قطار التطبيع مع سوريا.. هل يلحق لبنان بالركب؟
في تحول مذهل لأحداث المنطقة عام 2023، تقود الدبلوماسية الطريق في الشرق الأوسط من أجل تصفير الأزمات، والتعاون الذي يعود نفعه على الجميع بالسلام.
ووفق تحليل لمجلة "ذا ناشيونال إنترست" فإنه مع إعادة عدة دول عربية العلاقات مع دمشق، في وتيرة تسارعت منذ وقوع زلزال السادس من فبراير/شباط، باتت الأنظار تتجه نحو لبنان وإعادة العلاقات مع دمشق.
وفي 28 مارس/آذار الماضي، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، لاسيما المتعلقة بسوريا.
واعتبر تحليل نشرته مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية اللقاء مهما بالنظر إلى التحول الدبلوماسي السريع بالمنطقة فيما يتعلق بالرئيس السوري بشار الأسد.
لكن في حين عمل الأردن على حشد الدعم لخطته "خطوة بخطوة" المتعلقة بسوريا، ظلت بيروت هادئة نسبيا فيما يتعلق بدور دمشق في المنطقة. ومع ذلك، للبنان مصالح جادة في سوريا والتي ستوجه مقاربته للأسد في 2023 مع تكثيف التواصل الدبلوماسي بشتى أنحاء المنطقة.
ورغم أن لبنان لم يقطع العلاقات الدبلوماسية أو التجارية قط مع سوريا فإن الحكومة نأت بنفسها عن أي تعامل مع الحكومة السورية بصفة رسمية منذ أحداث 2011.
مسألة اللاجئين
وتطرق اجتماع وزيري الخارجية إلى القضايا التي تمس البلدين فيما يتعلق بسوريا. وناقش المسؤولان ملف اللاجئين بإسهاب، وهو موضوع صعب بالنظر إلى أعداد اللاجئين الكبيرة بالدول المجاورة لسوريا.
ويستضيف لبنان رسميا حوالي 822 ألف لاجئ سوري، فيما تسجل بعض التقديرات 1.5 مليون عند الوضع في الحسبان السوريين غير المسجلين. وفي غضون ذلك، يستضيف الأردن ما يقرب من 1.3 مليون لاجئ سوري.
لكن في حين تهيمن قضية اللاجئين على المحادثات بشأن سوريا، عززت مبادرة الأردن المستمرة "خطوة بخطوة" تركيز الاجتماع على دمشق.
وناصرت عمان بهدوء هذه المقاربة، التي تركز على إذابة الجليد الدبلوماسي التدريجي مع الحكومة السورية مقابل تنازلات موازية تتألف من إصلاحات سياسية، كثيرا ما توصف بحماية اللاجئين العائدين إلى مجتمعاتهم، ومكافحة التهريب، وتحجيم الجماعات المسلحة المدعومة من إيران داخل سوريا.
لكن فشلت الخطة حتى الآن، حيث لم تبطئ إعادة تطبيع الأردن للعلاقات مع الأسد عمليات التهريب على الحدود الأردنية السورية أو أخرج المليشيات المدعومة إيرانيا من المنطقة الحدودية.
وأعرب الوفد اللبناني عن الدعم للمبادرة الأردنية. وبالفعل، تدعم الحكومة اللبنانية علانية العديد من مجالات التركيز بخطة الأردن – وتحديدا عودة اللاجئين.
وأوضح بوحبيب هذا، مشيرا إلى أن "المأساة الإنسانية ليست فحسب مأساة المدنيين النازحين من أراضيهم ووطنهم، وإنما أيضًا تحدٍّ كبير للبنان على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما السياسية والأمنية".
استقرار سوريا
ومع ذلك، تحمل القضايا الأخرى المرتبطة بالملف السوري أهمية كبيرة لدولة لبنان. ويتضمن ذلك رغبة عامة للاستقرار بجانب جارتها الشرقية، لا سيما بالنظر إلى الترابط العميق بين البلدين. وفي الواقع، غالبا ما يؤدي عدم الاستقرار في أحد هذين البلدين إلى نتيجة مماثلة لدى الآخر، وأفضل مثال على ذلك أزمة العملة اللبنانية التي تسفر عن مشاكل مالية مشابهة في سوريا خلال السنوات الأخيرة.
كما يسير الترابط والاستقرار جنبا إلى جنب مع مصالح لبنانية أساسية أخرى، لا سيما إتمام اتفاق الطاقة الذي تم التفاوض عليه نهاية 2021 بين لبنان وسوريا والأردن ومصر.
والأهم من ذلك، ساعد المسؤولون الأمريكيون في التوسط بالصفقة حيث ترسي الاتفاقية إطار عمل لقرض من البنك الدولي بقيمة 300 مليون دولار لتمويل إصلاح خط الغاز العربي في سوريا الذي من شأنه، جزئيا، تسهيل تدفق الغاز من مصر والأردن إلى سوريا وشمالي لبنان.
ووفق "ذا ناشيونال إنترست" فإن الصفقة معطلة حاليا جراء الإصلاحات اللبنانية المتأخرة بقطاع الطاقة لديها ومراجعة مفترضة مستمرة للعقوبات الأمريكية. ورفض كل من مصر والبنك الدولي حتى الآن بدء تطبيق الاتفاق بدون تأكيد واشنطن أنها لا تنتهك نظام العقوبات على سوريا وإصلاحات بيروت لأنظمة الكهرباء غير الفعالة إلى حد كبير، على التوالي.
وبالنظر إلى هذه المصالح وعلاقتها المتأصلة باستقرار لبنان الشامل -أو البقاء السياسي فيما يتعلق بالاتهامات المزيفة ضد اللاجئين السوريين- تولي بيروت أهمية كبيرة لعودة سوريا إلى الدبلوماسية الإقليمية.
ورجح التحليل أن القادة اللبنانيين ينظرون إلى خطة "خطوة بخطوة" الأردنية على أنها آلية جادة لمثل هذه الاحتمالات، حتى لو كانت عناصر مكافحة التهريب تضر بفصائل لبنانية بعينها (أي حزب الله).
زيارة ما بعد الزلزال
كما جدّدت الزيارة التي قام بها وفد وزاري لبناني إلى دمشق، فبراير/شباط الماضي، للتعبير عن الدعم بعد كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق في سوريا وتركيا، الجدلَ بشأن تطبيع العلاقات مع سوريا.
وآنذاك، انقسمت المواقف بين مؤيدين اعتبروا أنَّ الزيارة التي قام بها الوفد بطلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هي "واجب" تجاه دمشق للتعبير عن التعاطف مع شعبها في هذه الكارثة، فيما اعتبر الفريق الآخر أنَّ الإجراءات التي أعلنتها الحكومة اللبنانية مثل فتح مطار بيروت والمعابر البرية لإتاحة وصول المساعدات إلى المتضررين كانت كافية.
aXA6IDMuMTQ0LjQzLjE5NCA=
جزيرة ام اند امز