الحمدين والقذافي وصدام.. أموال العرب لرؤساء فرنسا
"العين الإخبارية" ترصد تدفق المال القطري والليبي والعراقي لتمويل حملات الرؤساء الفرنسيين للتأثير على سياسات الإليزيه.
وثائق تتكشف يوماً بعد يوم، لترفع النقاب عن تدفق أموال تنظيم الحمدين الإرهابي في قطر، إلى جانب الرئيسين الراحلين الليبي معمر القذافي والعراقي صدام حسين، حتى أصبحت في خدمة ساسة فرنسا ومصدراً لتمويل حملاتهم الانتخابية.
وفي واقعة جديدة كشفت المخابرات الألمانية أن الحكومة العراقية موّلت الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران (1981-1995) عام 1974، بنحو مليون دولار، وذلك بعد أن رصدت اتصالات بين السفارة العراقية في مايو/أيار 1974.
فرنسوا ميتران وصدام:
وذكر موقع "ميديا بارت" الفرنسي، المتخصص في التحقيقات الاستقصائية، أن المخابرات الألمانية عثرت على وثيقة تشير إلى اعتراضها اتصالات بين "السفارة العراقية" في باريس، في مايو 1974.
ووفقاً لـ"ديتر بلوتز"، رئيس المخابرات الألمانية، أن هناك "اتصالاً أجري في 2 مايو/أيار 1974 بين وزارة الخارجية العراقية وسفارتها في باريس، لدفع مليون دولار تمويلاً لميتران حين كان زعيماً للحزب الاشتراكي في ذلك الوقت".
وأشار الموقع إلى أنه كان من المعروف في ذلك الوقت، أنه "إذا كان اليمين هو المتولي للسلطة في باريس، فإن هناك علاقات بين اليسار الفرنسي وبغداد، والعكس"، موضحاً أن "تلك الاتصالات أجريت بالتزامن مع الانتخابات الفرنسية، في حين أن اليمين الفرنسي كان يتولى الحكم في ذلك الوقت".
وأوضح الموقع، أنه وفقاً لمصدر من المخابرات الألمانية، فأن التمويل غير قانوني للأحزاب السياسية الفرنسية من قبل قادة أفريقيا أو بعض ديكتاتوريات الشرق الأوسط، ظهرت كممارسة شائعة".
وقال إنه استطلع آراء عدد من الأشخاص المتورطين من الدبلوماسية الفرنسية في ذلك الوقت من مختلف الاتجاهات السياسية، سواء يمين أو يسار"، وأشاروا إلى أن "العراق كان واحداً من الممولين الرئيسيين للساسة الفرنسيين من الشرق الأوسط، بجانب إسرائيل، وليبيا".
ولفت الموقع إلى أنه في "مطلع السبعينيات، نظمت رحلات لوفود سياسية فرنسية إلى بغداد، للطموح العراقية في خلق شبكات تواصل وصداقات مختلفة مع الغرب.
وفي عام 1974 اعترضت المخابرات الألمانية، اتصالات بين "سفارة العراق" في باريس، وكان ذلك بداية العصر الذهبي للعلاقات العراقية الفرنسية.
وأوضح أن تلك الفترة " شهدت عدة لقاءات بين الرجلين بين عامي 1974 و1976، وتوقيع عدة صفقات، بما في ذلك بيع مفاعل نووي في بغداد وقيادة الطائرات المقاتلة من طراز "الميراج"، كما شهدت الفترة تنمية في الاستثمارات الاقتصادية والصناعية في العراق التي لم يسبق لها مثيل.
وخلال هذه الفترة، كان صدام حسين يتمتع بقوة نابعة كونه نائباً للرئيس العراقي في ذلك الوقت أحمد حسن البكر، وحين تولى السلطة عام 1979 حاول إغواء الغرب بمبدأ القومية، في نفس الوقت دفع أموال للقادة الفرنسيين للتغاضي عن قمعه للأكراد.
وفي عام 1981 أصبح ميتران رئيساً للبلاد واتبع السياسة الواقعية، إذ أنه مقابل وصول فرنسا إلى النفط التي كانت تفتقره في ذلك الوقت، أبرمت مع العراق صفقات أسلحة وتعاون في المجال النووي.
وأشار الموقع إلى أنه بفضل ذلك التمويل، فإن الحزب الاشتراكي الفرنسي حين تولي السلطة، لم يغير سياسته تجاه العراق، بل أصبح "ميتران" الزعيم الغربي المفضل لدى صدام حسين.
ولفت الموقع إلى أنه وفقاً لعدة مصادر فإن اللوبي العراقي كان نشطاً بشدة في فرنسا منذ عام 1970، فيما أشار ألان شينال، عضو اللجنة الدولية في "الحزب الاشتراكي"، أن السفارة العراقية في باريس كانت أحد أوجه ذلك التمويل النشط لإغراء الساسة الفرنسيين.
تمويلات القذافي لساركوزي
وكان موقع "ميديا بارت" الفرنسي المتخصص في التحقيقات الاستقصائية، وصحيفة "لوموند" الفرنسية، أول من كشفا في مايو/أيار 2012 عن تمويل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي.
وأشارت التحقيقات إلى أن "الوسيط في تلك المفاوضات كان يدعى" زياد تقي الدين"، والذي كشفت تحقيقات في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أنه نقل 5 ملايين دولار نقداً من طرابلس إلى باريس، خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في نهاية عام 2006، وأوائل عام 2007، وسلمها إلى كلود جيان، وساركوزي الذي كان وزيراً للداخلية في ذلك الوقت.
وأضافت أن "تلك المعلومات أكدها عبدالله السنوسي، المدير السابق للمخابرات الليبية في عهد القذافي، أمام المدعي العام للمجلس الوطني الانتقالي الليبي في 20 سبتمبر/أيلول 2012، خلال التحقيق معه في اتهامه بـ"التواطؤ وتقديم رشوة لموظف عام أجنبي "و"التواطؤ باختلاس الأموال العامة في ليبيا".
وبحسب "لوموند" فإن العديد من الشخصيات الليبية الشاهدة على تلك القضية، سلمت أدلة جديدة تؤكد الاشتباه في تمويل غير المشروع لساركوزي.
قطر وساسة فرنسا
وعلى صعيد تدفق مال بعض الدول العربية لتمويل حملة الرؤساء الفرنسيين، كشفت وسائل إعلام فرنسية، مستندة على وثائق وشهادات وكتب أجراها صحفيون استقصائيون، عن تورط الدوحة في صفقات قذرة، بتقديم الرشاوى للسياسيين الفرنسيين، فضلاً عن اتباع قطر حيلاً غير شريفة لتقويض المنافسة الاقتصادية للدول الأخرى في فرنسا لصالحها بطرق غير شرعية.
وكان الصحفيان الفرنسيان جورج مالبرنو وكريستيان شينو، كشفا بالأسماء النقاب في كتابهما الذي يحمل عنوان "أمراؤنا الأعزاء" عن العلاقات المثيرة للجدل لحكومة قطر على مدى 10سنوات، وبين الساسة الفرنسيين.
ويروى الكتاب الذي أصدر عام 2016، وقائع فساد تورط فيها عدد من السياسيين الفرنسيين الذين تلقوا هدايا وامتيازات من قطر مقابل الدفاع عن الدوحة.
ويبرهن الكتاب كيف يركض السياسيون الفرنسيون ومنهم نواب ووزراء ومسؤولون كبار وراء المال القطري، كما يوضح كيف يتملقون أمراء هذه الدول الغنية بالنفط، وهي تصرفات معروفة منذ زمن طويل ولكنها عادت إلى الواجهة بعد وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم 2007.
وأظهر الكتاب الذي جاء على شكل تحقيق استقصائي أن ساركوزي جعل الاقتراب من قطر وأميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في طليعة اهتماماته، مشيراً إلى أن "العلاقة تطورت بشكل سريع بين الرجلين وتحولت بعد ذلك إلى سنوات عسل، ما سمح لفرنسا باستقطاب الأموال القطرية".
وعلى مستوى الأفراد، يروي الكتاب قصصاً تظهر الوجه الحقيقي لبعض الشخصيات السياسية الفرنسية؛ من بينهم جان ماري لجوان، وزير الدولة لشؤون البرلمان، ونيكولا باي، النائب الاشتراكي لدى الجمعية الوطنية الفرنسية لمدينة كاليه، وكان الوسيط السفير القطري في باريس في ذلك الوقت.