أكاليل الزهور تشغل مقاعد الطلبة الشهداء في غزة
إكليل من الزهور يحتل مقعد طالبين في مدرسة "معاذ بن جبل" شرق مدينة غزة، بعد استشهادهما برصاص قناصة الاحتلال الإسرائيلي
قبل يوم واحد من موعد تقديمه الامتحان الشهري في مادة الوطنية، رحل الطالب الفلسطيني فارس السرساوي، برصاص قناص إسرائيلي، ليحوز العلامة الكاملة بدمه الذي عطر تراب الوطن.
إكليل من الزهور احتل مقعد الطالب السرساوي (12 عاما) بفصله في مدرسة "معاذ بن جبل" شرق مدينة غزة، بعدما غيبه رصاص الاحتلال الإسرائيلي، بينما بدت معالم الصدمة في وجه زملائه وحتى مدرسيه.
صدمة وألم
وتسللت الدموع من عيني رفيق فارس وزميله في الفصل، الطفل يوسف القيشاوي، وهو يروي لـ"العين الإخبارية" كيف فقد صديقه، فيقول: "كنت أجلس معه عصر الجمعة، ثم أبلغنا أنه سيذهب إلى مسيرة العودة، وفعلا غادرنا، وبعد ساعات قليلة جاء خبر استشهاده".
واستشهد السرساوي، وهو من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بعد إصابته بعيار ناري في الصدر أطلقه تجاهه قناص إسرائيلي، أثناء مشاركته في تظاهرات العودة شرق غزة في جمعة "الصمود والثبات"، كما أطلقت عليها الهيئة الوطنية للمسيرة، وهو واحد من 3 شهداء استشهدوا في الجمعة الأخيرة شرق قطاع غزة.
ويضيف الفيشاوي: "سأعلق صوره في كل مكان، لماذا قتلوه؟ فارس كان بطلا ومميزا لماذا قتلوه؟".
اثنان من زملاء فارس الشهيد، حملا إكليل الزهور وتجولا به في ممرات المدرسة، قبل أن يضعاه على مقعده الدراسي، في مشهد حزين بدت معالمه على آثار زملائه الطلبة الذين روى أحدهم كيف علم بنبأ الشهيد، قائلا: "والدتي كانت تذكر أسماء الشهداء ومنهم السرساوي، حينها سألت عن الاسم، فعرفت أنه صديقي ورفيقي البطل فارس.. لن أنساه".
تأثيرات نفسية
مهمة المرشد التربوي في المدرسة، عادل المناصرة، تبدو صعبة، في ظل تكرار الأخبار الصادمة، والذي يقول لـ"العين الإخبارية": "هذا هو قدرنا، قصف طائرات حصار، جوع، قنص، أطفالنا يعانون ويتألمون، نحاول معهم، ولكن اليوم الألم أكبر، لأنهم فقدوا رفيقا عزيزا عليهم".
ومنذ انطلاق مسيرة العودة في 30 مارس/آذار، استشهد أكثر من 200 فلسطيني منهم 34 طفلا برصاص الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف المناصرة: "هذا الإجرام الإسرائيلي له تأثيرات نفسية كبيرة على الطلبة، ونحن نحاول أن نخفف عنهم قدر الإمكان"، مؤكدا أن "جنود الاحتلال يتسلون بقنص أطفالنا الذين خرجوا تعبيرا عن غضبهم وتوقا للعودة إلى بلادهم التي هجر أهلهم منها".
وتساءل: "لماذا يمارس المجتمع الدولي الصمت، وهو يشاهد الجنود يجابهون طفلا أعزل بالمدافع"، مضيفا: "أما آن لهذا الشعب وهذا الجيل أن ينعم بالأمن كباقي أطفال العالم".
مجدي المغني، مدير المدرسة، عدّد مناقب الطالب الشهيد قائلا: "كان مميزا محبوبا من الجميع، وأخلاقه دمثة، وتلقينا النبأ بألم وحسرة"، وأشار إلى أنه طلب من المرشد التربوي محاولة التخفيف من وقع الصدمة على زملاء فارس في الفصل.
النجم المحبوب
فارس، لم يكن الطفل الوحيد، الذي يغيبه رصاص الاحتلال عن فصله ومدرسته، فيوم الجمعة الذي سبق استشهاد فارس، استشهد الطالب ناصر عزمي مصبح، 12 عاما، بعد إصابته برصاص الاحتلال شرق خان يونس.
وترك استشهاد ناصر ألما كبيرا لدى زملائه، فهو نجم المدرسة، حافظ القرآن، والخطيب المفوه، ولاعب الكونج فو.
واعتاد مصبح على التوجه لمسيرات العودة، برفقة شقيقتيه إسلام ودعاء، وهما مسعفتان متطوعتان، وكان يساعدهما في رش المحلول الملحي على المصابين بالغاز، حتى لقب بالمسعف الصغير، كما كان يشارك في عروض الكونج فو خلال التظاهرات.
ضياء أبوخطي، أحد رفاق ناصر، بكاه بشدة، وعلق هو الآخر صورته، بينما بقي إكليل الزهور الذي يحمل صورة الشهيد لأيام على مقعده.
كمال النجار (50 عاما)، أحد مدرسي ناصر، أشار إلى أن الشهيد كان مميزا متفوقا وعاشقا للمواد العلمية، وحلم أن يصبح طبيبا، وأضاف أن استشهاد الطلبة يترك أجواء حزينة ومؤلمة لدى رفاقه الطلبة وحتى للهيئة التدريسية، ولسان حال الجميع: "إلى متى يبقى أطفالنا وطلابنا أهدافا لتسلية قناصة الاحتلال".