"صبراتة" الليبية.. صمام أمان لكبح إرهاب "مليشيات الوفاق"
مدينة صبراتة انتفضت على الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة في عام 2016 ضد تنظيم داعش وفي 2017 ضد الاتجار بالبشر.
تعد مدينة صبراتة صمام الأمان في الغرب الليبي لكبح إرهاب المليشيات، كما أنها من أوائل المدن التي أعلنت دعمها الكامل للجيش ضد الإرهابيين ومسلحي حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج.
وكان إطلاق الجيش الليبي لعملية طوفان الكرامة 4 أبريل/نيسان الماضي لتحرير المنطقة الغربية من الجماعات الإرهابية، أظهر الفارق بين المدن والقبائل التي تدعم الاستقرار، والأخرى التي تستفيد من الفوضى وتدهور الوضع الأمني فتتستر عليه وتدعمه.
ولمدينة صبراتة تاريخ طويل في مواجهة الإرهاب ومكافحته على المستوى الشعبي رغم وقوعها كجزيرة داعمة لعمليات الجيش الليبي في وسط مدن مؤيدة للمليشيات بالمنطقة الغربية، حتى قبل عام 2014.
وتقديرا لهذا الدور أصدرت الحكومة الليبية المؤقتة الخميس الماضي قراراً يقضي بإنشاء فرع لديوان مجلس الوزراء بالمنطقة الغربية مؤقتاً يكون مقره في صبراتة.
الأهمية الاستراتيجية
ولمدينة صبراتة موقع استراتيجي وإمكانات عسكرية واستراتيجية مهمة، وهي إحدى 3 مدن رئيسية غرب العاصمة طرابلس أعلنت دعمها للجيش الليبي، وهي صبراتة وصرمان والعجيلات.
وبحسب المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، فتأتي الأهمية العسكرية والاستراتيجية والجغرافية للمدينة لموقعها على الخط الساحلي الرابط ما بين الحدود التونسية وطرابلس، بالإضافة لوجود ميناء مهم على البحر الأبيض المتوسط.
ويؤكد الترهوني لـ"العين الإخبارية" أن مدينة صبراتة بها العديد من الكتائب العسكرية التي تقوم بتأمين المدينة ما يجعلها ذات ثقل عسكري للجيش الليبي.
وأضاف: "المدينة تعتبر مدرسة لضباط الصف، والكتيبة 219 وهي من أقوي الكتائب التي شاركت في حروب خارج حدود الدولة الليبية رفقة نظام القذافي"، كما يتنسب إليها عدد من القيادات الأمنية الرفيعة شاركوا في عمليات حراسه رئيس جزر القمر وفق اتفاقية سابقة مع العقيد معمر القذافي.
كما يوجد في المدينة ثكنات عسكرية ومواقع في وسط المدينة تشغل مساحات هامة وبها مرافق، جاهزة لإيواء أي منتسب للجيش ومراكز تدريب لمن يريد أن يلتحق بالجيش الليبي.
وتابع الترهوني أن موقع صبراتة الجغرافي يجعلها الرابط بين البحر ومنطقة الساحل وباطن الجبل الغربي ومدن الجبل، ما يجعلها صمام الأمان الكبير الكابح لجماح المليشيات في منطقة الزاوية.
وتابع أن المدينة بسبب قربها من مقر شركة إيني للغاز في مليتا، دفع العديد من المليشيات للتراجع عن فكرة مهاجمتها باعتبار ذلك تهديدا قد يتسبب في استعداء عدة دول كبرى.
انتفاضة صبراتة
دعم صبراتة للجيش الليبي كان قبل انطلاق عملية طوفان الكرامة، حيث انتفضت ضد الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة مرتين، أولها: ضد تنظيم داعش، عام 2016 والأخرى ضد الاتجار بالبشر عام 2017.
وكانت الانتفاضة الأولى ضد تنظيم داعش أهلية، حيث استشهد فيها خمسة من الأهالي بمنطقة "العلالقة"، ما دفعهم إلى إغلاق الطرق ومحاصرة عدد من المنازل المشبوهة التي يقيم بها إرهابيون أجانب.
وحينها داهم الأهالي أكثر من ستة منازل، وقتل أكثر من 12 شخصاً من سكانها من جنسيات عربية وأفريقية، بينما لاذ عشرات آخرون بالفرار.
كما كانت صبراتة في ظل سيطرة الإرهابيين إحدى أبرز نقاط الاتجار في البشر في ليبيا، من خلال أحمد الدباشي الشهير بـ"العمو"، وحسن حسين الدباشي وعصام الغول، قائد سرية المدينة، وأحمد شوية شطري سابق، ومصعب أبوقرين، وذلك بالتعاون مع مليشيات الزنتان وقائدهم المطلوب أسامة الجويلي.
انتفاضة صبراتة على مهربي البشر سبتمبر/أيلول 2017 والتي تعرف بـ"حرب العشرين يوما" بدأت حين هاجم من يعرف بـ"الحلبودة" الدباشي الغرفة الأمنية بالمدينة.
وعلى إثر ذلك انتفضت الكتائب العسكرية النظامية والقوات الأمنية ضد مليشيات الاتجار بالبشر، واقتحمت مقر "الدباشي" وعثر على مخزن للخمور والمخدرات، ومخزن للأسلحة، ولكن الدباشي لاذ بالفرار، وانسحبت مليشياته إلى مدينة الزاوية.
توطين الإرهاب
سكان مدينة صبراتة انتبهوا مبكرا للمخطط الإرهابي، وكان ذلك سببا في موقفهم الداعم للجيش الليبي بطرابلس، فظهر الإرهاب في صبراتة منذ عام 2012، بسبب الأهمية الاستراتيجية لها.
وبحسب مصدر أمني بالغرفة الأمنية صبراتة وصرمان، فإن أمراء الحرب من تنظيمي الإخوان والقاعدة، حولوا المدينة إلى مركز لاستقبال الأجانب الإرهابيين في ليبيا، ومركزا لتدريب الدواعش ومن ثم إرسالهم إلى سرت ودرنة وبنغازي أو تصديرهم إلى سوريا عبر مصراتة ومعيتيقة أو إرسالهم إلى تركيا لإعادتهم إلى الرقة بسوريا.
وتابع المصدر لـ"العين الإخبارية": "عمر المختار المدهوني أحد اعضاء حزب الوطن الذي يرأسه عبدالحكيم بالحاج قالها بصريح العبارة صبراتة منطقة عبور فقط مش عمليات".
ويقول المصدر الأمني إن الجماعات الإرهابية استغلت المدينة في توطين بعض أمراء الإرهاب الأجانب الوافدين من تونس والجزائر وأفغانستان واليمن، "كانوا يظهرون للعيان ويشاركون في التوقفات الأمنية"، تحت وصاية أمير أنصار الشريعة بالمدينة في تلك الفترة –قتل عام 2013- أبوالقاسم سالم الدباشي، وذراعه اليمنى ابن أخيه عماد عبدالمجيد سالم الدباشي الملقب بـ"البزعة".
وكشف المصدر أن الجهات الأمنية رصدت في تلك الفترة عدة أسماء إرهابية كبيرة منها أبوعياض التونسي، ومختار بالمختار الجزائري، وإرهابي تونسي آخر يعرف بالرويسي، وكان الأخير مشعوذا يدعي استخراج الكنوز تحت ستار المشيخة.
قطر وتركيا
وأكد المصدر أن قطر وتركيا كانتا ضالعتين في توطين الإرهاب وحمايته في صبراتة، مشيرا إلى أن أبوالقاسم سالم الدباشي، زعيم أنصار الشريعة بالمدينة، استأجر لإرهابي تونسي يدعى "الرويسي" منزلا بين عامي 2012/2013 في منطقة أبناء مسلم بضواحي صبراتة، مدعيا أنه جاء إلى ليبيا للحصول على دورة دراسية، ويعمل مهندس اتصالات بشركة "مليتة للغاز".
ونوه بأن التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على المدينة كانت تؤمن الرويسي، بشكل غير واضح بإرهابيين من أبناء المدينة، وطيارة تركية بدون طيار كانت تستكشف له المنطقة.
وأشار المصدر إلى أن "قيادات الإرهاب كانت سيطرت أثناء فترة حكومة الإنقاذ عقب سقوط القذافي على المناصب العليا في البلاد وعلى رأسهم مصطفى نوح الذي وصل إلى نائب رئيس المخابرات الليبية والذي كان على علاقات واسعة مع أنقرة".
وتابع أن "الغرفة الأمنية في صبراتة قامت بعرض تقرير أمني أمام مصطفى نوح بوجود جماعات إرهابية بالمدينة برعاية قيادات أمنية قطرية، وتم توقيفهم، إلا أن "نوح" أمر بالإفراج عنهم مع كتابة تعهد بعدم تهديد أمن المدينة.
وأضاف المصدر الأمني أن أول عملية سطو مسلح في ليبيا نفذها الإرهابي المطلوب دوليا للاتجار في البشر أحمد العمو الدباشي، في بداية عام 2012، حيث قام بسرقة سيارة تاجر ذهب وحصل على 4 ملايين دينار وعدة سبائك ذهب، وتابع أن هذه المسروقات تم استغلالها في تمويل الجماعات الإرهابية وشراء الأسلحة.
وأشار إلى أن الإرهابي عبدالحكيم بالحاج، زعيم الجماعة الليبية المقاتلة الإرهابية، استحوذ على شركة الأجنحة التي تتولى تهريب الإرهابيين من وإلى ليبيا من خلال وساطة قطرية، وقد تولى تهريب عدد من دواعش صبراتة للمشاركة في القتال في الرقة السورية.
وأكد المصدر: "أبوالقاسم الدباشي، زعيم تنظيم أنصار الشريعة في صبراتة كان أحد المخططين لعملية الهجوم الإرهابي على القنصلية الأمريكية في بنغازي 11 سبتمبر/أيلول عام 2012، بالتعاون مع زياد بلعم، الإرهابي المطلوب في عملية التفجير".