خبراء علم نفس يحذرون كبار السن من "النوستالجيا"
خبراء علم نفس يؤكدون أن الاستغراق في إعادة تقييم الحياة الماضية والحنين إليها أو ما يعرف بالنوستالجيا ربما يستحضر مشاعر الندم والحسرة.
مع مرور السنوات والتقدم في العمر غالبا ما يجد المرء نفسه عالقا في مشاعر الماضي مثل الندم والحنين والتفكير فيما كان يمكن أن يحدث وما لم يكن ينبغي أن يكون، ولذلك حذر خبراء علم النفس من أن الاستغراق في إعادة تقييم الحياة الماضية والحنين إليها، النوستالجيا، ربما يستحضر مشاعر الندم والحسرة.
وفي كتاب "شيخوخة ذات معنى"، يقدم المؤلفان ساول ليفمور، محامي وخبير اقتصادي، ومارثا سي. نوسباوم، الفيلسوفة الأمريكية الحاصلة على جائزة أمير أستورياس الإسبانية في العلوم الاجتماعية عام 2012، محادثة عن الحب والتجاعيد وأشياء أخرى بهدف كسر الأحكام المسبقة حول التقدم في العمر والدفع بعملية تغيير للتعامل مع الشيخوخة بوعي.
وتتوقع منظمة الصحة العالمية ارتفاع عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما، من 605 ملايين لمليارين خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2050، وخلال نفس هذه الفترة، سيزيد عدد الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم الـ80 عاما، ليصل إلى 395 مليونا، وهو حدث غير مسبوق في التاريخ.
لكن كيف يمكن الشعور بالراحة في وجود واجهة تشيخ؟ وبماذا يفيد الندم وما هي مخاطر العيش في الماضي؟ وهل العمر يتعارض مع الحب؟، كل هذه أسئلة يتناولها كتاب "شيخوخة ذات معنى" الذي يقدم نظرة عامة عن التقدم في العمر.
وبحسب وكالة الأنباء الإسبانية، إفي، يأتي الكتاب في صيغة محادثة تسعى للحث على التعامل مع الشيخوخة كمرحلة من الحياة مليئة بالفرص الفريدة التي يجب أن نعيشها بوعي بدلا من التركيز على الخوف من اقتراب الموت.
ويضم العمل ثمانية فصول هي "التعلم من الملك لير"، "وسياسة التقاعد"، و"التقدم في العمر مع الأصدقاء"، و"أجساد تشيخ"، و"النظر إلى الخلف"، و"الحب والجنس بعد منتصف العمر"، و"التباين والتقدم في السن بين سكان العالم"، و"العطاء".
وتؤكد الفيلسوفة مارثا سي. نوسباوم أن استحضار الأحداث الماضية يمكن أن يكون إيجابيا إذا كان سيساهم في إضفاء معنى للصورة الكاملة ويساعد على التعلم، لكنها حذرت من أن المشكلة تكمن في أن البعض يخشى التطلع للأمام.
وتوضح الكاتبة أنه حين تصبح السنوات الباقية في العمر أقل من تلك التي مضت، قد تبدو التطلعات أقل إثمارا مما كانت عليه في الماضي، لكن تمسكنا بمشاعر الماضي "يحكم علينا بالقلق بشأن أمور لن تتغير"، مشيرة إلى أن هذا الأمر يمنعنا من "الالتفات لأشخاص موجودين أمامنا بسبب تعلقنا بذكريات تتعلق بآخرين رحلوا منذ زمن".
وأبرزت نوسباوم أنه "حين يتوفى العديد من الأصدقاء والأقارب، من السهل أن يفكر الإنسان في أن أفضل ما في العمر قد ولى وانتهى" محذرة من أن البقاء في الماضي "يحول دون خلق روابط من السعادة مع أشخاص ما زالوا أحياء".
وأمام مشاعر الأسف والتفكير في أن الأمور كانت ستكون أفضل لو لم يحدث ذلك، تساءلت الكاتبة "لماذا نهدر مشاعرنا على الأشياء التي اختفت ورحلت؟"، محذرة من أن التركيز على الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، خطأ كبير وأن محاولة التخلص من الماضي لصالح الحاضر والمستقبل خطأ كبير أيضا.
وقالت: "الكثير من الأشخاص يشعرون بالفزع تجاه فكرة التقدم في السن"، في الوقت الذي لفتت فيه إلى أنه إذا رفض الشخص الانتماء لمجموعة من المتقدمين في العمر، فإنه يفقد بذلك فرصة للتضامن والمساندة.
ونددت الكاتبة بأن البعض "يفترض بشكل مسبق أن الأشخاص الكبار في السن عامة أقل كفاءة على عدة أصعدة، دون الالتفات إلى تقييم القدرات الفردية لكل منهم على حدة"، واعتبرت أن الأحكام المسبقة لها تأثير سلبي على صحة الأشخاص المتقدمين في العمر، "حتى إن بعض الأطباء يتعاملون مع بعض الأمراض التي يمكن الشفاء منها على أنها أمر طبيعي بالنسبة لسن المريض، ما يحرم البعض من تلقي الرعاية التي يحتاجها.
وأبرزت نوسباوم ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن عملية الشيخوخة تختلف من شخص لآخر بشكل كبير وتؤثر على نواح مختلفة من الحياة، موضحة: "قد نجد رجلا يبلغ من العمر 90 عاما يعاني من مشكلة بدنية لكنه يحافظ على حضور ذهني مدهش، في الوقت الذي يمكن أن نجد فيه شخصا آخرعمره 65 عاما لا يواجه مشكلات في الركض لكنه يعاني من الزهايمر".
ومن منطلق هذه النظرية، دافع ليفمور عن منافع تطبيق نظام تقاعد طوعي يتحدد من خلاله السن المناسب لانتهاء المسيرة المهنية بموجب اتفاق بين الموظف وصاحب العمل.
ويؤكد المحامي والخبير الاقتصادي أنه في الولايات المتحدة "ييدو أن الجميع ممتنون لتقاعدهم في السن الذي قاموا فيه بذلك"، لكنه أبدى تشككه في أن يكون "الاختيار في هذه الحالات قد قام على أساس تصور ذاتي لقدراتهم".
ويرى مؤلفا الكتاب أننا "مع مرور السنوات يزيد شعورنا بالراحة تجاه أنفسنا وما نحن عليه"، حيث اعتبرا أن "التقدم في العمر مرتبط بتراكم الخبرة والحكمة...حين تكون شابا فإنك تضيع الوقت في أمور كثيرة لا تستحق العناء، في حين أن التقدم في السن يجبرنا على أن نصبح أنفسنا على حق".
وفي زمن انتشر فيه اللجوء للجراحة التجميلية لإخفاء أثار السنوات، أبدت نوسباوم رفضها لهذا التعديل "المضاد للطبيعة" وعولت على ممارسة الرياضة للحفاظ على الصحة.
وحذرت الفيلسوفة الأمريكية من أن "الشيخوخة قد تدفعنا إلى السقوط في طفولة متأخرة" ولفتت إلى مخاطر الامتثال لاحتياجات وقتية لها علاقة بالجسد والمظهر الخارجي.
aXA6IDMuMTQyLjIxMi4xNTMg جزيرة ام اند امز