أردوغان قبيل الانتخابات.. خناق يضيق وآفاق تتقلص
مع بدء العد التنازلي للانتخابات في تركيا، أصبح الخناق يضيق على أردوغان، وسط توقعات بأن تقلص إحداثيات الأرض خيارات الرجل إلى أدناها.
بدأ العد التنازلي للانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية المقررة، الأحد المقبل، ومعه بدأ الخناق يضيق على الرئيس رجب طيب أردوغان، وسط توقعات بأن تقلص إحداثيات الأرض خيارات الرجل إلى أدناها.
قلقٌ يجثم بثقله على أردوغان، ويرسم أمامه سيلا من السيناريوهات القاتمة.. ماذا لو اضطر لخوض جولة ثانية؟، أو ليس في ذلك تأكيد لما تقوله المعارضة التركية عن التراجع الصاروخي لشعبيته؟.
أو ليس في عدم اجتثاثه للنصر منذ الجولة الأولى للاقتراع تأكيد لتراجع شعبيته التي تنبض بها استطلاعات نوايا التصويت الحالية؟، أوليس في ذلك ترجمة أمينة لعدم رضا نسبة كبيرة من الأتراك على السياسات الداخلية والخارجية لحزب العدالة والتنمية؟
أسوأ السيناريوهات
استطلاعات الرأي ما زالت تشير إلى أن الاحتكام لجولة انتخابات رئاسية ثانية هو الغالب، ما يعني أن الوضع مفتوح على أسوأ السيناريوهات، بينها احتمال أن يكون أردوغان رئيساً لبرلمان تسيطر عليه المعارضة.
ضغطٌ قلص منسوب الصبر لدى أردوغان إلى أدناه، وهو ما أكده حديثه الذي ظهر في التسريب المصور له مع قياديين بالحزب، حيث طلب منهم استخدام جميع الوسائل من أجل منع حصول حزب الشعوب الديمقراطية الكردي على نسبة الـ10% التي تمنحه تأشيرة دخول البرلمان.
أردوغان اعترف في حديثه الذي أوصى قياديي حزبه بعدم إخراجه إلى العلن، أن المؤشرات ترجح دخول الأكراد البرلمان، ما يعني خسارة العدالة والتنمية الحاكم الغالبية التي يحظى بها في مقاعده.
وفقدان حزب أردوغان الأغلبية في البرلمان يعني أن الرجل سيقبل على أيام عصيبة تجعل منه رئيسا عاجزا عن السيطرة على جميع مؤسسات الدولة، طالما أنه لن يتمكن من تمرير مشاريع قوانينه، في ظل معارضة قوية تسد أمامه منافذ التغول والهيمنة.
الأكراد.. عقدة ترهق أردوغان
الصحفي المتخصص في الشؤون التركية يوسف الشريف، قال إن أكبر كابوس قد يواجهه أردوغان في المرحلة المقبلة هو أن يستيقظ صبيحة الإثنين المقبل على نبأ حصول الأكراد على نسبة الـ 10 بالمائة من الأصوات بما يفرش لهم سجاد دخول البرلمان، ويمنح المعارضة من 320 إلى 330 مقعدا من أصل مقاعده الـ 600، وفق استطلاعات الرأي.
معطى آخر يقض مضجع الرئيس التركي وهو حليفه القومي دولت باهشلي، والذي قد ينقلب عليه بعد الانتخابات وحصول الأخير على مراده وهو دخول البرلمان.
وفي حال تحقق السيناريو الأخير، وانقلب الحليف، فإن عدد نواب المعارضة سيرتفع إلى نحو 370 نائباً، ما يعني أن أردوغان سيتمنى لو خسر الانتخابات الرئاسية بدل إعادة تنصيبه بصلاحيات تشريعية مبتورة.
كابوس حقيقي، يتابع الشريف، في مقال له نشرته "العين الإخبارية": " لن تنقشع ظلمته حتى مع النظام الرئاسي الجديد الذي سيبدأ العمل به عقب الاقتراع المقبل، والذي يحيد دور البرلمان ويقلص من صلاحياته لصالح صلاحيات أكبر للرئيس.
فالنظام الجديد لن يمنح أردوغان مراده في حال سيطرت المعارضة على نحو ثلثي مقاعد البرلمان، ما سيعرقل مشاريع الرئيس التركي السياسية بالسيطرة الكاملة على جميع مؤسسات الدولة.
ثم إن حرمان أردوغان من الأغلبية البرلمانية سيكون بمثابة انتصار سياسي مدو للمعارضة، ما سيشجعها على العمل بشكل أكبر وأقوى في الانتخابات البلدية المقررة في مارس/ آذار 2019.
شعبية تتراجع بمعاقل الحزب الحاكم
انحدار شعبية "العدالة والتنمية" لم يبدأ في الفترة الأخيرة، ولم تكشف عنه استطلاعات نوايا التصويت فحسب، وإنما فضحته نتائج الانتخابات السابقة ونتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد العام الماضي.
تراجع أظهر أن الحزب خسر قواعده الشعبية حتى في أهم قلاعه الانتخابية في إسطنبول وأنقرة، ما يهدد بخسارته الانتخابات البلدية مستقبلاً في هاتين المدينتين المهمتين.
وفي حال تأكدت التوقعات وخسر أردوغان الأغلبية البرلمانية، ثم تعززت خسارته بفقدان معاقله البلدية، فإن أبواب النفوذ ستغلق أمام الرجل، وستدق أجراس أفول نجمه السياسي إلى الأبد.
قطع الطريق على الأكراد
انحسار الحلول في ظل سياق ملتهب، وتسارع زمني خانق، لم يترك أمام أردوغان من خيار سوى الطلب سراً من قيادات حزبه، وفق التسجيل المسرب له، مراجعة كشوف الناخبين الأكراد جنوبي البلاد وشرقها، والضغط عليهم بأساليب متنوعة.
فالهدف الرئيسي الآن بالنسبة لأردوغان يكمن في ضمان عرقلة أكبر عدد ممكن من الأكراد من الوصول إلى صناديق الاقتراع والتصويت لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
ومن هنا أيضاً، يتوقع محللون وقوع العديد من الحوادث قبل يوم الاقتراع ويوم التصويت، تنفيذا لمخطط أردوغان، وضمانا لترهيب الأكراد أو أقله منعهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع.
وفي هذا الإطار، يمكن تفسير أبعاد حادثة العنف التي وقعت، الأسبوع الماضي، في مدينة سروج بمحافظة أورفا التركية، بعد يومين فقط من حديث أردوغان المسرب.
فما حدث هو أن نائبا من الحزب الحاكم زار سوقا شعبية معروفة بولائها للحزب الكردي، ليدخل في سجال مستفز مع تجار السوق، حيث اتهمهم بدعم "الإرهاب" لأنهم لا يريدون التصويت له ولحزبه في الانتخابات وفق مزاعمه.
ووفق ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل، فإن النية كانت مبيتة لافتعال عنف، حيث اصطحب هذا المرشح أخاه الذي يعمل حارساً شخصياً معه وهو مسلح بمسدس آلي، ليتحول السجال إلى عراك انتهى بفتح الحارس النار على التجار فقتل اثنين وأصاب 9 آخرين.
التعليقات والتصريحات التي جاءت بعد ذلك من المسؤولين الأتراك فاقمت من الاحتقان، حيث اتهم أردوغان ووزير داخليته سليمان صويلو، تجار تلك السوق بـ"الإرهاب"، ما لم يدع مجالا للشك بأن الحادث بأسره كان مفتعلا.
رسائل مشفرة
علاوة على كونه مدبرا، استبطن الحادث رسائل تهديد قوية ومباشرة للناخبين الأكراد بأنهم قد يلقون نفس مصير هؤلاء القتلى والجرحى في حال انتخبوا الحزب الكردي.
تهديد يدرك المسؤولون الأتراك أنه سيكون له تأثير كبير على الناخبين من الأكراد، مع سيطرة قوى الأمن التابعة لوزير الداخلية على مراكز الاقتراع في جنوب شرقي تركيا، ما يعني أن يوم الاقتراع قد يتحول لمجزرة إذا أصر الأكراد على منح أصواتهم لحزبهم.
رسائل مشفرة وصل معناها واضحا للأكراد، ما يجعل نتيجة الاقتراع المقبل مرتبطة، إلى حد كبير، بكيفية تعاملهم مع تلك الرسائل.