تعقيدات المشهد السياسي في السويد خلال الأيام الماضية تراجعت إعلامياً لصالح خبر محزنٍ، وهو سقوط شرطي قتيلاً في مدينة غوتنبرغ.
فالشرطي القتيل -رغم إخفاء السلطات الأمنية السويدية هويته واسمه- يبلغ من العمر 33 عاماً، وقد جاء مقتله نتيجة إطلاق النار عليه من مسافة قريبة، وأغلب الظن أنه قتل بالخطأ، بعد وجوده في مكان حصلت فيه اشتباكات متقطعة بين عصابات الجريمة المنظمة في السويد.
ولعل القارئ العربي، الذي يعيش في الشرق الأوسط، سيطالع مثل هذا الخبر مستغرباً من وجود مافيا تقتل الأنفس داخل بلد إسكندنافي هادئ مثل السويد، خصوصاً أنها قد ذاع صيتها حول العالم كونها دولة آمنة ومستقرة إلى حد كبير، بل وتستضيف بين الحين والآخر اجتماعات ترتبط بالحوار والسلام بين الدول المتخاصمة.
ولكن واقع الحال يأخذ المتابع نحو أخبار حملات قامت بها على الأقل الحكومة السويدية الحالية -والتي تعتبر حكومة تصريف أعمال- حيال تلك العصابات التي تمارس كل أشكال العنف ضد المواطنين أو المقيمين على الأراضي السويدية.
والسؤال الآن: من أين أتت تلك العصابات ومن يدعمها وكيف تعمل؟ والجواب يكمن في تبعية تلك الجماعات الخارجة عن سلطة الدولة والقانون لجهات خارجية وقيادات متطرفة.
المعروف في السويد أن هناك أكثر من عشرين عصابة تتبنى العنف، وتعمل في مجال تجارة المخدرات والاتجار بالبشر، فضلاً عن حملها أسلحة خفيفة ومتوسطة، وفرضها لـ"الخوات" أو ما يعرف بالإتاوات على بعض المحال التجارية والمطاعم والحانات.
والهيكل التنظيمي لتلك المجموعات المنحرفة هو هيكل قبلي أحياناً، خاصة إذا تم الحديث عن عائلة بعينها تعود أصولها إلى لبنان أو ألبانيا أو إيران وغيرها من البلدان الشرق أوسطية أو الواقعة في أوروبا الشرقية.
وعلى سبيل المثال، ترتبط مليشيا "حزب الله" في لبنان بعلاقات قوية مع تلك العصابات، إذ يرسل عناصر "حزب الله" لتلك العصابات -وبشكل منتظم- المخدرات والحشيش وحبوب الكبتاجون، التي تصنع في لبنان وسوريا.
وبعيد تصنيف ألمانيا قبل عام تقريباً لـ"حزب الله" كمنظمة إرهابية، استقر العديد من المنتمين لهذه المليشيات في السويد، هرباً من ملاحقة السلطات الفيدرالية الألمانية، وحرصاً منهم على الاستمرار في ممارسة ذلك النشاط المشبوه والمحرم دولياً.
ويكاد لا يمر يوم في السويد، إلا وتحمل الأخبار في طياتها صباحاً عناوين مقتضبة عن تفجيرات محدودة أو مقتل البعض أو إطلاق نار حصل في مناطق بأطراف العاصمة ستوكهولم أو مدينة مالمو أو غيرها من المدن، التي تضم بؤراً إجرامية.
لكن أن يصل الأمر بالعصابات إلى حد قتل شرطي سويدي، فهذا تطور غير متوقع من قبل الطبقة السياسية أو حتى المجتمع في السويد، لأن الخطوط الحمر في عرف هذه المنظمات كانت ولا تزال إلى أمد قريب تقتضي عدم مواجهة الشرطة السويدية وتجنب الاحتكاك معها.
وحال تلك العصابات الإجرامية تشبه دوماً حال المنظمات الإرهابية كالإخوان وداعش، والتي تستغل مرونة القوانين الأوروبية في دول مثل السويد، كي تعمد إلى نشر مفاهيم العنف والإرهاب والجرائم، التي تضعف بشكل واضح سلطة الدولة وقدرتها على مكافحة الأخطار المحدقة بالمواطنين.
والأسوأ في قصص هذه العصابات له علاقة مباشرة بالإساءة إلى سمعة اللاجئين والوافدين إلى السويد، لأن حكاية الإجرام هنا باتت مسألة متعلقة بتجنيد كثير من المقيمين الجدد أحياناً في صفوف تلك المنظمات.
وخلال جائحة كورونا ومعاناة دول العالم نتيجة انتشار الفيروس، عانت السويد كذلك من تفاقم ظاهرة انتشار العصابات في أحياء جديدة، وطورت تلك العصابات أساليبها في استمالة الشباب العاطل عن العمل أو المدمن أو القُصّر أحياناً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة