محاكمات صنعاء.. تخدير وغطاء لحجب جرائم الحوثيين
يوجه الحوثيون آلة إعلامية ضخمة وكتائب إلكترونية واسعة تستغل المحاكمات للتلاعب بعواطف المواطنين في مناطق سيطرتها
لم تكن المحاكمات القضائية بمنأى عن التوجيه المنظم لمليشيا الحوثي ضمن مخططاتها لطمس آثار الانقلاب الإرهابي الذي غدت العاصمة اليمنية صنعاء في ظله، بؤرة للجرائم التي تهز الشارع يوما بعد آخر.
وطيلة 6 أعوام من عمر الانقلاب، استخدم الحوثيون المحاكمات في الجرائم الصادمة مجرد "جرعة" تخدير للناس ووسيلة إلهاء لحرف أنظار الرأي العام نحو القضايا الهامشية، وذلك من أجل حجب الجرائم الحقيقية والأزمات المعيشية التي أفرزها انقلابه الغاشم.
كما يوجه الحوثيون آلة إعلامية ضخمة وكتائب إلكترونية واسعة تستغل المحاكمات للتلاعب بعواطف المواطنين في مناطق سيطرتها، في مسعى لإطفاء غضب الشارع اليمني تجاه الجلادين الذين يقفون خلف مئات الجرائم الوحشية.
مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، استيقظ اليمنيون على تسريبات مسجلة صعقت كل المجتمع، لشاب عشريني يتناوب على تعذيبه الوحشي 8 سفاحين حتى الموت في متجر للهواتف وسط العاصمة صنعاء.
ولم تمض ساعات حتى انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هشتاق "#عبداللهالاغبري" و"#مطلبنا القصاص للمغدور الأغبري" قبل أن ينتقل الغضب الشعبي لشوارع صنعاء ويتعرض الشارع للقمع الحوثي المعهود.
ظهرت الواقعة التي حدثت في 27 أغسطس/آب، وفي نفس اليوم قبض على المتهمين، للرأي العام بعد 10 أيام من وقوعها، بدأت بمشاهد أولية وبعد أيام بثت مشاهد أخرى في شكل تسريبات ذكية من مصدر مجهول، وكسبت دعم وتأييد الشارع واهتمامات الرأي العام لأكثر من شهر ونصف.
ومارس الحوثيون أعلى تكتيكات الإلهاء والخطاب العاطفي، تمثلت ببث اعترافات مجتزأة للمتهمين ولقاءات مع أسرة الضحية، وأخذت القضية شدا وجذبا، فبين من اعتبرها جريمة منظمة لعصابة، ومن قال إنها إثر سرقة هواتف، وإن قياديا حوثيا متورطا بالحادثة.
وأمام ضغط الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي خضع المتهمون للمحاكمة، وأصدر حكم بالإعدام ضد 5 بعد 3 جلسات محاكمة فقط، غير أن دوافع ارتكاب الجريمة لا تزال مخفية عن الرأي العام، والذي حرفه الحوثيون إلى واد آخر، تمثل باحتجاز ضابط أمني يعرف بـ"عبدالله الأسدي" بتهمة تسريب مشاهد الواقعة.
وبينما لم تنته أحداث واقعة الأغبري التي تصدرت حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، طفت إلى السطح محاكمة جريمة جديدة تمثلت باختطاف واغتصاب 92 شخصا، تحت تهديد السلاح.
وحيثيات الجريمة التي ارتكبها المدعو عبدالرحمن محمد محمود الشجاع (25 عاما)، تجاوزت ابتزاز الضحايا بعد تصويرهم، في وقائع نصب واحتيال توزعت على 7 محافظات يمنية، في جريمة مركبة لعصابة منظمة وأثارها الحوثيون لتخدير الناس، وفقا لمراقبين.
ولم تكن واقعتا محاكمة الأغبري والشجاع هي الأولى طيلة 6 أعوام، بل نموذج لمئات الوقائع والمحاكمات الحوثية لسحب البساط من تحت أقدام مشكلات كبرى تواجه اليمنيين، سيما صنعاء ومناطق سيطرته المحرومة التي تعد بئية خصبة للمجاعة والأمراض والأوبئة وأزمات معيشية لا تعد ولا تحصى.
كما أجرت مليشيا الحوثي أكثر من 157 محاكمة سياسية ضد ناشطين ومعارضين منذ مطلع العام الجاري وحتى أغسطس/آب الماضي، طبقا لمنظمات يمنية.
لعب دور البطولة
منذ الانقلاب والاستيلاء على السلطة، واجتياح المدن اليمنية مارس الحوثيون سياسات متنوعة لركوب الأمواج واستغلال قضايا الرأي العام وتطويع الشارع لصالحه أو صرف الأنظار عن حقيقة جرائمه.
وحسب، الناشط اليمني عماد الجعدني فإنه رغم قطع المرتبات للعام السادس، الأمر الكفيل وحده بتهييج الشارع كله ضد الحوثي، فضلاً عن مئات الجرائم الوحشية الأخرى، فإن المليشيات تعمل على حرف مسار الغضب نحو قضايا ثانوية ليست سوى "مسرحيات هزلية" تلعب فيها دور البطولة.
وأضاف الناشط اليمني في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن مليشيا الحوثي تعرف تأثير الشارع لذلك فهي لا تكتفي بالقمع الشديد بل تسعى إلى تدجين الشارع فائض العاطفة، بممارسات تتعدى امتصاص الغضب إلى محاولة كسب الفائض من تلك العاطفة.
أما الكاتب حسين الوادعي فوصف الجرائم في مناطق الحوثيين بـ"الهزات العنيفة" التي أحدثتها الحرب في النسيج الاجتماعي، وأنها أخطر مما نتوقع وخليط مرعب من الجرائم المتسلسلة والمنظمة.
ويلقي الكاتب اليمني، في منشور على حسابه في موقع "فيسبوك"، الضوء في هذا الإطار على واقعة اغتصاب 92 شخصا باعتبارها جريمة تجاوزت النساء كضحايا تقليدية ليستهدف الشباب الذكور.
واستغرب الوادعي من وقوع الجريمة في 7 محافظات ومن شاب لا يتعدى 25 عاما، معتبرا ذلك نوعا جديدا من جرائم مركبة ومنظمة، تشمل "استدراجا"، "خطفا"، "تهديدا"، "اغتصابا"، "تصويرا مخلا" و"ابتزازا"، في إشارة إلى أنها ليست جريمة فردية، وأن المحاكمة الحوثية لم تكن أكثر من مسرحية ووسيلة إلهاء.