مع اقتراب موعد اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تكثّف القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط تحركاتها للتأثير في ملامح المرحلة المقبلة من خطة السلام في غزة.
وتتركز الجهود في قضيتين جوهريتين: الجهة التي ستتولى إدارة القطاع، وكيف سيتم التعامل مع سلاح حركة حماس.
وفي ظل هذا السباق المحموم لتثبيت الوقائع وتحقيق المكاسب، يدرك الجميع أن نافذة الوقت ضيقة للغاية. ولن تتضح حقيقة ما إذا كان الجمود القائم قد بدأ يتفكك أم لا، إلا عندما يجلس نتنياهو مع ترامب في المكتب البيضاوي يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
صحيفة "التايمز" البريطانية، ترى أن جوهر المعادلة يتمثل في ممارسة واشنطن ودول عربية وإقليمية بممارسة ضغوط حقيقية على «حماس» لدفعها إلى نزع سلاحها والتخلي عن الحكم، في حين يُنتظر من ترامب أن يعاود ممارسة الضغط على نتنياهو، وحتى يحين ذلك اللقاء، تتبادل الأطراف رسائل متناقضة، في محاولة لإظهار من يمتلك اليد العليا في هذه اللحظة الحساسة.
فقد وصف رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني المسار الحالي بأنه يمر بـ«منعطف حرج»، محذراً من أن تجميد الانسحاب الإسرائيلي قد يفتح الباب أمام عودة التصعيد.
والسبت، أعلنت إسرائيل تنفيذ غارة جوية أسفرت عن مقتل القيادي البارز في «حماس» رائد سعد، في خطوة بدت وكأنها تأكيد عملي لهذه التحذيرات.

في المقابل، حاول نتنياهو إبداء قدر من التفاؤل خلال لقائه بالمستشار الألماني فريدريش ميرتس في مطلع الأسبوع، مشيراً إلى إمكانية تحقيق تقدم إضافي والانتقال إلى المرحلة التالية من الخطة. غير أن التساؤل الأساسي يظل مطروحاً: هل هذا التفاؤل واقعي، أم أنه مجرد خطاب سياسي؟
خطة ترامب، التي أُعلنت في سبتمبر/أيلول الماضي، لم تحظَ بموافقة كاملة من أي من الطرفين. وبدلاً من ذلك، جرى الاكتفاء باقتطاع بعض بنودها لتشكيل «المرحلة الأولى»، لإنقاذ الوضع الإنساني المتدهور في غزة.
وشملت هذه المرحلة وقف إطلاق النار، وإعادة جميع الرهائن الإسرائيليين، والإفراج عن نحو 2000 أسير فلسطيني، واستئناف تدفق المساعدات الإنسانية. أما القضايا الأكثر تعقيداً - مثل مستقبل حكم غزة بعد «حماس»، وآلية نزع سلاحها، وانتشار قوات دولية تمهيداً لانسحاب إسرائيلي كامل - فما زالت محور شد وجذب سياسي مكثف.
إيران إتسيون، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق وأحد أبرز منتقدي نتنياهو، يرى أن رئيس الوزراء لا يرغب فعلياً في إنجاح الخطة، قائلاً إن «الهدف الحقيقي هو إفشالها».
ووفق هذا التحليل، يعوّل نتنياهو على رفض «حماس» التخلي عن السلطة، أو على تردد الدول الأجنبية في إرسال قوات إلى غزة، لتبرير تجميد المسار برمته.

في هذا السياق، يبقى السؤال: ما الذي تستطيع الولايات المتحدة فعله لدفع العملية إلى الأمام؟
ورغم إشارات حركة حماس إلى استعدادها للتخلي عن بعض الأسلحة الثقيلة، فإنها ترفض حتى الآن التخلي عن الأسلحة الفردية، خشية رد فعل الشارع الغزّي الغاضب من حجم المعاناة منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
القيادي في «حماس» باسم نعيم ألمح إلى مخرج محتمل عبر «تجميد أو تخزين السلاح»، لكن الموقف التقليدي داخل الحركة لا يزال يقوم على الاحتفاظ به إلى حين قيام دولة فلسطينية.
أما الإشراف على أي عملية نزع للسلاح، فيُعد بدوره لغزاً معقداً. فنعيم يرفض أن تتولى «قوة الاستقرار الدولية» هذه المهمة، مقترحاً أن يقتصر دورها على مراقبة وقف إطلاق النار ومنع التصعيد، لا التدخل المباشر داخل غزة.
هذا الطرح ينسجم مع رؤية بعض الأطراف العربية، لكنه يصطدم برفض إسرائيلي واضح، إذ يفضّل الجيش الإسرائيلي دوراً دولياً يركز على تفكيك قدرات «حماس» المسلحة، مع الإبقاء على حرية التدخل العسكري.
وبسبب الغموض المحيط بمهام القوة الدولية وقواعد اشتباكها، بدأت دول كانت قد أبدت استعداداً مبدئياً للمشاركة تعيد النظر في موقفها. فبالنسبة لدول مثل أذربيجان أو إندونيسيا أو باكستان، فإن إرسال قوات إلى بيئة مشحونة كهذه قد يتحول إلى عبء سياسي داخلي يصعب تحمّله.
وإذا تعثر تشكيل القوة الدولية، فستتحول الأنظار إلى قوة الشرطة الفلسطينية الجديدة التي يُفترض أن تحل محل أجنحة «حماس» المسلحة، غير أن احتمال ضم هذه القوة لآلاف العناصر الذين خدموا سابقاً في فصائل مسلحة يثير شكوكاً جدية حول قدرتها على نزع السلاح فعلياً، أو ما إذا كانت ستشكل غطاءً جديداً لاستمرار الوضع القائم.

في موازاة ذلك، يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال جمود طويل الأمد. فقد صرّح رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير بأن «الخط الأصفر» الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية قد يتحول إلى «حدود جديدة» مع غزة، وهو ما أثار قلقاً دبلوماسياً واسعاً، نظراً لأن هذا الخط كان من المفترض أن يكون مؤقتاً فقط، بينما يترك إسرائيل مسيطرة على نحو نصف مساحة القطاع.
في المقابل، تحاول فصائل فلسطينية أخرى كسر الأمر الواقع عبر شن هجمات، لإيصال رسالة مفادها أن تثبيت «الخط الأصفر» سيؤدي إلى خسائر بشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي.
ومع اقتراب لقاء نتنياهو وترامب، يُتوقع أن يزداد هذا التوتر. وحرصاً على عدم الظهور بمظهر من يقوض الخطة، ذكّر نتنياهو الإعلاميين بأن المرحلة الأولى نفسها بدت مستحيلة في نظر كثيرين، قبل أن تتحقق.
ومع بقاء جثمان رهينة واحد فقط لم يتم إعادته بعد، يمكن اعتبار هذه المرحلة مكتملة من منظور الشارع الإسرائيلي، لأنها حققت الهدف الأساسي المعلن للحرب.
لكن التحدي الحقيقي يكمن فيما سيأتي بعد ذلك. فترتيبات «اليوم التالي» في غزة أصعب بكثير من حيث التوافق السياسي والتسويق الداخلي. ويرى إتسيون أن لقاء البيت الأبيض يهدف إلى دفع نتنياهو قسراً، ولو جزئياً، نحو استكمال الخطة، محذراً من احتمال حدوث صدام علني بينه وبين ترامب.