لبنان بعد انسحاب ترامب.. تشكيل الحكومة على محك أطماع إيران
القرار الأمريكي سيلقي بظلاله على لبنان غير أن تداعياته على مرحلة ما بعد الانتخابات، يظل أمرا مفتوحا على أكثر من احتمال.
القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران زلزل الأرض تحت أقدام طهران، غير أن هزته الارتدادية قد تطال أيضا عددا من المناطق معاقل أذرعه الإرهابية، مثل لبنان.
فهذا البلد الذي نظم لتوه انتخاباته البرلمانية يستعد للمرور إلى مرحلة تسمية رئيس للوزراء وتكليفه بتشكيل حكومة، غير أن التقدم الذي أحرزه «حزب الله» في الاقتراع، وحصوله على الأغلبية، يفتح المشهد السياسي في لبنان على أكثر من سيناريو.
فالضربة القاصمة التي تلقتها طهران من واشنطن ستدفعها، آليا، نحو تحريك مليشياتها المزروعة في الشرق الأوسط، والبداية ستكون بلبنان، عبر «حزب الله»، من خلال استثمار هيمنته على البرلمان، والضغط باتجاه العزف على وتر التوازنات السياسية داخل الحكومة المقبلة.
شق آخر من المحللين يرون، في المقابل، أن الإعلان الأمريكي، وإن سيكون له تأثير واضح من الناحية السياسية على لبنان، إلا أنه لن تكون له تداعيات مباشرة على تشكيل الحكومة المقبلة، لعدة أسباب، أهمها أن أي تعطيل قد يحسبه المجتمع الدولي على «حزب الله» المحسوب بدوره على إيران، في وقت تكابد فيه الأخيرة من أجل محاولة تغيير صورتها في نظر العالم.
تكتيك يرمي إلى تأجيل أي فعل أو رد فعل من شأنه أن يثبت على طهران ما تعتبره «تهمة» التدخل في شؤون بلدان الشرق الأوسط، مع أن جميع الدلائل تشير إلى تورطها في تخريب المنطقة والعبث بأمنها.
تفكيك «ألغام» المرحلة المقبلة
مما لا شك فيه هو أن القرار الأمريكي سيلقي بظلاله، بشكل أو بآخر، على لبنان، غير أن تداعياته على مرحلة ما بعد الانتخابات، وتحديدا تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، يظل أمرا مفتوحا على أكثر من احتمال.
بعض المحللين يرون أن «حزب الله» الإرهابي قد يسرع وتيرة المرحلة المقبلة، ويفكك جميع ألغامها، بهدف تهدئة وتيرة التركيز العالمي المنصب على إيران في هذه الآونة.
بل إنه قد يقبل بإعادة تسمية سعد الحريري رئيسا للوزراء، وذلك رغم الأغلبية التي أحرزها في الاقتراع مع "حركة أمل"، على حساب تياري "الوطني الحر"، الذي ينتمي إليه رئيس البلاد، ميشيل عون، و"المستقبل"، بقيادة رئيس الوزراء الحالي.
طرح يؤيده رد إيران تجاه القرار الأمريكي، والذي جاء، على لسان مسؤوليها، هادئا وخاليا من أي رغبة في التصعيد، ما يعني أن طهران لا تريد الآن اتخاذ أي مواقف مرتجلة، سواء داخليا، أو في الجبهات التي تزرع فيها أذرعها، وإنما تتريث حتى تدرس جميع الخيارات المتاحة أمامها.
ومن هنا، فإن «حزب الله» لن يعرقل تشكيل الحكومة الجديدة، ولن يصعد بأي شكل بهذا الخصوص، من منطلق إدراكه في النهاية أن موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية تمضي لصالحه، أي لصالح إيران، وهذا يكفيهما حاليا.
أما قبول المليشيا بإعادة تعيين الحريري على رأس الحكومة، فإن ذلك يأتي في إطار تسوية تفرضها عليها موازين القوى الدولية، فإن كانت إيران حصدت الأغلبية البرلمانية، فإن الولايات المتحدة لن ترضى بأقل من إعادة الحريري، وهي المقاربة التي يدرك «حزب الله» وإيران أن انتهاكها سيفتح عليها أبواب جحيم آخر، لأن أي مساس بها، سيبعث برسالة لواشنطن مفادها أن الأخيرة خارج اللعبة، وهذا أسوأ ما قد ترتكبه طهران من حماقات في الوقت الراهن.
حيثيات تجمع على أن ارتدادات القرار الأمريكي ستهز لبنان بلا شك، لكنها ستفصل ملف تشكيل الحكومة الجديدة عن التطورات الملتهبة بالمنطقة.
سياسة الأرض المحروقة
لكن مراقبين يرجحون أيضا بإمكانية حدوث سيناريو مختلف تماما، وهو أن تستثمر إيران فوز «حزب الله»، وتستعمله ورقة ضغط في لبنان، ضد كل من واشنطن وباريس المعروفة تاريخيا بأنها عرابة بيروت.
فالمليشيا قد تقف حجر عثرة بوجه إعادة تسمية الحريري، وهذا ما سيفجر مشاحنات وتجاذبات تعيد لبنان إلى مربع الفوضى السياسية من جديد، ويعطل تشكيل الحكومة.
فإيران قد توعز لـ«حزب الله» بإظهار موقف مخالف لما تعرف أن القوى السياسية في لبنان تتوافق بشأنه، سعيا منها للي ذراع واشنطن من جهة، واجبار فرنسا وبقية البلدان الأوروبية الرافضة للقرار الأمريكي على التصعيد ضد واشنطن ولو سياسيا.
استراتيجية تحاول من خلالها طهران وضع قرار ترامب وملف تشكيل الحكومة اللبنانية في سلة واحدة، طمعا في إحداث هزات بالمنطقة ستحسب ارتدادا مباشرا للانسحاب الأمريكي، وقد تثير موجة من ردود الأفعال المناهضة له، وهذا بالضبط ما تريده طهران.
aXA6IDMuMTI5LjIxNi4xNSA= جزيرة ام اند امز