ما هي فتوى "الجهاد الكفائي" التي مكنت إيران من العراق؟
المرجعية الشيعي السيستاني أصدر عقب ظهور داعش بالعراق فتوى أصبغت الشرعية على عمل الميليشيات الطائفية ومكنتها من السيطرة على مدن
تمر في يونيو/حزيران الجاري الذكرى الثالثة لفتوى "الجهاد الكفائي" التي أصدرها المرجع الشيعي في العراق، علي السيستاني، وأفرزت عددًا من الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران في العراق وسوريا.
- مليشيا الحشد الشعبي تكشف أوراق "معركة الحدود"
- "مؤسسة المستضعفين" وخفايا الممر الإيراني بين سوريا والعراق
ففي 13 يونيو/حزيران 2014، وعقب الإعلان عن الاجتياح المفاجئ والمثير في سرعته وسهولته للتساؤلات من جانب تنظيم داعش الإرهابي لمحافظات شمال العراق، أعلن السيستاني فتوى دعا فيها "كل قادر على حلم السلاح" إلى الانخراط في صفوف القوات الأمنية بحجة محاربة داعش.
ولكن المستجيبين للفتوى لم ينخرطوا بالمعنى المباشر في القوى الأمنية الرسمية، ولكن شكلوا كيان الحشد الشعبي الطائفي الموالي لإيران، من ميليشيات كانت موجود بالفعل وتحارب سواء في العراق أو سوريا، وانضم لها أعداد كبيرة أخرى على صدى الفتوى، وأصبحت ميليشيات "رديفة" للقوات الرسمية.
وفي وقت لاحق في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 استطاعت ميليشيات الحشد الشعبي بدعم من مسؤولين في الحكومة والبرلمان، تمرير قانون يصف تلك الميليشيا بأنها "جزء" من القوات العراقية الرسمية، وذلك لتأخذ مددًا ماليًا من خزينة الدولة، والأهم تأخذ غطاءً شرعيًا تتحرك به في العراق وتمارس أعمال القتل.
وتحتفل ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، بذكرى هذه الفتوى سنويًا، ويزعمون أنه لولاها لضاع العراق بيد داعش.
وفيما يلي مقتطفات من نصف الفتوى المنشورة على موقع السيستاني الإلكتروني.
في 13 يونيو/ حزيران 2014 وقف الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل السيستاني، أمام المصلين في خطبة صلاة الجمعة في مدينة كربلاء، ينقل إليهم فتوى السيستاني.
وقال فيه إن "العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً، وإن الإرهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط، بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات، ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف".
ولإرسال رسالة "طمأنة" بأن الفتوى لا تستهدف خلق كيانات شيعية وطائفية قال إن الإرهابيين: "يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر".
وبداية حيَّا الكربلائي أبناء الجيش العراقي قائلا: "اجعلوا قصدكم ونيتكم ودافعكم هو الدفاع عن حرمات العراق ووحدته وحفظ الأمن للمواطنين وصيانة المقدسات من الهتك ودفع الشر عن هذا البلد المظلوم وشعبه الجريح".
ثم قال الكربلائي: "وفي الوقت الذي تؤكد فيه المرجعية الدينية العليا دعمها وإسنادها لكم فإنها تحثكم على التحلي بالشجاعة والبسالة والثبات والصبر، وتؤكد على أن من يضحي بنفسه منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى".
ثم دخل في صلب الفتوى والهدف منها وهو حشد المدنيين للانخراط في القتال قائلًا: "إن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه، وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، بمعنى أنه إذا تصدى له من بهم الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين".
وتابع: "ومن هنا فإن المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية".
وتلقفت الميليشيات الطائفية، مثل كتائب "عصائب أهل الحق" و"فيلق بدر" و"حزب الله" العراقي وغيرها هذه الفتوى لتعلن نفسها أنها "رديف" للأجهزة الأمنية الرسمية في محاربة داعش، وتعطي لوجودها شرعية، كما أعطت لنفسها بها مبررًا لحشد مزيد من السكان للانضمام إليها وتشكيل ميليشيات أخرى، حتى صغار السن والأطفال.
واصطفت تلك الميليشيات تحت اسم راية واحدة باسم "الحشد الشعبي"، بقيادة فالح فياض ونوري المالكي وأبو المهدي المهندس، وبدر العامري.
وانطلقت في عمليات وصفتها بـ"تحرير" المدن التي يسيطر عليها داعش، وهي تسيطر على تلك المدن والقرى المحيطة بها، خاصة في شمال غرب العراق، مثل القيروان والحضر والبعاج، بسرعة وسهولة يثيران نفس التساؤلات التي أثارها سرعة وسهولة اجتياح داعش لهم، خاصة مع الاتهامات الموجهة لميليشا الحشد بممارسة التعذيب والترهيب للسكان بنفس طريقة داعش، وهي الاتهامات التي لمَّح إليها لاحقا رئيس الحكومة حيدر العبادي.
وأعلنت إيران رسميًا تأييدها لميليشيات الحشد الشعبي، وأرسلت قيادين ومقاتلين إيرانيين، على رأسهم قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مليشيا الحرس الثوري، وهو الفيلق المسؤول عن عمليات الحرس في الخارج، لتدريب ميليشيات الحشد الشعبي بالتنسيق مع الحكومة العراقية.
وتبين الهدف الحقيقي من تشكيل ميليشيات الحشد الشعبي من التقارير الاستخباراتية والإعلامية التي كشفت خطة ما يسمى بـ"الممر الاستراتيجي الإيراني" وهو منطقة جغرافية يخطط لها أن تكون مفتوحة، تمتد من إيران وتمر بشمال العراق بداية من بعقوبة في محافظة ديالي، ثم يشق طريقه إلى داخل سوريا عبر محافظة نينوى (مركزها الموصل)، وتمر بشمال غرب سوريا وصولا إلى ساحل البحر المتوسط عند مدينة اللاذقية السورية.
وأيد هذه التقارير خط العمل الذي تسير عليه ميليشيات الحشد الشعبي؛ حيث تتركز عملياته في هذه المنطقة.
وفي إبريل/نيسان الماضي قال نائب رئيس مليشيات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، صراحة، إن "الحدود السورية متاحة للحشد قد يذهب إليها اليوم أو غداً وفقاً لمجريات المعركة".
كما قال قيس الخزعلي، الأمين العام لميليشيا عصائب أهل الحق، إن عمليات الميليشيات في كل من العراق وسوريا تأتي في إطار اكتمال تكوين القوات التي تمهد لعودة من وصفه بالمهدي المنتظر وتكوين "البدر الشيعي"، في إشارة إلى مشروع إيران التوسعي في المنطقة.