ملالي إيران والـ"سي آي إيه".. أسرار صناعة الولي الفقيه في أمريكا
وثائق كشف عنها موقع أمريكي متخصص حول كيفية إزاحة أحد الرموز في عصر الشاه، مهد الطريق لنظام الملالي للقفز على السلطة.
"لماذا لا تستطيع إيران وضع نظام ديمقراطي لحكومتها؟".. سؤال يطرحه الكثير من الأمريكيين المهتمين بالشأن الدولي، وخصوصا فيما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أن العديد منهم لا يعلم أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" أسهمت بشكل مباشر في صنع نظام الملالي؛ حيث تسبب دعمها لانقلاب عام 1953 بوضع الخميني في السلطة.
- كيف تنهي الانتفاضة الخرافات الأمريكية حول إيران؟
- ستراتفور للأبحاث: إيران عاشت "ثورة كاذبة" لأكثر من 40 عاما
وقام موقع "ذا انترسيبت" الأمريكي بشرح مفصل لكيفية وصول الملالي إلى سدة الحكم في إيران، مستندا إلى وثائق خاصة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" تم الكشف عنها مؤخرا.
وتبدأ القصة مع رئيس وزراء إيران في الخمسينيات، محمد مصدق، الذي تم انتخابه بشكل ديموقراطي بعد موجات من الاحتجاجات ضد حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي، الأمر الذي دفع بمصدق للقيام بعمليات إصلاح سياسية واقتصادية واسعة النطاق في 28 أبريل/نيسان من عام 1951.
وقام مصدق بتأميم النفط الإيراني، لاغيا الامتيازات الممنوحة لشركة النفط الإيرانية البريطانية، إضافة إلى مصادرة أصولها، وقال في خطاب شرح فيه سياسة التأميم أمام البرلمان الإيراني "لم نتوصل إلى أي نتائج مع الدول الأجنبية بعد سنوات طويلة من المفاوضات.. فعائدات النفط تمكننا من تحقيق كامل الميزانية ومكافحة الفقر والمرض والتخلف".
إلا أن تلك الخطوة ساهمت في تأجيج حدة المواجهة بين إيران وبريطانيا، خصوصا بعد رفض حكومة مصدق السماح للبريطانيين بالتدخل في عملية التصنيع الخاصة بالنفط الإيراني.
وزاد تعثر الحكومة البريطانية أمام سياسات مصدق العنيدة، حيث فشلت في التوصل إلى تسوية معه، وقام مصدق بإعلان بريطانيا "كعدو لإيران" وقام بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع لندن.
وفي تلك الفترة، تم انتخاب الرئيس الأمريكي الرابع والثلاثين للولايات المتحدة، دوايت آيزنهاور، الذي قام بعمل تحديثات واسعة النطاق في مجال الاستخبارات الأمريكية، وخصوصا وكالة الاستخبارات المركزية التي لم يمض على إنشائها أكثر من 6 سنوات في ذلك الوقت.
وكان لدى ايزنهاور وفريقه في البيت الأبيض حالة من القلق والعداء للنظام الشيوعي بشكل عام، والاتحاد السوفيتي بشكل خاص، الأمر الذي دفع البريطانيين للعب على تلك النغمة للإطاحة بمن قطع عليهم سبيل الامتيازات للنفط الإيراني، ألا وهو محمد مصدق، الذي كان مدعوما بشكل كبير من التيارات الشيوعية والاشتراكية داخل إيران.
فكرة أن أحد الاعبين السياسيين البارزين في إيران -أحد حلفاء الولايات المتحدة في ذلك الوقت- مدعوم بشكل مباشر من قبل التيار الشيوعي لم تكن مستثاغة من قبل إدارة أيزنهاور، الأمر الذي استدعى تدخلا لوقف المد الشيوعي داخل إيران، كما حاول البريطانيون شرحه للأمريكيين.
وقال إريك دريك، الرئيس السابق لشركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية إنه لا مجال للسماح بخسارة أكبر أصول لبريطانيا (النفط الإيراني)، وأنه لا بد من "عمل شيء بشأن ذلك" تعقيبا على تأميم مصدق للنفط الإيراني، مما دفع بيتر رامزروثوم، سفير بريطانيا السابق لدى طهران، للقول للأمريكيين إنه كلما كان توقيت التخلص من مصدق أقرب، فسيكون ذلك أفضل للجميع.
ونجح البريطانيون في إقناع الولايات المتحدة، ممثلة في إدارة أيزنهاور، بالتخلص من مصدق، وكانت شهادة رتشارد كوتام، المحلل الأول للشئون الإيرانية في الـ"سي آي إيه" السابق، هي التي كشفت عن الطريقة التي تم التخلص بها من مصدق لإتاحة الفرصة للبريطانيين في استرجاع أصولهم النفطية في إيران.
وقال كوتام إن البريطانيين فهموا جيدا حالة "الهلع الحمراء" التي كانت داخل الولايات المتحدة تجاه الاتحاد السوفيتي والتيار الشيوعي، ولعبوا على حالة الهلع تلك لإقناع الأمريكيين بالتدخل وإزاحة مصدق من السلطة، بالرغم من أنه لم يكن شيوعيا على الإطلاق.
وأضاف كوتام أن الإدارة الأمريكية أرسلت العميل الخاص كيرميت روزيفيلت، حفيد الرئيس الأمريكي السابق ثيودور روزيفلت، إلى طهران في يوليو/تموز عام 1953، الأمر الذي مهد لعملية "أجاكس"، والتي شملت إقناع الشاه بتقنين صلاحيات مصدق وعزله لإبداله بأحد الجنرالات الموالين للولايات المتحدة.
وشملت الخطة أيضا الدفع بالعديد من المجموعات المتظاهرة داخل إيران للهتاف ضد مصدق وتمويل حملة إعلامية "بروباجاندا" ضد حكومة مصدق لتظهر الأخير بأنه موال للسوفيت في ذلك الوقت.
ويقول كوتام إن تلك المجموعات جاءت من شمال طهران، وأنها كانت محورا مفصليا في إسقاط مصدق، حيث إنها كانت مجموعات من المرتزقة لا تمتلك أي أيديولوجيا من أي نوع من الأساس، وأن تلك المجموعات تم دفع الأموال لها من قبل الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت بالدولار الأمريكي.
وبحلول أغسطس/آب من عام 1953 تم عزل مصدق من الحكومة وعاد الشاه ليقود زمام الأمور بشكل فردي، الأمر الذي أسس دكتاتورية داخل إيران امتدت لأكثر من 26 عاما، وبالتالي مهدت الطريق لنظام الملالي ليقود ثورة ضد الشاه في عام 1979.
وطبقا لموقع "ذا انترسيبت"، بناء على الوثائق التي استطاع الحصول عليها، فقد بلغت تكلفة علمية "أجاكس" التي أسقطت رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديموقراطيا في ذلك الوقت أكثر من 5.3 مليون دولار أمريكي، مما يعادل 49.2 مليون دولار بالقيمة الحالية.
وكشفت الوثائق أيضا أن المخابرات المركزية الأمريكية عملت مع عدد من المتشددين داخل إيران، من ضمنهم أبو القاسم الكشاني، الأب الروحي ومعلم مؤسس نظام الملالي الخميني، الذي كان أحد المعادين لحكومة مصدق الديمقراطية، وذلك لحشد تحرك كبير ضد مصدق وحكومته.
وتشير الوثائق إلى أن العديد من أتباع الكشاني كانوا معادين لمصدق وطريقة إدارته للبلاد، لذا قامت الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي أي إيه" والمخابرات البريطانية "إم أي 6" بتمويل عدد من هؤلاء لحشد أتباعهم ضد حكومة مصدق.
إلا أن حسابات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا كانت خاطئة، حيث كشف تقرير لوكالة "سي آي إيه" بعنوان "الدروس المستفادة من الانقلاب الإيراني" أن كلا البلدين ساهم في وضع نظام أكثر خطوة في مقدمة المشهد السياسي الإيراني، حيث لم يعِ محللو الوكالة كبر حجم وتغلغل أتباع الملالي داخل إيران.
وتختم القصة بالمقولة الشهيرة لمايكل موريل، نائب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" في حوار حول تغيير النظام داخل إيران، والتي قال فيها: "ليس من المحتل فحسب فشل تلك الخطوة، بل يمكن لها أن تزيد من تعقيد الأمور بشكل كبير، الأمر الذي رأيناه في درس إزاحة مصدق".
aXA6IDE4LjExOS4xMDYuNjYg جزيرة ام اند امز