التجنيد الإجباري للأطفال يستوجب تدخلا فوريا من مجلس الأمن.
قال الحكماء إنك إذا أردت أن ترى مستقبل الشعوب، فانظر إلى أطفالهم الآن، وإن "ما نضعه في عقول أطفالنا اليوم هو مستقبل أممنا".
ولننظر معا إلى مستقبل أطفالنا..
١٦٧٠ طفلا تم تجنيدهم إجباريا من قبل الحوثيين في اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من طرف الحوثيين الذين تدعمهم إيران، وآلاف الأطفال يجندون بين ساحات الحروب في سوريا والعراق تحت أسماء مختلفة منها "أشبال الخلافة" وكأنها وسام أو علامة بطولة مسجلة.
نتحدث يوميا عن "الإرهاب" والتصدي له، ونتحسب لأخطاره الأمنية الراهنة، فتتحسس أجهزة استكشاف المتفجرات كل المارين العابرين والوافدين، في المحال التجارية التي تحولت مداخلها إلى أشباه معابر حدودية.
لكن ما يحدث مع أطفالنا من يتحسسه أو يشعر به، أبصارنا أو بصيرتنا؟
هذا التجنيد الإجباري يستوجب تدخلا فوريا من مجلس الأمن وقوات حلف الشمال الأطلسي، هؤلاء الأطفال خطر على طفولتهم وأهاليهم، وعلى المستقبل.
وليس التجنيد والتدريب على استعمال الأسلحة هو الخطر الحقيقي فحسب، الخطر هو ما يدرس لهؤلاء، والقناعات التي تزرع في أذهانهم الصغيرة التي تكبر وتربى عليها.
أطفال اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وبقية البلدان التي دمرت باسم الدين، لن يشكروا عند كبرهم تنظيم الحمدين ولا أردوغان أو النظام الإيراني، ولن يذكروهم بخير بل سيعود الرصاص الذي جعلوا أياديهم البريئة الصغيرة تمسكه وتطلقه، سيعود نحو صدورهم لأن التاريخ لا يرحم
المغالطات في فهم الدين وتفسيره، وغياب العلم والحقائق عن تربية هؤلاء.
والسؤال المخيف هو عندما ينتهي "استعمال" هؤلاء الأطفال، أين سيذهبون؟
إلى السجون بتهم لا ذنب لهم فيها؟ هل سيعاملون كمجرمين وهم لم يصنعوا الإجرام في أنفسهم البريئة بل وجهوا نحوه؟
أو كأبرياء وهم فعليا تعلموا القتل ومارسوه، وتشبعوا بالإرهاب.
إنها مساحة جديدة لم تمر الإنسانية بمثلها من قبل.
والمشكل الأساسي أن من يعاملون اليوم كضحايا للإرهاب هم فقط الأبرياء الذين تعرضوا لحوادث إرهابية مباشرة، تتمثل في هجومات مسلحة، أو تفجيرات إرهابية، أو طعن أو دهس أو أي من المظاهر الإرهابية البشعة التي أودت بشكل مباشر بأشخاص أو جماعات.
هل حان الوقت لنبحث عن تصنيفات جديدة لمظاهر إرهاب "المدى الطويل"، أو تسميات ذات خصوصية مثل الاستثمار في الإرهاب بأشكاله المتعددة؟
ومن أهم الدول التي استثمرت في الإرهاب هي قطر وشركاؤها الذين يعملون على المدى القصير والمتوسط والطويل، عبر الدعم المالي المباشر لمجموعة من الدول التي نراها اليوم منكوبة في شعوبها ومؤسساتها وبناها التحتية.
أما الاستثمار الفكري الناعم فهو من نصيب الحليفة تركيا برئاسة "الخليفة" رجب طيب أردوغان.
والاستثمار الأخطر والأعمق والذي يعتبر الأعرق هو ذلك المتخفي تحت العباءة الإيرانية، التي تجر أذيال الظلام الحارق على أمتنا.
وهم من يعبثون اليوم في اليمن مستعملين عملاءهم الحوثيين، هدموا دولة بعد أن أسقطوا حكومتها، ويوظفون شبابها وأطفالا ضاعت براءتهم وإنسانيتهم على أعتاب أيديولوجيات لا يسمح سنهم وعقلهم باستيعابها.
علموهم معنى القتل وقتلوا الإنسانية فيهم، لأن كل من يطلق رصاصة في صدر إنسان على هذه الأرض تخرج إنسانيته هو معها بلا عودة، خاصة إن كان إطلاق الرصاص عن غير فهم أو وعي أو قناعات، والمقصود بالتأكيد هنا الجانب الدفاعي في حال الهجوم المسلح المباشر، وإلا فالقانون هو الفيصل وهذا ما يميزنا كبشر عن بقية المخلوقات.
وإذا نظرنا ببساطة بريئة كبراءة أطفالنا، يمكننا أن نسأل المستثمرين في الإرهاب، ألم يكن من الأكثر جدوى لو أنهم استثمروا في التعليم والعلم والثقافة كما فعل قدماء المستعمرين الذين تنعتونهم بـ"الكفار".
ألم تستثمر فرنسا في دول شمال أفريقيا معماريا، وتعليميا وثقافيا وعلميا وساعدت هذه الدول على النهوض بنفسها.
ألم تفعل بريطانيا الشيء نفسه مع مستعمراتها القديمة.
إلى درجة أصبحنا نرى أجمل البنايات والشوارع في دولنا وسكك الحديد والمدارس هي التي خلفها "المستعمرون".
ألم يتركوا العلم الحديث الذي لا يزال يدرس إلى اليوم مع إضفاء الكثير من الرداءة والتراجع إلى الوراء كلما تقدمنا زمنيا إلى الأمام.
أكانوا رحماء بأممنا أكثر منهم، أم أن الجهل فيهم والتعطش للدماء بحثا عن تحصيل الربح السريع لاستثمارات يعلمون أن نهايتها خراب جعلهم يتعجلون.
نحن كبرنا وشكرنا مستعمري الماضي على ما تركوه في بلادنا، تعلمنا لغاتهم ودرسنا علومهم على الأقل.
لكن أطفال اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وبقية البلدان التي دمرت باسم الدين، لن يشكروا عند كبرهم تنظيم الحمدين ولا أردوغان أو النظام الإيراني، ولن يذكروهم بخير بل سيعود الرصاص الذي جعلوا أياديهم البريئة الصغيرة تمسكه وتطلقه، سيعود نحو صدورهم لأن التاريخ لا يرحم، وذاكرة الزمن لا تمحوها الأموال ولا عباءات الشر أو عقول الإخونجية التي تحتاج إلى استئصال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة