التعاطي القطري مع الأزمة يدمر تماماً علاقات قطر مع بقية دول مجلس التعاون.
رغم أن النظام القطري قد اتجه إلى التعامل مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب منذ بداية الأزمة وفق خطط كانت معدة مسبقاً، ثم تم تطوير هذه الخطط إلى استراتيجيات دعائية هجومية على الصعيدين السياسي والإعلامي، فإن تحليل هذه الخطط والاستراتيجيات يشير إلى أخطاء كارثية وخطايا مدمرة ارتكبها النظام القطري.
فمن الواضح أن هذه الخطط والاستراتيجيات قد أُعدت بمعزل عن القيادات والكوادر القطرية المواطنة، حيث اعتمدت بشكل مطلق، كما يعكس تحليل عناصرها، إلى تغييب المصالح الاستراتيجية للشعب والدولة القطرية على المديين المتوسط والبعيد، إذ إن أبجديات التخطيط الاستراتيجي يجب أن تضع بيئة الصراع ومعطياته ضمن حساباتها، وتجاهل ذلك يؤكد انتفاء وجود العنصر والوازع الوطني في التخطيط.
فالمؤكد أن التعاطي القطري مع الأزمة يدمر تماماً علاقات قطر مع بقية دول مجلس التعاون، بل وتتمادى قطر وتتفنن وسائل إعلامها في قطع كل خيط يمكن أن يبقى شاهداً على إمكانية استعادة زخم هذه العلاقات وعودة قطر إلى حاضنتها الخليجية الطبيعية، وهو أمر يتنافى تماماً مع مصالح الشعب القطري الذي لا يمكن أن يعيش طويلاً تحت مظلة الحماية الإيرانية أو التركية، كما يصعب عليه قبول التواجد العسكري التركي والإيراني المكثف في شوارع قطر لحماية النظام الحاكم.
تكشف عناصر التخطيط الاستراتيجي القطري بوضوح بصمات وتوجيهات عزمي بشارة، الذي يلعب دوراً رئيسياً في رسم توجهات النظام القطري، كما يبدو واضحاً كذلك تأثير قادة جماعة الإخوان المسلمين الموجودين في الدوحة، سواء من حيث توجيه عناصر الجماعة وفروعها في مختلف الدول للعمل لمصلحة قطر والترويج لموقفها والدفاع عنها، أو في رسم سيناريوهات إدارة الأزمة، لاسيما ما يتعلق بسيناريو "المظلومية" والترويج لدور "الضحية" الذي تجيد الجماعة لعبه وتسويقه منذ تأسيسها في عام 1928.
كما يمثل ارتماء النظام القطري في أحضان إيران وتركيا أحد عناصر التخطيط الاستراتيجي القطري، حيث خضع النظام القطري إلى سيادة ونفوذ ومصالح الدولتين اللتين لا تمتلك قطر حيلة في التعامل معهما بحكم الأمر الواقع الذي فرضته على نفسها، ناهيك عن تدمير سبل العودة إلى الحاضنة الخليجية، وهنا تبدو نتائج العناد والمكابرة واضحة وجلية؛ فرغم أن النظام القطري لا يكف في تصريحاته عن ترديد مفردة "السيادة" ورفض ما يزعم أنه "وصاية" خليجية عليها، فإنها ترمي بمستقبل الأسرة القطرية الحاكمة بل والدولة القطرية بأكملها في حظيرة السيادة الإيرانية، حيث بات من السهل أن تبتلع إيران قطر بأكملها، والقصد هنا ليس ابتلاعاً جغرافياً بل السيطرة على مجمل مكامن الثروة القطرية في النفط والغاز.
من أبرز خطايا السياسة القطرية في التعاطي مع الأزمة التلويح بأوراق كارثية مدمرة في مثل هذه الموقف، حيث لجأ النظام القطري إلى التلويح بورقة "تدويل وتسييس" الحج عبر الادعاء والزعم في شكوى رسمية، ادعت فيه استغلال السعودية للحج في تحقيق مصالح سياسية والتأثير على الحريات الدينية! ما دفع الرياض إلى إعلان هذا التوجه القطري الخطر بمنزلة "إعلان حرب" وأعلنت رفضها أية محاولة قطرية لتسييس وتدويل الحج، ومحاولة التقليل من دور المملكة في تقديم الخدمات لضيوف الرحمن.
والمؤكد أن إقدام قطر على هذه الخطوة يمثل كارثة في التقدير الاستراتيجي لعواقب الأمور، فلم تقدم على المطالبة بتدويل الشعائر المقدسة في مكة والمدينة سوى إيران، التي لا تكف عن افتعال الأزمات والحوادث والادعاء بفشل الإدارة السعودية للشعائر المقدسة، باعتبار ذلك أحد أوراق الضغط على الرياض، ورغم فشل إيران في كسب أي تعاطف لهذه المزاعم، فإن تكرارها من الجانب القطري يمثل اصطفافا إلى جانب إيران في أحد الملفات التي تحتل أولوية استثنائية لدى الدول والشعوب الإسلامية.
خسرت القيادة القطرية كثيراً عندما وجهت وسائل إعلامها للإساءة لرموز السعودية والإمارات والبحرين، بل واختارت لذلك رموزا موضع إجماع والتفاف وطني، سواء بين الأجيال الشابة أو كبار السن، ولاسيما الملك سلمان بن عبدالعزيز، والملك حمد بن عيسى، والأمير محمد بن سلمان، وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي تناست القيادة القطرية دوره في عودة قطر للصف الخليجي في أزمة عام 2014، حيث كشف معالي د. أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية أن محمد بن زايد كان وراء عودة قطر والتسامح معها، ومع ذلك لم تجد القيادة القطرية سوى أن تقابل هذا الدور الإنساني بالإساءة وافتعال الأكاذيب، لتعكس الفارق القيمي والأخلاقي الهائل الذي يحكم سلوكيات النظام القطري والقيادة الخليجية، ولتضع حاجزا صعبا على المستوى الشعبي بينها وبين العودة الطبيعية للصف الخليجي مجددا، لأن شعب الخليج لن يقبل يوما الجلوس بجانب من أساء لرموزه، وبالقدر ذاته لن ينسى شعب الإمارات دماء أبنائه من الشهداء الأبرار الذي راحوا ضحية غدر النظام القطري على أرض اليمن، حيث تأكد للجميع أن القوات القطرية قد سربت "إحداثيات" الموقع الذي تتواجد به قوات إماراتية لميلشيات الحوثي والمخلوع صالح، التي قامت بقصف الموقع، وهي جريمة لا تغتفر لنظام قطر، ولن تنساها الأجيال، وستظل عالقة في رقاب أمير قطر الحالي مهما طال الزمن، علاوة على أن فقدان الثقة لن يعالج بسهولة حتى لو غاب الأمير الحالي عن صدارة المشهد السياسي القطري، فليس من السهل على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب القبول بوجود عناصر قطرية في أية اجتماعات تستلزم السرية والحفاظ على الأمن الوطني للدول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة