سياسة
لجان برلمانية في ليبيا.. آمال إنقاذ أم انسداد أفق؟
5 لجان شكلها البرلمان الليبي في نحو 25 يومًا طالتها اتهامات بمحاولة تمديد الفترة الانتقالية، ما يفاقم الضبابية ببلد مثقل بأزماته.
فالبرلمان الليبي الذي حاول "إنقاذ" خارطة الطريق في ليبيا منذ أن تعثرت المفوضية الوطنية العليا للاقتراع في إعلان القوائم النهائية للمرشحين لأول انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد، أصدر قرارات بتشكيل 5 لجان اختلفت أهدافها، لكنها تقاطعت في هدف مشترك، وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
آخر تلك اللجان، "اللجنة الوطنية العليا" والتي كلف البرلمان الليبي، النائب الأول لرئيس المجلس فوزي النويري برئاستها، لتتولى متابعة ووقف أية خروق تمس سيادة الدولة وهيبتها، على أن تقدم إحاطة لمجلس النواب عند انتهاء عملها.
جهود برلمانية
إلا أن تلك اللجان طالتها والبرلمان عدة اتهامات حول أسباب وتوقيت والجدوى من تشكيلها، في أسئلة ربما يكون البعض ظن أنها غابت عن أذهان المؤسسة التشريعية الليبية، ما دفع بمحتجين على إرجاء الانتخابات إلى تنظيم مظاهرات باتت شبه أسبوعية أمام مقر مجلس النواب في مدينة طبرق شرقي البلاد.
جهود برلمانية قلل منها البعض وثمنها آخرون، إلا أنها باتت أمام محطة مفصلية مع تصاعد الغضب الشعبي من إرجاء الانتخابات الرئاسية، ومطالبة المبعوثة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، البرلمان بإصدار جدول زمني محدد يضمن الحفاظ على الزخم الشعبي بشأن الاستحقاق الدستوري.
لكن ما هي تلك اللجان وما أهدافها؟ وهل هناك جدوى من تشكيلها؟ أسئلة تجيب عنها "العين الإخبارية" في محاولة لتسليط الضوء على وجهات النظر المختلفة بشأن تلك اللجان، وتوقيتات وأهداف تشكيلها.
5 لجان
قبل أيام من إعلان مفوضية الانتخابات تعثرها في كشف القوائم النهائية للمرشحين، قرر مجلس النواب في 8 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، تشكيل لجنة لمتابعة العملية الانتخابية برئاسة الهادي الصغير، على أن تتولى متابعة الانتخابات مع المفوضية والمجلس الأعلى للقضاء والعراقيل التي واجهتها، وتقدم تقريرها لمجلس النواب، وهو ما حدث بجلسة عقدها البرلمان في 27 من الشهر نفسه، وأصدرت حينها عدة توصيات.
وفي 21 من الشهر ذاته، وبعد إعلان تعثر إجراء الانتخابات في موعدها، قرر البرلمان تشكيل لجنة خارطة الطريق برئاسة النائب نصر الدين مهنا، تتولى إعداد مقترح لخارطة الطريق بعد 24 ديسمبر/كانون الأول (الموعد الذي كان محددا للانتخابات)، على أن تقدم مقترحها للمجلس خلال أسبوع، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، بل لا تزال تعقد عدة لقاءات مع أطراف ليبية.
ونهاية الشهر المذكور، قرر مجلس النواب تشكيل لجنة مراجعة القانون رقم 11 بشأن نظام القضاء والتحقق منه، تتولى دراسة القانون ومراجعته والتحقق منه على أن تسلم تقريرها خلال أسبوع، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.
والأسبوع الماضي، قرر البرلمان تشكيل لجنة لمتابعة المؤسسات برئاسة فرج عبدالمالك، تتولى إعداد تقرير عن عمل المؤسسات السيادية وهي المصرف المركزي، وديوان المحاسبة وهيئتا الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد، ومخالفات تلك الأجسام خلال فترة الانقسام، على أن تقدم تقريرها خلال 20 يومًا من بدء عملها، فيما من المتوقع أن تباشر تلك اللجنة عملها الأسبوع المقبل.
حل غائب
5 لجان شكلها البرلمان الليبي خلال نحو 25 يومًا، قال عنها المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، إن مجلس النواب بات "متخبطا" في قراراته بشكل كبير جدا، مشيرًا إلى أن تشكيل اللجان المتتالية "لا طائل منه"، ولا يمكن أن يكون الحل بيدها.
وقال الأوجلي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "الحل يجب أن يخرج من داخل قبة البرلمان"، معتبرا أن أسباب عرقلة الانتخابات باتت معلومة للجميع فيما الحلول واضحة، لكن البرلمان "يماطل" بشكل كبير جدا بتشكيله هذه اللجان التي لا فائدة منها.
ورأى الأوجلي أن تلك اللجان التي كان آخرها "اللجنة الوطنية العليا"، ليست لها مهام واضحة، لافتا إلى أنها ستكون كسابقاتها "مجرد حبر على ورق، ولن تضيف أي جديد للدولة الليبية".
وأشار إلى أن الشارع الليبي "ممتعض" من أداء مجلس النواب بشكل عام، لا سيما أن هناك اعتقادا سائدا بأن البرلمان هو أحد الأطراف "المعرقلة" للانتخابات، مؤكدًا أن بيان البرلمان أمس الخميس الذي طالب فيه كافة الأطراف بالتكاتف ودعمه وتغليب مصلحة الوطن والشعب الليبي، الهدف منه إثبات أنه يسعى لحل المشكلة وليس طرفا في العرقلة للتخفيف من التوتر الذي يعصف بالشارع الليبي.
