هل حاربت يوما طائرًًا؟ هل تخيلت أن تندلع حرب ما بسبب طائر؟ أسئلة لم تكن من الخيال، بل إن إجاباتها كانت حقيقة تمثلت في أحد أكثر أنواع الحروب غرابة وإثارة في تاريخ البشر.
إنها "حرب الإيمو" التي اندلعت في ثلاثينيات القرن الماضي، بعد أن خمدت جذوة الحرب العالمية الأولى، متخذة من أستراليا مكاناً، ومن طائر الإيمو عدواً.
فماذا نعرف عن تلك الحرب؟
مجلة "ميديام" الأمريكية كشفت تفاصيل بعض وقائع تلك الحرب، قائلة إنه بعد الحرب العالمية الأولى أخذ أكثر من 5000 من قدامى المحاربين الأستراليين الأموال والأراضي من الحكومة لإنشاء مزارع في غرب البلاد القاسية.
فـ"الحياة كانت صعبة، إلا أنها لم تكن مستحيلة بالنسبة للجنود السابقين"، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه رغم ذلك أضر الكساد الكبير بالاقتصاد العالمي ودمر الجفاف أستراليا، في وضع زاد من سوئه "غزو" أسراب من طيور الإيمو، بلغت أعدادها أكثر من 20 ألفاً، المزارع الغربية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن طيور الإيمو هاجرت من وسط البلاد، بحثاً عن الأمان والماء، فوجدت في مزارع قدامى المحاربين وقمحها اللذيذ ضالتها.
وتقول صحيفة "صنداي هيرالد" في عام 1953، إن "العدو (طيور الإيمو) كانت لصا قاسيا، غزيرة الأعداد، هاجرت من السهول الرملية بعد نوبة من الجوع، فغزت بعضاً من أفضل الحقول في وقت نضج الحصاد، لتقتات على المحاصيل بمناقيرها الشرهة".
وتقول صحيفة "ميديام" إن طيور الإيمو جلبت الدمار في وقت كانت فيه غلة المزارعين منخفضة بالفعل، بسبب الجفاف، إلا أن ذلك الوضع لم يرق لمعظم المزارعين الذين كانوا يوماً ما جنوداً ما زالوا يمتلكون بنادقهم، بالإضافة إلى حيازتهم أقوى الأسلحة المستخدمة في الحرب العظمى مثل المدافع الرشاشة.
وقال أحد المحاربين المخضرمين في "الحرب الغريبة"، في تصريحات لصحيفة "صنداي هيرالد": "هناك طريقة واحدة فقط لقتل الإيمو، عبر ضربه في مؤخرة رأسه عندما يكون فمه مغلقاً، أو من مقدمة فمه عندما يكون فمه مفتوحاً. هذا هو مدى صعوبة الأمر، في الحرب ضد ذلك الطائر".
وطيور الإيمو تزن ما بين 70 إلى 100 رطل، وطولها يصل إلى ستة أقدام، وهي أحد أكبر الطيور على هذا الكوكب، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه لا يمكنها الطيران، لكنهم تستعيض عن ذلك بسرعتها الهائلة التي تصل إلى 30 ميلاً في الساعة.
وتعد طيور الإيمو ذكية للغاية، فهي تصطاد وتسافر في مجموعات، وتتأقلم مع البيئات وتعيش في واحدة من أقسى المناخات على وجه الأرض والمتمثلة في براري أستراليا.
وضع دفع الطيور الجائعة إلى نهب المحاصيل وهدم الأسوار واستهلاك كميات كبيرة من المياه، مما حدا بالمزارعين إلى طلب المساعدة؛ فسافر وفد منهم إلى العاصمة الأسترالية كانبرا، لمطالبة الحكومة بمساعدتهم في محاربة التهديد الاقتصادي والنقدي.
وحاصر وفد من قدامى المحاربين وزير الدفاع الأسترالي -آنذاك- جورج بيرس وأخبروه أنهم بحاجة إلى المساعدة في محاربة الطيور، وطلبوا تزويدهم برشاشات فرضخ الوزير لمطالبهم.
ووجه وزير الدفاع بإرسال الأسلحة اللازمة لمواجهة الطيور، إلا أن تلك الأسلحة منحها للجنود النظاميين في الجيش، لتأخذ الحملة صورة عملية عسكرية رسمية، يرأسها الرائد جي بي ميريديث، قائد البطارية الثقيلة السابعة للمدفعية الملكية الأسترالية.
وتقول صحيفة "ميديام" إن ميريديث انطلق ومعه الرجال بالإضافة إلى صحفي، لإبادة الحيوانات بواسطة رشاشين من طراز لويس ومخزون من 10 آلاف طلقة.
ولكون السلاح المستخدم كان فعالا خلال الحرب العالمية الأولى، ظن الجنود الحاليون والسابقون من أن الطيور قد انتهت، إلا أن "الإيمو" كانت لديها خطط أخرى، ففي أكتوبر/تشرين الأول هطلت أمطار غزيرة ساعدت الطيور، وأدت إلى إلغاء العملية العسكرية.
وفي وقت لاحق من الشهر، عاد الجنود ثانية؛ فأقام ميريديث ورجاله معسكرًا في مستوطنة صغيرة في كامبيون، بأستراليا الغربية، حيث تجولت مجموعة من 50 طيور الإيمو في مكان قريب، إلا أنها كانت خارج نطاق الرشاشات، التي بحوزة الجنود.
وأمر ميريديث المزارعين بإحاطة طيور الإيمو وإخافتهم في خط إطلاق النار، إلا أن تلك الطيور لم تكن غبية، فركضت إلى خط الشجرة القريب واحتمت من النيران.
الجولة الأولى فشلت، لكن الثانية أصابت عدة طيور، في مشهد حدد إيقاع الصراع، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الجنود استخفوا بذكاء الإيمو، واكتشفوا الاستخدام غير الفعال للمدافع الرشاشة.
وبعد استكشاف المزارع القريبة وتقييم قطعان الطيور، قرر ميريديث وجنوده أنه سينتصر في الحرب من خلال الكمائن، فأنشأ مواقع مخفية بالقرب من إمدادات المياه وانتظروا وصول الطيور إليها.
وفي صباح 4 نوفمبر/تشرين الثاني، تحرك حوالي 1000 من طيور الإيمو، من بين الأشجار في اتجاه الماء، الذي كان ميريديث وبنادقه في الانتظار إلى جواره.
وعندما اقتربت الطيور فتح الجنود النار ببنادق لويس، مما أدى إلى سقوط العشرات من "الإيمو"، إلا أن مدفع الرشاش تعطل، مما أدى إلى هروب المئات من الناجين من الإيمو إلى الأشجار الآمنة، فانتظر الجنود عودة الطيور مرة أخرى، لم تحدث أبدا.
وقالت صحيفة "كالغورلي ماينر" المحلية في ذلك الوقت، إن طيور الإيمو أثبتت أنها ليست بهذا الغباء، فالطائر الضخم ذو الريش أسود كان لكل مجموعة قائد يقف يراقب بينما ينشغل زملاؤه بالتغذي على قمح المزارعين".
وأضافت أن الطيور كانت أكثر ذكاءً وأسرع مما كان متوقعاً وسريعة جدًا، لدرجة أنها غالباً ما كانت بعيدة عن نطاق المدافع الرشاشة قبل أن يتمكن الجنود من التصويب وإطلاق النار.
وأشار إلى أن ميريديث قرر تركيب رشاش لويس على إحدى شاحنات المزارعين، إلا أن الأمور لم تسر على ما يرام؛ فالمدفع الذي يبلغ وزنه 30 رطلاً، جعل المركبات غير قادرة على مواكبة طيور الإيمو.
وبحسب الصحيفة، فإن الحملة التي لم تكن الصحافة المحلية لطيفة تجاهها أو تجاه الجنود، دفعت الحكومة الأسترالية إلى استدعاء القوات. لكن المزارعين احتجوا، وعاد ميريديث ورجاله إلى الحرب ضد الإيمو في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.
وأرسل القائد تقارير إلى كانبرا حول الدمار الذي أحدثه في حربه ضد الطيور، قائلا إنه مات ما يقرب من 1000 من طيور الإيمو، بعد أن أطلق رجاله كل ذخائرهم، زاعمًا أن 2500 آخرين من طيور الإيمو قتلت متأثرة بجروحها.
وتقول الصحيفة المحلية، إن ميريديث كان معجباً بقوة خصومه، قائلا في تقريره عن تلك الحرب، إن "طائر الإيمو يصعب قتله على الفور، والعديد منها تظل تسير رغم إصاباتها المميتة، إلى مسافة نصف ميل".
وأشارت إلى أنه كان من الواضح للبرلمان أن طيور الإيمو قد انتصرت، وأن حملة ميريديث كانت غير فعالة، فعاد القائد ميريديث وجنوده إلى الشرق في بداية ديسمبر/كانون الأول، تاركين المزارعين ليدافعوا عن أنفسهم ضد تهديدات الطيور.
لكن الجنود القدامى لم ييأسوا، فقتلوا مئات الآلاف من الطيور خلال العقود القليلة التالية، حتى إن إحدى الصحف الأسترالية قدرت أن ما يقرب من 300 ألف من الطيور ماتت على أيدي المبيدات بين عامي 1945 و1960.