بنظرة أخرى إلى يوم 30 يونيو 2013 وبعد عقد أول من إسقاط المصريين لخرافة الإسلام السياسي، لطالما عانت الدولة الوطنية العربية من تماهي الخطاب الديني المشدود عصبياً مما أضعف من تطورات الهياكل المؤسسة للنظم السياسية.
فالتهديدات ظلت هاجسا ملازما، لم تكن لتنجح معه محاولات التقدم في كل الاتجاهات المدنية. التضاد بين الدولة والخرافة أفضى إلى نتيجة عدم اكتمال النظم السياسية في العالم العربي.
لذلك فإن المحصلة كانت هي أن حكم الإخوان عصف بالحريات السياسية، ومارس القمع المنظم للأحزاب السياسية المعارضة، ودخل في عداء مع مؤسسات الدولة الأساسية بما فيها الجيش والقضاء والإعلام والرموز الثقافية.
الشعب المصري قرر إسقاط حكم الإخوان بسبب فشلهم الأيديولوجي، فهم اتبعوا منهجية تسعى لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع، هذه المنهجية اصطدمت مع مفهوم الدولة المدنية الحديثة، والذي يؤكد على شمولية الوطن لجميع المكونات، لا شمولية الأيديولوجية الدينية لفئة محدودة.
فالإسلام السياسي قام كرد فعل على أوضاع وظروف تخطاها الزمن، المتأسلمون لم يستطيعوا تطوير أفكارهم وممارساتهم لتواكب متغيرات العصر ومتطلباته المتجددة، كما لم يستطيعوا أن يقدموا فكراً يهضم متغيرات العصر ومتطلبات الحياة الحديثة وحاجات الناس إلى الأشياء المادية خارج دائرة الوعود والهروب عند تعثراتهم بنظريات المؤامرات الدولية.
مشكلة أحزاب الإسلام السياسي أنها غير قادرة على إدارة عملية انتقال ديمقراطي سلمي في الدولة لأنها أحزاب نشأت تنظيما وسلوكا على الطاعة العمياء للمرشد.
النظم الإسلاموية مناهضة بطبيعة تكوينها للديمقراطية ولذلك فإن الجماعة عندما استفردت بحكم الشعب المصري فإنها غيبت الديمقراطية وتمسكت بسلوكها الاستبدادي متجاهلة التكوين الوطني للبلاد.
لا يستطيع التاريخ نسيان عام حكم الإخوان المظلم للشعب المصري، ففي ذلك العام، كان هناك صراع دائم مع جماعة حاولت فرض رؤيتها المغلقة على مصر.
لا تستطع الذاكرة تناسي عام حكم الإخوان للمصريين فلقد كان اشتباكا يوميا مع شرائح الشعب، فلم يكونوا قادرين على استيعاب هوية شعب تجذرت فيه الروح القومية والاعتزاز الوطني.
الإسلاموية كمبدأ قائم على الإقصاء لم يكن قادرا على احتواء التنوع فضلاً عن الإقرار بالعمق القومي العروبي. التناقض بين مبادئ التنظيم وتوجهاته الفكرية وحاجات المجتمع المصري المتغيرة وضعهم في مواجهة غير متكافئة أعادت الجماعة للخطاب التقليدي بادعاء المؤامرة والإنكار وعدم القدرة على مراجعة الأخطاء والتصحيح.
كان أخطر ما واجهته مصر في الواقع التصادم مع العقل التكفيري عندما استخدم التكفير كسلاح سياسي للتخلص من المعارضين والمنافسين والمنتقدين للسياسات العامة فظهر العنف والاغتيال، الارتكاز على مبدأ (الولاء والبراء) استدعى التحالف مع الجماعات الإسلامية الأخرى، فوجدت تنسلخ عن الواقع المصري والثقافة المحلية وتسعى لإقامة دولة إسلامية شمولية ترفض التعاطي مع غيرها فالتجربة دفعت بالجماعة للتطرف الأقصى فكشفت مخالبها الوحشية التي أرهبت المصريين وحاولت أن تستوطن سيناء لتحويلها إلى إمارة دينية.
ثورة 30 يونيو 2013 كانت التعبير الوطني لشعب كان منذ التاريخ مصدراً للتنوير والريادة والانفتاح الثقافي والمعرفي، فلم تكن الثورة في فلسفتها العميقة سوى امتداد لعراقة متأصلة ترفض سلوك العنف وخطاب الكراهية مهما كانت التعثرات في بناء الدولة حتى في عهدها القومي في ثورة 1952.
التعايش المصري كان شكل الحائط الأقوى، فالحالة المصرية أنتجت مبكراً جيشاً وطنياً خالياً من الأيديولوجيات والمناطقية فلولا التعايش ما تحقق للدولة المصرية هذا الحائط الآمن الذي كلما احتاجته البلاد كان حاضرا يذود عنها كما فعل في 1956 ويعبر بها كما فعل في 1973 ويحميها كما صنع في 2013، فالعبرة ببقاء مصر كدولة قوية بمكونها الوطني فأفلحت مصر وخابت خرافة المتأسلمين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة