لتوريط "المقامر".. الأتراك يراهنون ضد الليرة رغم وعود الإصلاح
استمر رهان الأتراك ضد الليرة التركية، وقاموا بشراء الدولار والذهب بمعدلات قياسية، لعدم ثقتهم بتنفيذ وعود أردوغان بالإصلاح الاقتصادي.
ورغم وعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتنفيذ إصلاح اقتصادي حقيقي، انخفضت الليرة التركية 5% خلال هذا الأسبوع، بعدما اشترت الشركات التركية، والمواطنون الأتراك عملات صعبة، وذهبا بما قيمته 4 مليارات دولار، خلال أسبوعين فقط.
ويزيد ارتفاع مشتريات البنك المركزي التركي والمواطنين الأتراك من الذهب من الاختلال التجاري وخطر التخلف عن سداد الديون الخارجية، بحسب وكالات التصنيف الائتماني ومحللين.
الثقة مفقودة
وحسب رويترز، قال مدير ثروات بأحد البنوك التركية، طالبا عدم نشر هويته، إن العملاء يلقون حثا منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على تكوين مراكز دائنة في الليرة".
وتابع: "لكن كما نرى.. اشترى المواطنون ما قيمته نحو 4 مليارات دولار من الذهب والنقد الأجنبي خلال أسبوعين فقط".
كم تجد الليرة التركية نفسها عالقة بين شد وجذب من مستثمرين أجانب، الذين رحبوا بحذر بالزيادة الكبيرة في سعر الفائدة ووعود الحكومة بالإصلاح.
أداء مضطرب
وشهدت الليرة التركية، شهرا مضطربا بعد أداء ضعيف هذا العام بالأسواق الناشئة، وسيحدد تفاديها تسجيل مستويات متدنية قياسية جديدة، مدى نجاح تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بعصر اقتصادي جديد يستلهم آليات السوق.
وارتفعت الليرة، ارتفاع مزيفا بنحو 12%بعدما استبدل أردوغان رئيس البنك المركزي ووزير المالية في تعديل صادم في وقت سابق من الشهر.
وفي الأسبوع التالي، سارع الأجانب لشراء أصول تركية بـ 5 مليارات دولار، وفقا لحسابات مصرفيين.
معدلات قياسية لشراء الذهب
لكن العملة عادت لتنخفض 5% هذا الأسبوع مع دخول الأتراك والشركات المحلية على الخط بشراء العملات الصعبة والذهب بمعدلات قياسية، نتيجة عدم ثقتهم في صدق وعود أردوغان بالإصلاح.
ويقول مصرفيون إن شركات أكبر ربما دخلت السوق للحصول على العملة الصعبة من أجل الوفاء بالتزامات ديون خارجية متزايدة.
وبلغت حيازات النقد الأجنبي في تركيا أعلى مستوى لها عند 228 مليار دولار وسبب رئيسي في ذلك هو استيراد ذهب بنحو 22 مليار دولار هذا العام، وهو مخزن للقيمة يحبذه الأتراك خاصة في الأوقات التي تشوبها الضبابية.
وقال محمد علي يلدريم ترك وهو نائب رئيس اتحاد متاجر الذهب بإسطنبول ولديه متجر في البازار الكبير بالمدينة "يشتري الناس الذهب بعد بيع سياراتهم أو منازلهم، أو يشترونه بأموالهم مباشرة".
وأضاف "خلق التعهد بإصلاحات اقتصادية تفاؤلا في السوق، لكن يتعين الوفاء بهذه الوعود عن طريق خطوات فعلية".
مبررات أردوغان
ويلقي أردوغان منذ مدة طويلة، باللوم، على الأجانب وارتفاع أسعار الفائدة ليبرر فشل سياساته الاقتصادية، الذي تسبب في تراجع مؤشرات الاقتصاد بصورة غير مسبوقة، وانهيار لقيمة الليرة بأكثر من 50% منذ أوائل 2018.
ولكن جسامة التدهور الاقتصادي أجبرته على التحول في حديثه هذا الشهر عن الأجانب وأسعار الفائدة، والحديث عن خطوات لإصلاح الاقتصاد، بعد تسجيل العملة سلسلة من المستويات المتدنية القياسية، نتيجة تضاؤل احتياطيات البنك المركزي من العملة الأجنبية.
