منذ أن وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي دعوته للحوار الوطني في إفطار الأسرة المصرية في 26 أبريل/نيسان 2022، وحتى جلسة الافتتاح الرسمي، وجماعة الإخوان المحظورة المصنفة إرهابية بحكم قضائي– وصنفتها به دول أخرى عربية– تهتز بعنف أمام هذا التغير النوعي.
فللوهلة الأولى، اعتقدت الجماعة المنقسمة ما بين إسطنبول ولندن، أن نافذة قد فتحت لها للعودة المتسللة المعتادة للمجتمع المصري والحياة السياسية فيه. والحقيقة أن القسم الثالث من الجماعة والمتمثل في مجموعة اللجان النوعية الأكثر عنفاً وإرهاباً بداخل الجماعة، قد أعلنت رفضها المتوقع لدعوة الحوار الوطني في ظل ما هو معروف عنها وممارس منها منذ سقوط حكم الجماعة، من اعتماد للعنف والإرهاب كوسيلة وحيدة للعودة المستحيلة لحكم مصر.
وقد عبّر القسمان الرئيسيان المتصارعان في لندن وإسطنبول في أكثر من مناسبة وبعدة وسائل فور صدور دعوة الحوار، عن رغبة معلنة في الالتحاق به، حتى وإن غلفها البعض منهم بمطالب يعلمون جيداً استحالة قبولها أو تحقيقها، ولكن هذا كان فقط لحفظ ماء الوجه.
وعلى الرغم من تطورات مهمة جرت منذ إطلاق دعوة الحوار الوطني المصري وحتى انطلاقه، تؤكد كلها على الرفض التام والنهائي والمعلن لقبول الجماعة به، فالحقيقة المؤكدة التي لا تقبل التنازع هي أنه لم يصدر عن أي من أقسام الجماعة المتصارعة ومجموعاتها المختلفة طوال هذه الفترة وحتى اللحظة، عدا مجموعة اللجان النوعية، أي رفض لدعوة الرئيس السيسي للحوار الوطني.
وبدا الأمر غريباً في ظل أن الرئيس المصري نفسه قد أعلن عن رفضه مشاركة الجماعة في هذا الحوار، وأتى بعد هذا القرار المتكرر لمجلس أمناء الحوار الذي يمثل الأطياف السياسية الرئيسية المعارضة والمؤيدة المشاركة فيه، ليرفض بالإجماع مشاركة الجماعة الإرهابية وكل من مارس العنف أو شارك فيه أو حرّض عليه، وكذلك كل من يرفض الدستور الذي هو أساس الشرعية في البلاد.
وهنا يظهر التساؤل: لماذا لم ترفض الجماعة بانشقاقاتها المختلفة الحوار الوطني في مصر حتى الآن رغم حسم استبعادها تماماً ونهائياً منه؟
ولعل الملمح الأول في الإجابة هو أن الجماعة قد فوجئت بأن كل القوى السياسية المصرية بمختلف ألوانها، خصوصاً المعارضة، عدا بضع شخصيات عامة قليلة، قد وافقت على الاشتراك في الحوار وانخرطت فيه وأصرت على استمرار مشاركتها الفعالة به رغم وجود بعض العثرات في الطريق طالبت بضمانات لتخطيها، وهو ما تحققت غالبيتها الساحقة أثناء العام الذي سبق الافتتاح الرسمي للحوار.
فقد وجدت أقسام الجماعة نفسها إزاء هذا الوضع أكثر عزلة بكثير عن أطراف الساحة المصرية مما كانت عليه قبل دعوة الحوار، فلم تشأ أن تزيد من هذه العزلة برفض الحوار أو بمهاجمة أي ممن شاركوا فيه من قوى المعارضة.
وهنا يظهر الملمح الثاني وهو أن الجماعة بأقسامها المتصارعة قد قررت النسخ المشوه لدعوة الحوار الوطني في محاولة يائسة مع بعض من حلفائها الأقربين خارج مصر، بالدعوة لحوار موازٍ تبنوه معاً.
وكان الهدف من هذا الحوار "المسخ" مزدوجاً، فمن ناحية محاولة تأكيد علني من الجماعة أنها منحازة للحوار وليست ممارسة وداعية للعنف، ومن ناحية ثانية محاولة تفتيت وإفشال من الخارج لدعوة الحوار الوطني الدائر في الداخل.
وبالطبع فشل الحوار الموازي، ومعه الهدفان وتحطما على صخرة الحقيقة، التي أظهرها أولاً الافتتاح الرسمي للحوار الوطني الذي لم يغب عنه طيف سياسي واحد في مصر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبدا فيه واضحاً وصادماً للإخوان أنه قد ضم كامل تحالف 30 يونيو/حزيران 2013 الذي قاد الثورة الشعبية التي أسقطت حكمهم البائس.
وتأكدت الحقيقة أكثر، بجدية الحوار وصدقيته في جلساته المتنوعة، سياسية واقتصادية ومجتمعية، التي لم تشهد أي خطوط حمراء وارتفعت فيها أسقف النقد والمعارضة إلى أبعد مما كان كثيرون يتوقعونه، وكل هذا كان مذاعاً طوال الأربع وعشرين ساعة على كل وسائل الإعلام المصرية، من تلفزيونية وإلكترونية وورقية وصفحات التواصل الاجتماعي.
حضر الحوار الوطني وتحقق بالفعل، واكتمل غياب الإخوان عن المشهد المصري بعد عشرة أعوام من إسقاط شعب مصر حكمهم البائس بثورته العظيمة في 30 يونيو/حزيران 2013، ليصبح الحوار الضربة الثانية القاصمة التي يتلقونها في هذه الذكرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة