تشريعيات الأردن.. عبور ناجح وسط الأمواج الإقليمية المتلاطمة
وسط أمواج إقليمية متلاطمة، عبرت سفينة الانتخابات البرلمانية في الأردن بنجاح وسط إشادات من بعثتي الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية باقتراع سلس بلا خروقات، ما يعكس قدرة قيادة المملكة في الحفاظ على الاستقرار الداخلي في منطقة ملغمة بالتوترات.
ووفق خبراء لـ«العين الإخبارية»، فإنه كان هناك إصرار من القيادة الأردنية على إجراء الانتخابات في سياق عملية الإصلاح السياسي، وإنجازها في ظل الظروف الإقليمية المضطربة ما يعكس قوة الأردن وتماسك جبهته الداخلية، والقدرة على تجاوز التحديات وتحويلها إلى فرص، مؤكدين أن الانتخابات التشريعية بالأردن شكلت محطة مهمة في عملية التحديث السياسي، وبداية مرحلة جديدة من العمل الحزبي والبرلماني.
قانون جديد ومشاركة الشباب
وجرت الانتخابات وفق قانون جديد تم إقراره في يناير/كانون الثاني 2022، إذ خصّص 41 مقعدا للأحزاب، ومقاعد النساء من 15 إلى 18 مقعدا، بينما خفّض الحد الأدنى لأعمار المرشحين من 30 إلى 25 عاما.
وكان لافتا نسبة اقتراع الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا، إذ بلغت 43.5٪ من إجمالي عدد المقترعين، كما بلغت نسبة مشاركة النساء 47.8٪ مسجلة ارتفاعًا قارب 2٪مقارنة بانتخابات 2020.
واعتمدت الهيئة المستقلة للانتخابات، مساء الأربعاء، نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الثلاثاء.
وأظهرت النتائج فوز حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية للإخوان، بـ31 من أصل 138 مقعداً الانتخابات الجديد، إلا أنه رغم ذلك لم يتمكن الحزب من الحصول على الأغلبية النيابية، ما يقلص من فرص تأثيره السياسي.
وجاء حزب الميثاق في المركز الثاني بعد فوزه بـ (21) مقعدا ثم حزب إرادة (19) مقعدا ثم حزب تقدّم (8) مقاعد، ثم الحزب الوطني الإسلامي (7) مقاعد، وحزب تيار الاتحاد الوطني (5) مقاعد وحزب الأرض المباركة (مقعدين) وحزب العمال (مقعدين)، ومقعد واحد لكل من حزب نماء والحزب الوطني الديمقراطي وحزب العمل وحزب الشباب.
عبور وسط الحروب والحرائق
ووفق نائب رئيس الوزراء رئيس الديوان الملكي الأردني السابق، الدكتور جواد العناني، فإن العبور باستحقاق انتخابات البرلمان بسلام لم يكن سهلا.
وقال العناني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن إجراء الانتخابات انطوى على كثير من التصميم السياسي، إذ قُدمت مقترحات للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بتأجيل الانتخابات نظرا لخطورة التهديدات المحدقة بالمملكة، إلا أن الملك عبد الله الثاني، رأى أن العملية الانتخابية يجب ألا تتوقف تحت أي ظرف.
وأضاف العناني، أن ملك الأردن أصر على تحقيق وتوفر كل الظروف لإجراء الاستحقاقات الدستورية، لافتا إلى أن القرار لم يكن سهلا، ولكن النية كانت معقودة على السير قدما في عملية الإصلاح السياسي بغض النظر عن الظروف الخارجية.
وشدد على أن الأردن كان أمام تحد لإثبات المرونة الكافية في مواجهة التهديدات الخارجية، مؤكدا أن الأردن اتخذ القرار الصحيح.
ولفت إلى أن نتائج الانتخابات «لم تكن مستغربة» بالنظر إلى الظروف الإقليمية، لافتا في نفس الوقت إلى تحقيق أحزاب جديدة مكاسب كبيرة في الانتخابات.
وأوضح أن الديناميكيات الجديدة في الأردن، ستزيد من تأثير البرلمان المقبل، ما يحتاج إلى حكومة قوية لكي تُحدث معه تفاعلا ويكون هناك تكافؤ فرص والحفاظ على استقلالية السلطات وفصلها عن بعضها البعض.
مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لعمان
واتفق أستاذ العلاقات الدولية حسن المؤمني، مع العناني، مؤكدا أن إجراء الانتخابات النيابية في الأردن نجاح للدولة بقيادة الملك عبد الله الثاني.
وقال المؤمني في حديث لـ "العين الإخبارية"، إن نتائج الانتخابات قطعت بوجود تجربة حزبية جديدة في الأردن بظهور أحزاب متنوعة وحصولها على مقاعد نيابية في البرلمان، لافتا إلى أن الدولة الأردنية استطاعت أن تثبت أنها لاعب عقلاني ودولة مؤسسات بالرغم من التحديات الخارجية.
وأضاف أن الكل يعلم أن البيئة في الأردن الآن "خشنة وضاغطة"، خاصة عند الحديث عن ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من حرب سواء في غزة أو الضفة الغربية، لافتا إلى أن مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لعمان، والترابط الجغرافي الاجتماعي ما بين البلدين.
وأوضح أن ما يجري في الإقليم قطعا يؤثر على الأردن، مضيفا: "القضية الفلسطينية ليست مسألة خارجية ولكنها تعد قضية داخلية، ويُحسب للقيادة الأردنية أن يكون هناك تحديث سياسي واقتصادي وإداري يتلاءم مع التطورات الحاصلة في المجتمع".
رسائل الانتخابات للداخل والخارج
من جانبه، أكد الكاتب السياسي والإعلامي الأردني، مأمون مساد، أن الدولة الأردنية بمختلف الأجهزة أنجزت الانتخابات النيابية بثقة وحياد وطبقت جميع معايير الشفافية والنزاهة في جميع المراحل.
وأضاف مساد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الدولة بقيت على مسافة واحدة من جميع ألوان الطيف السياسي وتمسكت بمبادئ وقيم الدستور الأردني المتمثلة بالعدالة والمساواة.
وأشار إلى أنه لم تُسجل أي اعتراضات على قبول نتائج صناديق الاقتراع، وبذلك استطاع الأردن العبور الآمن نحو إنتاج منظومة سياسية قائمة على المشاركة والمساءلة، وإثبات قدرته على إجراء انتخابات نيابية نزيهة، وظهر مستقرا وثابتا، رغم كل أزمات الجوار والحرائق الإقليمية.
وأكد أن تلك الانتخابات بعثت برسائل في عدة اتجاهات، بدءا من الداخل الأردني إلى المحيط الإقليمي وصولا إلى العالم أجمع.
إشادة دولية
وقالت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات النيابية الأردنية زيليانا زوفكو، إن الأردن نجح بإجراء الانتخابات النيابية رغم الأحداث الإقليمية المضطربة.
وخلال مؤتمر صحفي الخميس، أضافت زوفكو أن الانتخابات النيابية 2024 جعلت مجلس النواب الأردني أكثر شمولية ، مشيرة إلى أن الانتخابات كانت شاملة وجيدة التنظيم في سياق عملية الإصلاح.
وأشارت إلى أن الانتخابات أظهرت نزاهة في تطبيقها، رغم ثغرات بسيطة تتعلق بتمويل وترويج الحملات الانتخابية للأحزاب خلال الصمت الانتخابي، موضحة أن التقرير النهائي والتوصيات للانتخابات سيكون بعد شهرين.
وتابعت أن قانون الانتخابات لعام 2022 لمجلس النواب وقانون الأحزاب السياسية من الإنجازات الهامة التي تهدف إلى تعزيز دور الأحزاب السياسية في مجلس النواب على مدى ثلاث دورات انتخابية متتالية ؛ كما أنه أحد العناصر المهمة في عملية التحديث السياسي.