واتهم المحلل الليبي مجلس النواب بتشكيل البرلمان لجانًا متتالية تعمل بشكل "عشوائي" وتعقد اجتماعات عدة دون هدف واضح.
وحول موقف الدول الغربية من الانتخابات، خاصة بعد مطالبة المبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز البرلمان بجدول زمني واضح للاستحقاق الدستوري، قال الأوجلي إن موقف الغرب من الانتخابات بات "هلاميا" بعض الشيء؛ فبعد التمسك بتاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي خاصة من طرف الولايات المتحدة، تغير الموقف الآن وخف الضغط باتجاه الدفع نحو تحديد موعد الانتخابات.
وتابع أن مباحثات ويليامز مع كافة الأطراف الليبية المؤثرة خلال الفترة الماضية يعد بمثابة "خلط للأوراق" بشكل كبير جدا، متوقعًا أن تكون النتيجة خارطة طريق جديدة مبنية على التوافق الكامل بين الفرقاء الليبيين ستسعى من خلالها المبعوثة الأممية لإرضاء جميع الأطراف.
مرحلة انتقالية
انتقادات الأوجلي للجان البرلمان أيدها المحلل السياسي أحمد المهدوي، الذي قال إن اللجان تمهد لمرحلة انتقالية جديده دون الانتظار لما ستؤول إليه مساعي الحراك والتيار المدني الليبي لحلحلة العراقيل، ولا حتى مساعي الدول للذهاب إلى انتخابات في القريب الآجل.
وقال المهدوي، لـ"العين الإخبارية"، إن مجلس النواب يسعى إلى تشكيل لجان من أجل التمهيد لمرحلة انتقالية تستمر ثلاث سنوات، لإعداد دستور وتوحيد المؤسسات لخلق أرضية صلبة من أجل الانتخابات بالتوافق مع ما يعرف بـ"المجلس الأعلى للدولة"، وحكومة تصريف الأعمال برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
وحول موقف بعض اللجان كلجنة خارطة الطريق والتي كان من المفترض أن تنتهي مهمتها في 31 ديسمبر/كانون الأول المنصرم وفقا لقرار تشكيلها، قال المحلل الليبي إن اللجنة لم تبدأ عملها بشكل رسمي، لأنها تسعى لأن تكون أول جلسة رسمية لها بعد تاريخ 24 يناير/كانون الأول الثاني الجاري، لتشكيل خارطة طريق تتضمن استمرار البرلمان ومجلس الدولة والحكومه ثلاث سنوات.
ولفت إلى أن اللجنة تعمل "في الخفاء" وتصرح "بعكس" ما تخطط له، لكسب الوقت والتأييد لصالح خارطة طريق لمرحلة انتقالية أخرى.
أما المحلل الليبي خالد الترجمان، فيرى أن لجان البرلمان الليبي "محاولة لذر الرماد في العيون"، مشيرًا إلى أن قانوني الانتخابات اللذين أقرهما وتحركت كل الجهات التي تدعم مجلس النواب، لم يستطع الأخير تحقيق حلم 2.8 مليون ليبي سجلوا للتصويت.
وأوضح الترجمان، لـ"العين الإخبارية"، أن مجلس النواب أعد لجنة خارطة الطريق، وذهب للحديث مع مجلس الدولة الذي كان يرفضه، فيما بات الحديث الآن حول العمل على إخراج الدستور مرة أخرى، ووضع خطط للانتخابات القادمة بالتفاهم مع مجلس الدولة والكيانات السياسية ونشطاء المجتمع المدني.
وتوقع المحلل الليبي "ثورة" جديدة للشعب الليبي كتلك التي حدثت في مصر، تفوض الجيش الليبي لاقتلاع جذور الإخوان، والأجسام المنتهية سياسيًا، بعد فشل تلك اللجان وغيرها في أداء دورها.
إنقاذ
من جهة أخرى، قال عضو مجلس النواب الليبي أبو صلاح شلبي، إنه "منذ فشل ملتقى الحوار السياسي الليبي في إقرار قاعدة دستورية، حاول البرلمان إنقاذ العملية السياسية وأصدر قانوني الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إلا أن الظروف التي واجهت المفوضية في عدم قدرتها على إنجاز الانتخابات في وقتها، دفعت المجلس لتشكيل لجنة لخارطة طريق تتواصل مع جميع الأطراف السياسية للبحث عن توافقات تساعد على إنجاز الاستحقاق الدستوري في أقرب الآجال".
وحول سبب تشكيل اللجنة الوطنية العليا، وموقفها من البيان الخماسي الغربي، لفت البرلماني الليبي، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن اللجنة تشبه لجنة الأمن القومي في الدول الأخرى، معتبرا أنه تم تفعيلها في الوقت الحالي للحد من التدخلات الخارجية والمتداخلة في الشأن الليبي.
وطالب البرلماني الليبي المشككين في أداء دور مجلس النواب بانتظار نتائج خارطة الطريق، والتي ستكون نتاج نقاش وتشاور مع كافة المعنيين بالعملية السياسية والانتخابية ، مشيرًا إلى أن ما سيصدر عنها سيعبر عن توافقات أو رؤى جامعة لكافة أطياف المجتمع الليبي.
وفيما يتعلق بإمكانية تحديد موعد جديد للانتخابات أو للانتهاء من تلك النقاشات البرلمانية، قال أبوصلاح شلبي إن هناك مسارين أمام ليبيا، إما الذهاب إلى استفتاء على الدستور بعد معالجة النقاط الخلافية بالتنسيق مع هيئة الدستور، أو الاتفاق على موعد لاحق للانتخابات في أقرب الآجال.