركة استثمار جريء أسستها في عام 2019، تركّز على تمويل الشركات الناشئة في مراحلها المبكرة، لاسيما في مجالات البيانات والأمن السيبراني، والصحة، والتكنولوجيا المالية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت الشركة عن جمع تمويل جديد بقيمة 700 مليون دولار، مما رفع حجم الأصول التي تديرها إلى 1.7 مليار دولار.
ولا تقتصر رؤية (Acrew Capital) على تحقيق العوائد المالية فحسب، بل تولي أهمية كبيرة للتنوّع والشمول، وهو ما يتجلى بوضوح من خلال صندوقها المتخصص "Diversify Capital Fund"، الذي يهدف إلى دعم روّاد الأعمال من خلفيات مختلفة وتمكين فئات لطالما كانت مُهمشة في عالم الاستثمار.
وقد أظهر تقرير صادر عن شركة بيانات الأسواق الخاصة (PitchBook) أن السيدات شكّلن في عام 2024 ما لا يتجاوز 17% من صانعي القرار في قطاع رأس المال الجريء، بما في ذلك الشركاء والرؤساء التنفيذيين والمديرين الرئيسيين.
كما كشف التقرير ذاته أن الشركات التي تضم مؤسسة مشاركة واحدة على الأقل حصلت على نحو 22% فقط من إجمالي التمويل الاستثماري خلال العام ذاته، مقارنةً بنسبة 25% في عام 2023، مما يشير إلى تراجع في مشاركة السيدات في هذا القطاع.
داعمة لقضايا التنوع والمساواة والشمول
ويبدو أن الطريق نحو تحقيق التوازن لا يزال طويلًا، خاصة في ظل التطورات السياسية الأخيرة. ففي أول يوم له في منصبه، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بإلغاء جميع برامج التنوع والمساواة والشمول التي تموّلها الحكومة الفيدرالية، واصفًا هذه المبادرات بأنها "راديكالية ومهدرة للموارد".
وقد كانت هذه البرامج تشكّل دعامة أساسية لدعم السيدات والأقليات والأشخاص من ذوي الإعاقة وغيرهم. وبالإضافة إلى ذلك، أقدمت بعض من أكبر الشركات في العالم، والتي تمتلك أذرعًا قوية في مجال رأس المال الجريء، مثل غوغل، وميتا، وغولدمان ساكس، على تقليص التزاماتها تجاه مبادرات التنوع والمساواة والشمول.
ورغم غموض موقف غو، إزاء هذه البيئة الجديدة، فإن سجلها المهني يكشف عن التزام واضح وطويل الأمد بدعم قضايا التنوع والمساواة والشمول. فقد كانت من أبرز الأصوات المدافعة عن هذه القيم في وادي السيليكون، وعززت ذلك عبر مجموعة من المبادرات النوعية. أسّست (Acrew Capital) بفريق استثماري تأسيسي يشكل السيدات والأشخاص من خلفيات ملونة 83% منه.
كما قادت مبادرة تهدف إلى دمج الجامعات والكليات الأمريكية العريقة التي تخدم تاريخيًا الطلاب من أصول أفريقية في عالم رأس المال الجريء، وساهمت في تأسيس صندوق استثماري متخصّص في دعم التنوع يُعرف باسم (First Close Partners)، والذي يدير حاليًا أصولًا تُقدّر بنحو 35 مليون دولار.
وعلى صعيد آخر، شاركت غو أيضًا في تأسيس منظمة (All Raise)، وهي منظمة غير ربحية تُعنى بدعم رائدات الأعمال والمستثمرات في وادي السيليكون، من خلال شبكات العلاقات وبرامج التوجيه والإرشاد.
وقالت غو في تصريح سابق: "أنا متحمسة جدًا لتمكين الجمع بين شغفي المهني وشغفي الشخصي لتعزيز التنوع والمساواة والشمول في قطاع التكنولوجيا".
وأضافت أن صندوق (Diversify Capital Fund) التابع لشركتها يُعد أكبر صندوق لرأس المال الجريء يركّز على تعزيز تنوع ملكية الأسهم في الشركات الناشئة التكنولوجية، حيث تجاوزت أصوله آنذاك 300 مليون دولار. وتابعت قائلة: "نرى بعض التقدّم، ولكن يرافقه في كثير من الأحيان تراجع. الأمر يبدو وكأنه خطوتان إلى الأمام، وخطوة إلى الوراء".
في السنوات الخمس والنصف منذ انطلاقها، أجرت شركة (Acrew) نحو 150 استثمارًا، بحسب بيانات PitchBook. حققت الشركة بعض النجاحات، من بينها استثمارها في شركة التكنولوجيا المالية (Chime)، التي تخطط لطرح عام بقيمة 11 مليار دولار، وهو ما ساهم في إدراج الشريكة المؤسسة لورين كولودني ضمن قائمة فوربس "Midas" لأفضل المستثمرين الجريئين لعام 2025.
كذلك، استثمرت (Acrew) في شركة (Divvy) لتقنيات العقارات، والتي بيعت في عام 2021 إلى شركة (Bill.com) مقابل 2.5 مليار دولار—وهي بالمصادفة أول استثمار أجرته غو خلال مسيرتها في (Accel). وبحسب PitchBook، خرجت 5 شركات ضمن محفظة (Acrew) من السوق حتى الآن.
ويشير مزود البيانات Preqin إلى أن العائد الداخلي لصندوق (Acrew) الأول الذي بدأ الاستثمار في 2019 يبلغ حاليًا 8%، ما يضعه ضمن الربع الثالث مقارنة بالشركات التي بدأت الاستثمار في نفس العام. لكن من المبكر تحديد مدى نجاح استراتيجية (Acrew)، إذ عادةً ما تظهر عوائد الاستثمار الجريء على مدى عقد.
ولا تزال (Acrew) تبرز تنوع فريقها التأسيسي بشكل واضح على موقعها الإلكتروني: 55% من الفريق يعرّفون أنفسهم كسيدات، و48% من أصل آسيوي/من جزر المحيط الهادئ، و14% من ذوي البشرة السمراء أو السكان الأصليين أو أقليات أخرى. وتؤكد كولودني أن نجاح غو بحد ذاته يمثل مصدر إلهام لدعم التنوع في هذا القطاع.
تقول: "من المهم أن ترى الشابات، خصوصًا من أصول آسيوية أمريكية، شخصًا مثل (غو) يحقق هذا النجاح." أما زيمرمان فكتب في منشور له عام 2022: "ثيريسيا تقود بالقدوة الصامتة، لكن تبيّن لي أننا إن أظهرنا مثل هذه النماذج علنًا، فإن الآخرين سيسيرون على خطاها".