التكنولوجيا هي فعلا "الذهب الشفاف" فها هي أناملنا لا تستطيع مغادرة أزرار هواتفنا التي أصبحت بفضل برمجيات بيل جيتس ذكية.
في الماضي كَتبتُ مقالاً بعنوان من سيحكم العالم بيل جيتس أم كوفي عنان، ومعذورون من قالوا في تلك الفترة إني بالغت في هذا الوصف لأنني عند كتابة تلك المقالة في شهر يوليو سنة 2000 في مجلة الشرطي الشهرية التي تصدرها شرطة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، كانت استخداماتنا للكمبيوتر محدودة للغاية حيث لم تظهر أجهزة الهواتف الذكية و لم يكن لمعظم التطبيقات التي لا نستغني عنها اليوم وجود.
ولم أقصد في المقالة تلك كوفي عنان بصفته الشخصية ولكن للرمزية العالمية و ما يمثله كسكرتير عام للأمم المتحدة التي يخضع لسلطتها معظم سكان دول العالم، و لكن جيتس يحمل الصفتين، فهذا الرجل سواءً اتفقنا معه أو اختلفنا فإنه من عباقرة زماننا الذي فجر علم البرمجيات التي لا تفارق حياتنا اليومية، و كذلك بصفته الشخصية لأنه كان يخوض نزالاً قانونياً مع الحكومة الأمريكية في تلك الفترة.
فقبل قرابة العقدين من الزمن تمت مقاضاة شركة مايكروسوفت التي يملكها بيل جيتس و التي وصفت في حينها من المعارك الكبرى التي تشهدها المحاكم لمكافحة الاحتكار في التاريخ و شهدت الكثير من الأحداث، و كان أحد أطرافها بيل جيتس و في الطرف الآخر ظهرت الحكومة الأمريكية التي قد تكون تمثل أكثر من طرف غير مرئي، و رغم تخصصي القانوني إلا أنني لم أكن أقرأ تلك القضية كقضية قانونية تنظرها المحاكم الأمريكية و لكن تابعتها كمساومة تجارية تجري بين أطراف القضية، لأن مجريات تلك القضية كانت قريبة من المفاوضات للوصول لعقد صفقة معينة بين أطرافها من أن تكون قضية حقيقية تنظرها المحاكم، كما أن أطراف تلك القضية لم يتوقفوا عن عرض التسويات فيما بينهم أثناء نظر القضية في المحاكم و حتى مع صدور الأحكام.
التكنولوجيا هي فعلا "الذهب الشفاف" وهي من تحكم العالم، فها هي أناملنا لا تستطيع مغادرة أزرار هواتفنا التي أصبحت بفضل برمجيات بيل جيتس ذكية.
وبعد سنوات من تلك المعركة القضائية توصلنا إلى أن التكنولوجيا هي فعلا "الذهب الشفاف" وهي من تحكم العالم، فها هي أناملنا لا تستطيع مغادرة أزرار هواتفنا التي أصبحت بفضل برمجيات بيل جيتس ذكية، و لها كلمة الفصل في كثير من التحديات التي تمس حياتنا اليومية بما فيها التلاعب في مزاجنا العام، بينما دور الأمم المتحدة يتراجع يوماً بعد يوم لا سيما بعد عجزها عن تقديم أي شيء للعالم لمواجهة جائحة (كوفيد-19)، و هذا عكس الدور البارز التي لعبتها التقنيات الحديثة أثناء وباء كورونا في الحفاظ على مصالح الناس قدر الإمكان و هي في طريقها أن تَحْكُم ما تبقى من مقومات حياتنا اليومية.
منذ جائحة (كوفيد-19) و الاتهامات لم تتوقف عن مصدر هذا الوباء إن كان الخفاش أو الدول التي تتهم بعضها كالولايات المتحدة الأمريكية أو الصين حتى طالت الاتهامات شخصيات و في طليعتها بيل جيتس بأنه وراء هذا الوباء ليحكم سيطرته على العالم، لا سيما و أن الرجل بدأ في مقابلاته الإعلامية الأخيرة يستشرف المستقبل و ما سيؤول له العالم و يوضح نظرياته في استحواذ "الذهب الشفاف" على التعليم و تأثيراته الاقتصادية، و إن لم يقلها غيتس فإن من يستطيع أن يستحوذ على التعليم يستطيع أن يستحوذ على كل شيء.
و البعض ذهب في اتهام جيتس أنه يريد زرع شريحة إلكترونية في جسد بني البشر حتى يستطيع التحكم بهم، و لكن أكثر ما يحير هو كيف أن بيل جيتس الذي يعترف بأنه صياد الفُرص و المتهم بأنه وراء هذا الوباء هو من أكبر المتحمسين وعرّاب الساعين لإيجاد اللقاح لإنقاذ الناس لخروجهم من منازلهم لمزاولة حياتهم الطبيعية بدل العمل و التعليم عن بُعد، حتى أنه يطالب الدول و الأفراد بتمويله بالمليارات من الدولارات لإنتاج هذا اللقاح و هو في ذات الوقت يصرح بأنه يعمل على أن يهيء للعالم للعمل و التعليم عن بُعد بدلاً من الخروج من منازلهم؟!.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة