التعليم عملية متشابكة الأبعاد بصورة قد لا يستطيع إدراكها غير المتخصص، لأن موضوع العملية التعليمية هو الإنسان بكل تكويناته العقلية والنفسية والقيمية والسلوكية.
ومن خلال التعليم يتم تشكيل هذا الإنسان وصناعة كل أفكاره ومهاراته سلوكياته، لذلك عند التخطيط للعملية التعليمية لا بد أن تكون كل تلك الأبعاد حاضرة بأوزانها النسبية التي يجب أن تكون عليها.
ومن أهم القضايا التي شغلت القائمين على التعليم في العالم، في العقود الثلاثة الأخيرة، كانت قضية التكنولوجيا وإدماجها في العملية التعليمية، سواء استخدام الوسائل التكنولوجية مثل الأجهزة أو التعليم عن بعد من خلال الإنترنت، أو التعليم من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي.
وفي هذه اللحظة التاريخية تتجه دولة الإمارات نحو الاستثمار في مشروعات ضخمة تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وهناك توجه أن يكون تعلم الذكاء الاصطناعي مكونا أساسيا في مهارات كل العاملين في الدولة، ومن باب أولى أن يكون حاضرا في التعليم العام سواء المدرسي أو الجامعي، وهنا تأتي فكرة هذا المقال وهي أن تعليم الذكاء الاصطناعي هو الهدف الأساسي من العملية التعليمية في هذه المرحلة، وهذا الجهد يستهدف المتعلمين، ليكسبهم المعارف والمهارات والقيم التي تتعلق بكل جوانب الذكاء الاصطناعي.
وقد يحدث هذا التعليم بوسائل الذكاء الاصطناعي أو بالوسائل التقليدية، وفي الحقيقة يجب أن يتم بالاثنين معا، أما التعليم بالذكاء الاصطناعي، أي أن يعتمد المعلم على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فهذا قد لا يحقق الأهداف المرجوة من العملية التعليمية، لأنه يختزل العملية التعليمية في الجانب التكنولوجي فقط، ويجعل المتعلم يستفيد من منتجات الذكاء الاصطناعي دون أن يغوص في سر صنعتها، وكيفية توظيفها، ودون أن يكسبه مهارة الابتكار، والتطوير ومعرفة كيف تعمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
إن الانشغال باستهلاك منتجات الذكاء الاصطناعي، واستخدامها لاختصار الجهد والوقت يؤدي إلى عكس الهدف منها، حيث إن استخدامها في البحث والكتابة والتحرير والتفكير بدلا عن العقل الإنساني يصيب المجتمعات بالركود الفكري والكسل وفي النهاية يفقد الأفراد مهاراتهم العقلية والفكرية، لذلك ينبغي أن يكون تعليم الذكاء الاصطناعي هو الأولوية وليس التعليم بتوظيف الذكاء الاصطناعي فقط. فالجمع بين الاثنين هو الحالة المثالية.
وكل ذلك لا ينبغي أن يتعدى على وسائل التعليم التقليدية مثل الكتاب والكراسة والقلم، فلا بد أن يتعلم التلاميذ في المدارس والطلاب في الجامعات من خلال استخدام الكتب الورقية، ويتعلمون كذلك الكتابة بالقلم وليس على أجهزة الحاسوب أو من خلال إملاء الأجهزة لتكتب بدلا منهم، وقد أدركت العديد من الدول أهمية ذلك، ومنها السويد التي أعلنت عن خطة لمواجهة ضعف القراءة لدى الطلاب في السويد، عبر العودة إلى استعمال الورق والكتب الورقية بدلاً من الشاشات الرقمية، حيث أظهرت الابحاث تراجع مهارات الطلاب السويديين في القراءة، ومخاطر الأمر على مستقبل الطلاب أنفسهم وعلى مستقبل السويد، ولذلك اعتبرت وزارة التعليم أن الوسيلة الأفضل للتعليم هي عبر استعمال الكتب والورق والطرق التقليدية، حيث سيتم العمل على تعديل المناهج والقواعد التعليمية للتركيز بشكل أكبر على القراءة والكتابة، وتعزيز مهارات الطلاب، وكذلك تعزيز كفاءة المدرسين.
هذا التوازن هو النموذج المثالي الذي ينبغي أن يتم اتباعه لتحقيق مستقبل أفضل للمتعلمين ولأوطانهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة