كان عام 1979 لحظة فارقة في تاريخ العرب والمسلمين، فقد وقعت أحداث أربعة غيرت وجه العالمين العربي والإسلامي.
أول هذه الأحداث قيام نظام ولاية الفقيه في إيران على أنقاض نظام الشاه في فبراير 1979، والذي مثل بداية لتفتيت المسلمين على أسس مذهبية وطائفية، وانطلاقة لفكر عبثي يرفع شعار "تصدير الثورة"، الذي أصبح في تطبيقه العملي "تصدير فوضى وفتنة ومليشيات ومجرمين ولصوص أوطان".
وثاني الأحداث، توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات معاهدة سلام مع إسرائيل في 26 مارس 1979، والتي استغلتها معظم الدول العربية للانتقام وقتها من مصر والتخلص من دورها القيادي لعقد من الزمن، كانت نهايته كارثة احتلال العراق للكويت.
وثالثها، حادثة احتلال الحرم المكي الشريف في نوفمبر 1979.
وأخيرا الغزو السوفييتي لأفغانستان، التي هي محور حديثنا في هذا السياق.
وبعد مضي أربعة عقود على هذه الأحداث تم استيعاب اثنين منها وتجاوز آثارهما بصورة كلية، وتحديدا خروج مصر من العمل العربي المشترك، إذ عادت مصر بقوة إلى دورها العربي، فيما لم يبق إلا أفغانستان وإيران، وهنا مربط الفَرس.
فقد بدأ محرك عرائس "الماريونيت" يعيد اللعب بإيران وأفغانستان، فجاء إبراهيم رئيسي رئيسا جديداً لإيران ليعيد تأكيد قوة وغطرسة مبادئ "الخميني"، خصوصا في تصدير الفوضى في خطاب تنصيبه المثير للجدل.
كما عادت حركة "طالبان" للسيطرة على أفغانستان من جديد، تكتسح وتُسقط المدن والأقاليم في أيديها بفعل الفساد، كما يقول أحد أركان حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، أو بفعل خروج القوات الأمريكية بصورة تثير الشك كأنها تُعبّد الطريق أمام عودة "طالبان" بصورة سريعة ومظفرة، وصفتها إحدى المحطات الشهيرة الموجهة في تغريدة على حسابها بموقع "تويتر" مساء 14 أغسطس 2021 بأنها "سلسلة من الفتوحات التي تحدث في مختلف ربوع أفغانستان"، وهو وصف له دلالة خطيرة للغاية.
هنا يمكن دون مبالغة القول إن هناك من يحرك تيارات الإسلام السياسي على أرض الواقع كما تتحرك العرائس الصماء على المسرح، فبعد أن انتهى الخريف العربي المشؤوم، الذي أهدر من تاريخ الشعوب العربية عقداً من الزمان، وأعاد بعضها قرونا إلى الوراء، وكانت النهاية المدوية سقوط أكثرهم مكرا، حركة "النهضة" الإخوانية، في بئر الغرور والكبر والصلف في تونس، جاء ظهور "طالبان" ليعيد تجديد حياة هذه الحركات الفاشلة، وإعطاءها فرصة أخرى لتمارس العبث والتشتيت والإرباك في المجتمعات العربية، وهنا ستكون أفغانستان هي الملجأ القادم لكل الحركات التي توظف الإسلام لأغراض سياسية، ابتداء من جماعة الإخوان الفاشلة وصولا إلى تنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابيين.
وهذا هو سر اهتمام تركيا بحركة "طالبان" ورغبتها المستميتة في التعامل معها حتى من خلال دور الحارس لبقايا الوجود الأمريكي في مطار كابول، وهذا أيضا هو سر اهتمام أذرع الإخوان الإعلامية وداعميها بما أسمته "فتوحات طالبان".
نحن أمام مشهد عبثي يُعيد ما حدث في عام 1979 بصورة أخرى عبر تحويل أفغانستان إلى بورة استقطاب لمجرمين يوظفون الإسلام كدين سلام سماوي لتحقيق أغراض سياسية أرضية، وفي الوقت نفسه يمكّنون إيران من خلق تنظيمات سُنّية على مقاسها تبرر لها محاولات تخريبها لمجتمعات المنطقة وتفكيكها، كما فعلت بتمكين تنظيم "داعش" الإرهابي من العراق لتبرير تأسيس مليشيا "الحشد الشعبي"، التي أعلنت مؤخراً عن نفسها أنها "النسخة العراقية من الحرس الثوري الإيراني".
مع تمدد "طالبان" في أفغانستان سنكون أمام صعود جديد للتنظيمات الإرهابية، وسنكون أمام عملية جمع شتات للإرهاب العالمي في محطة أفغانستان، التي ستكون بمثابة مركز تأهيل لهذه التنظيمات، بعد تراجع حظوظها وسُمعتها في العالم العربي، والنهاية السياسية القاسية لها بعد أحلام راودتها على مدى ثمانية عقود.
هكذا أراد مَن يحرك العرائس على المسرح العالمي أن تبدأ مجتمعات الشرق الأوسط معايشة دورة جديدة من العنف تستهلك أعمار جيل جديد من أبنائها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة