ولي العهد السعودي في بريطانيا.. حقبة جديدة لعلاقة تاريخية
طيف واسع من المراقبين يرون أن التغييرات التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ستنعكس نتائجها الإيجابية على النظرة العامة للعالم الإسلامي.
يبدأ الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الأربعاء، زيارة لبريطانيا هي الأولى له كولي للعهد.
- مجلة بريطانية: محمد بن سلمان الشخصية الأكثر تأثيرًا في السعودية
- محمد بن سلمان لـ"تلجراف": العلاقة بين السعودية وبريطانيا تاريخية
لافتات الترحيب التي تمزج بين العلمين السعودي والبريطاني زينت العاصمة لندن قبيل زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وعكست آفاقا واعدة لعلاقة استراتيجية تاريخية بين المملكتين، تستعرض "العين الإخبارية" في التقرير التالي أبرز محطاتها.
الملك المؤسس وشكسبير
"هو رجل وسيم ورائع.. وله وجه صادق جدا ولا يخفي سرا.. ويشتهر بأنه نبيل وسخي، ولا ينحدر إلى مستوى الأعمال الدنيئة"، بهذا الكلمات وصف الكابتن ويليام شكسبير، الممثل السياسي في الكويت مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز آل سعود.
كان شكسبير الذي تابع عن كثب نجاحات الملك عبدالعزيز آل سعود في توحيد قبائل شبه الجزيرة يرى ببصيرة خبير مستقبل شبه الجزيرة وقد سعى لنقل هذه الرؤية لحكومة بلاده التي كانت أكثر حذرا حينها.
وبعد عام من أول لقاء جمع شكسبير بالملك عبدالعزيز جمعهما لقاء آخر بمعسكره في ثاج وأجريا، وبعد مباحثات مطولة انعقدت أواصر صداقة شخصية بينهما.
واستطاع شكسبير التعرف على مواقف الملك عبدالعزيز وطموحاته وأهدافه وآرائه في السياسة الدولية والعلاقات مع الدول الأخرى بما فيها بريطانيا التي كانت تسيطر على الخليج العربي. ولكن شكسبير، المعجب بشخصية الملك عبدالعزيز لم يكن واثقا من قدرته على إقناع الحكومة البريطانية التي ترى عدم مناسبة الدخول في شؤون وسط الجزيرة العربية.
ومع مواصلة الملك المؤسس نجاحاته، ضاق شكسبير بموقف لندن المتردد، وكتب يبلغ حكومته قائلا إن "عبدالعزيز المفعم بالحب الشديد لبلاده والتقديس العميق لدينه، ورغبته الحازمة لبذل غاية وسعه من أجل شعبه بتحقيق السلام والأمن الدائمين له وجد نفسه الآن في موقف صعب"، وسبب هذا الموقف الصعب هو عدم تجاوب الحكومة البريطانية مع اتصالاته بالشكل المناسب لسلطته وللدولة السعودية الناشئة.
من الحذر إلى الثقة
ونتج عن جهود شكسبير توقيع معاهدة دارين (أو معاهدة القطيف) في نهاية عام 1915 بين الملك عبدالعزيز آل سعود والحكومة البريطانية، تضمنت الاعتراف بالوضع الجديد في الجزيرة العربية وعدم قيام بريطانيا بالتعرض للدولة السعودية الناشئة.
وينظر للاتفاقية باعتبارها انتصارا لسياسة الملك عبدالعزيز الخارجية، فقد تمكن عبرها من انتزاع اعتراف بريطانيا بالدولة السعودية واحترام نفوذها.
وبعد عام من توقيع اتفاقية القطيف تجاوب الملك عبدالعزيز مع دعوة الحكومة البريطانية لزيارة البصرة. وهي دعوة عكست موقع الملك عبدالعزيز الجديد في السياسة الخارجية البريطانية.
وبعد نحو 12 عاما من توقيع اتفاقية القطيف وقعت معاهدة جديدة بين الملك عبدالعزيز والحكومة البريطانية في عام 1927، وركزت هذه المعاهدة على الصداقة بين الحكومتين وحسن التفاهم من أجل تثبيت وتقوية العلاقات الودية السائدة بينهما، وتوثيقها وتأمين مصالحها وتقويتها.
انفتاح وتعاون
أثار اللقاء الملك عبدالعزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مخاوف بريطانيا من انفتاح واشنطن على الرياض، وهو ما دفع رئيس الوزراء البريطاني ونستن تشرشل للقاء الملك عبدالعزيز بعد يوم واحد من اجتماعه بالرئيس الأمريكي.
وكرس اللقاءان الملك عبدالعزيز كشخصية محورية في الأحداث العالمية في الشرق الأوسط. وفي فندق الأوبرج في مصر كان الملك المؤسس وتشرشل يؤكدان على سياسة الصداقة بين البلدين، والتزام بريطانيا بمضامين المعاهدة الموقعة بينهما.
أسس الملك عبدالعزيز آل سعود علاقة متوازنة وندية مع الإمبراطورية البريطانية، وهو ما مهد الطريق بعد رحيله لاستمرار تلك العلاقات ومضيها على الطريق الصحيح في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود.
وفي عام 1967 قام الملك فيصل بن عبدالعزيز بزيارة إلى بريطانيا بناء على دعوة من الملكة إليزابيث الثانية، وخلال هذه الزيارة التقى الملك فيصل برئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون. وخلال الزيارة التاريخية أناب الملك فيصل وزير الدفاع والطيران السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز لزيارة مصانع الطائرات التي تُنتج الطائرات النفاثة لسلاح الطيران الملكي السعودي، كجزء من مشروع الدفاع الجوي.
وشهد عهد الملك خالد بن عبدالعزيز الذي زار بريطانيا مرتين جرت وقائع أول زيارة رسمية ملكية بريطانية إلى السعودية، وذلك بعد أن زارت الملكة إليزابيث الثانية السعودية عام 1979، بدعوة من ولي العهد السعودي في تلك الفترة الأمير فهد بن عبدالعزيز، ثم تلا ذلك زيارة رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر عام 1981.
وزار الملك فهد بن عبدالعزيز بريطانيا عام 1987، وكانت الزيارة الرسمية الأولى له بعد تسلمه مقاليد الحكم، وقد كانت هذه الزيارة تأكيدا على العلاقات الودية بين السعودية وبريطانيا.
وعلى مسار تعزيز العلاقات الثنائية زار الملك عبدالله بن عبدالعزيز المملكة المتحدة في عام 2007، في زيارة رسمية استغرقت عدة أيام، تلبية لدعوة رسمية من الملكة إليزابيث الثانية.
ووصف وزير الخارجية البريطانية، آنذاك، ديفيد مليباند، الزيارة بالـ"حدث تاريخي مهم" وانطلاقة جديدة راسخة بين البلدين، مضيفا أن الزيارة تعزز العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية بين الجانبين.
عهد جديد في ظل إصلاحات غير مسبوقة
ومع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية زارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في أبريل/نيسان الماضي المملكة؛ والتقت العاهل السعودي.
وبحثت رئيسة الوزراء البريطانية تعزيز العلاقات الاستراتيجية المشتركة في جميع المجالات، منها التجارة والأمن ومكافحة الإرهاب؛ وذلك في ضوء استعداد بلادها للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وعرضت ماي، على هامش زيارتها، فرص استثمارية في بريطانيا على رئيس صندوق الاستثمارات العامة السعودي، مشيدة بقوة للخطة السعودية "رؤية 2030"، التي وصفتها بأنها خطة إصلاح طموحة.
وبمناسبة زيارة ماي للرياض، صدر تقرير من الموقع الرسمي للحكومة البريطانية، أكد أن الرياض تعد بالفعل الشريك التجاري الأول للمملكة المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، من خلال حجم التجارة السنوية بين البلدين التي تقدر بـ 8.2 مليارات دولار سنويًا.
وأضاف التقرير أن السعودية تستثمر أكثر من نحو 75 مليار دولار في اقتصاد المملكة المتحدة، وبلغت صادراتها من السلع البريطانية نحو 4.67 مليارات جنيه استرليني، والخدمات 1.9 مليار جنيه استرليني.
وأوضح تقرير آخر صادر من المكتب الإحصائي البريطاني للتجارة الخارجية، أن أبرز صادرات لندن إلى الرياض: المعدات المتعلقة بالنقل، المنتجات الطبية والصيدلانية، آلات توليد الطاقة والمعدات، مركبات الطرق وقطع الغيار، الآلات الصناعية العامة.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قامت رئيسة الوزراء البريطانية بزيارتها الثانية للمملكة العربية السعودية، حيث التقت خلالها الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتناولت اللقاءات التطورات على الساحة الإقليمية، وتنسيق المواقف، وكذلك سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأبرزت زيارة رئيسة الوزراء البريطانية، التي أتت بعد شهور من الزيارة الأولى للمملكة العربية السعودية، متانة وقوة العلاقات بين البلدين.
الأمير المجدد
ويقود ولي العهد السعودي ثورة تحمل تغييرات جذرية بخطى ثابتة، تتوافق مع طموحات جيل الشباب السعودي الذي أحسن الأمير الشاب قراءة طريقته في التفكير وأيقن أنهم على استعداد لهذا التغيير.
وكان أبرز خطوات الإصلاح القرارات الجديدة والمتلاحقة، التي صدرت وتصدر فيما يتعلق بظهور المرأة بشكل أكبر في المجتمع السعودي على المستوى الاجتماعي والمهني، والذي تمثل في السماح للمرأة بقيادة السيارة وحضور مباريات كرة القدم والحفلات الغنائية، إضافة إلى السماح بوجود صالات العرض السينمائية وافتتاح المسارح، إلى جانب مواجهة الفساد.
ويعتقد طيف واسع من المراقبين أن التغييرات التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ستنعكس نتائجها الإيجابية المتوقعة على الشرق الأوسط والعالم بأكمله فيما يخص النظرة العامة للعالم الإسلامي.