كبت طلب الأجانب
ومن خطوات الإصلاح قيام الحكومة التركية بحل قيود الاستثمار في الخارج، ومنها الحدود المفروضة على مبادلات النقد الأجنبي بالليرة، والتي اعتمدت العام الماضي في ظل عدم الثقة في الأجانب.
لكن التغييرات ستمضي ببطء لأن عشرات مليارات الدولارات لدى البنك المركزي لا يمكن التصرف فيها من أجل تعزيز الاحتياطيات.
يسفر هذا عن طلب مكبوت لدى الأجانب الذين لا يستطيعون الحصول إلا على عائد بنحو 10.5% على الأصول التركية في سوق للمبادلة بلندن حتى بعدما رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة 475 نقطة أساس إلى 15% الأسبوع الماضي.
وقال كيران كيرتس مدير محفظة الأسواق الناشئة لدى أبردين ستاندردر للاستثمارات، التي نأت بنفسها لوقت طويل قبل أن تشتري أصولا تركية هذا الشهر، "نشهد بالتأكيد مزيج سياسة تقليديا أكثر ونتعامل بإيجابية مع هذه التغييرات لكن بحذر".
وأضاف أن رفع سعر الفائدة مرة أخرى الشهر المقبل 50 نقطة أساس سيكون "منطقيا" وقد يبقى على اهتمام الأجانب.
وقد تساعد التدفقات الأجنبية في إبقاء عجز ميزان المعاملات الجارية التركي المتضخم تحت السيطرة بعدما أدت تداعيات جائحة فيروس كورونا إلى انخفاض إيرادات السياحة بنحو 20 مليار دولار.
ويتوقع البنك المركزي أن تصل واردات الذهب إلى 24 مليار دولار بنهاية العام، أكثر من مثلي المعدل الطبيعي.
انهيار المؤشرات الاقتصادية
ويفضح مؤشر الثقة بعديد من القطاعات التشغيلية في تركيا، واقع اقتصادها المتراجع على نحو حاد، خاصة في قطاعات الخدمات، ومبيعات التجزئة والبناء.
وقال معهد الإحصاءات التركي، الأربعاء، إن مؤشر الثقة المعدل موسمياً تراجع بنسبة 2.8% في قطاع الخدمات، كما تراجع بنسبة 5.7% في قطاع البناء، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مقارنة مع أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وعلى أساس سنوي، تراجع مؤشر تجارة التجزئة خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بنسبة 6.1% إلى 95 نقطة نزولا من 101.2 نقطة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بينما استقر دون تغيير على أساس شهري.
وانخفضت مبيعات النشاط التجاري خلال الأشهر الثلاثة الماضية بنسبة 1.5% لتصل إلى 85.3 نقطة، كما انخفضت توقعات مبيعات النشاط التجاري خلال الأشهر الثلاثة القادمة بنسبة 0.3% إلى 90.6 نقطة.
ووفقا للإحصاءات المالية والمصرفية الأسبوعية الصادرة عن البنك، انخفض إجمالي احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي في 30 أكتوبر/ تشرين الأول بمقدار 2 مليار و827 مليون دولار، مقارنة بالأسبوع السابق عليه؛ ليبلغ 42 مليارا و259 مليون دولار.
وبلغ عجز الحساب الجاري لتركيا ملياري دولار 364 مليون دولار، خلال سبتمبر/أيلول الماضي، في حين بلغ 27 مليار دولار 539 مليون دولار، على مدار 12 شهرا.
كما يواجه قطاع العقارات التركي أزمة خانقة هي الأصعب في تاريخه، بفعل قفزة كبيرة في الأسعار نتيجة ارتفاع تكاليف البناء، فيما فشلت الليرة في تعويض خسائرها.
وذكر تقرير صادر، الأربعاء، عن هيئة الإحصاء التركية أن مؤشر تكلفة البناء في السوق المحلية ارتفع في سبتمبر/ أيلول الماضي 16.11% على أساس سنوي، بنسبة ارتفاع شهري 2.11%، مقارنة مع أغسطس/ آب.