سيد الوكيل لـ"العين الإخبارية": الثقافة أصبحت سلعة وهذا أمر واقع
حوار مع الكاتب والناقد المصري سيد الوكيل حول مبادرته "ذاكرة القصة القصيرة" وكتابه الجديد عن نجيب محفوظ وغيرها من المحاور.. اقرأ المزيد
قبل أيام احتفل محبو الكاتب والناقد المصري سيد الوكيل بعيد ميلاده الـ67، احتفالا بقيمته الإنسانية والرصيد الكبير الذي ساهم به صاحب "لمح البصر" في الحياة الأدبية والنقدية، فعبر مسيرته النقدية قدم الوكيل عشرات الكتاب الجدد للحياة الثقافية، عبر قراءة وتبني موهبتهم، ومساندتهم في طريق الكتابة الشاق.
إلى جانب فن الرواية قدم سيد الوكيل 5 مجموعات قصصية، ذلك الفن الذي يدخر له عشقا كبيرا، حتى إنه أطلق أخيرا مبادرة "ذاكرة القصة القصيرة" التي يأمل أن تكون نواة مشروع ضخم يساعد الباحثين في تاريخ القصة القصيرة والأدب بشكل كبير، ويحفظ العشرات من القصص القصيرة التي لم تُجمع أو تنشر في إصدارات من الضياع.
"العين الإخبارية" التقت صاحب "شارع بسادة" وحديث انطلق من "ذاكرة القصة القصيرة" ومرّ على المعطيات الثقافية الجديدة التي تؤثر بشكل رئيسي على الحركة الأدبية، وكذلك محطة الفن التشكيلي التي توارت لصالح مشوراه في النقد والأدب، وكتابه الجديد الذي انتهى منه أخيرا في محبة الأديب العالمي نجيب محفوظ "في حضرة المحترم".
فإلى نص الحوار.
كيف بدأت فكرة مبادرة "ذاكرة القصة القصيرة"؟
الفكرة بدأت عام 2007 بعد حجب جائزة الدولة التشجيعية عن فرع القصة القصيرة لأول مرة في تاريخها، واعتبرت أن هذا الحدث هو علامة لتثبيت مقولة "زمن الرواية"، وفكرت في ضرورة عمل أرشيف لحفظ تاريخ القصة القصيرة باعتبارها الفن الذي عرفته مصر قبل 20 سنة على الأقل من معرفتها هي والوطن العربي بفن الرواية.
فالقصة القصيرة تطورت جدا قبل غيرها لأنه كانت لها فرصة نشر واسعة عبر صفحات الجرائد، وكانت الفن الأول لمدة 50 سنة، وصار لها علامات في الكتابة، وكان بها تنوع رهيب، فمن الصعب جدا إهدار هذا التاريخ، لذا فكرت في هذا المشروع، وهو مشروع ضخم جدا، فوق طاقة أي فرد، وأنا مدرك أن رعاية الدولة للمشروع قد تكون صعبة، فالثقافة كظاهرة عالمية باتت خارج سيطرة الحكومات، الثقافة الآن متاحة على الفضائيات ودور نشر خاصة والصفحات الإلكترونية والمراكز والهيئات المدنية، فالحكومات لم تعد مهيمنة على إدارة الثقافة، وعلينا أن نتعلم كمجتمع مدني أن ندير واقعنا الثقافي كما في العالم كله من سنوات.
ما هي فكرة ذاكرة القصة القصيرة باختصار؟
من الصعب طبعا جمع تراث القصة القصيرة كله، باختصار أن يقوم كل كاتب متطوع بالمشاركة في إضافة قصة كتبت في الفترة من بداية نشأة القصة القصيرة في 1918 منذ بدايات محمود تيمور، وحتى عام 1999 نهاية القرن الماضي، كل قاص يقدم نموذج القصة ويُرفق بها نبذة مختصرة عن كاتبها وقراءة نقدية لسمات وملامح تجربته الأدبية، وهذا معناه أن المشروع أرشيفي تنسيقي أكثر منه احتفالي، مشكلته أن كثيرا من هذه القصص قديمة جدا ومن الصعب تتبعها، لذلك فجمعها كمادة أرشيفية للباحثين سيكون مفيدا جدا، بالمناقشة مع عدد من الشباب المتحمس للفكرة سنبدأه من خلال مدونة، ويتم تقسيمها بحيث تناسب الفكرة، وإذا نجحت الفكرة من الباحثين سنطورها ويتم عرضها عبر موقع إلكتروني، ومن الممكن أن تجمع دار نشر تلك المادة فيما بعد في كتاب.
تلك المبادرة قد تكون نواة لمشروع ضخم يساعد الباحثين في الأدب بشكل كبير، ويحفظ العشرات من القصص القصيرة التي لم تُجمع أو تنشر في كتب من الضياع.
كلمة "ذاكرة" توحي بأن القصة القصيرة انتهت وآن وقت الحفاظ على ما تبقى منها..ألا يعطي عنوان المبادرة هذا الإيحاء؟
في رأيي أن أزمة القصة القصيرة مبالغ فيها ومفتعلة، بالفعل كلمة ذاكرة مرتبطة بالماضي، لدينا تاريخ مهم جدا في القرن الماضي خاص بالقصة القصيرة ونحاول توثيقه، وهذا لا يعني بالضرورة أنه لم تعد هناك قصة قصيرة جيدة، فأنا مُطلع على تجربة القصة القصيرة منذ فترة طويلة، وأرى أن القصة القصيرة استفادت من أزمة القصة القصيرة نفسها، والتي تتبلور في عدم اهتمام دور نشرها بنشرها مقارنة بالرواية، وكذلك ضعف الاهتمام النقدي بها، فواكب ذلك خفوت إعلامي بالقصة القصيرة، لكن على الأرض فإن عشاق القصة القصيرة استشعروا هذه الأزمة وبدأوا في البحث عن حلول من خلال تطويرها كفن أدبي، أذكر من ذلك ظاهرة القصة القصيرة جدا "القصة الومضة" التي أصبح لها اتحاد عربي، ودراسات، ومؤتمرات، وأيضا ما يسمى بالقصة الرقمية، التي تجعل القصة تفاعلية أكثر، وأتذكر أن نجيب محفوظ عندما قدم بمشروعه عن الأحلام، فتح بابا كبيرا للقصة القصيرة، فأنا مثلا كتبت المجموعة القصصية "لمح البصر" التي تقوم على الأحلام، وكذلك شريف صالح، ومحمود عبدالوهاب، ومصطفى يونس، في ظاهرة تنمو على مهل تبحث عن شكل حلمي للقصة القصيرة، هذه كلها حلول، فهي فن يقوم بالتجريب في التعامل مع الزمن، لذلك القصة موجودة.
إذاً ما الذي يجعل دور النشر تُحجم عن نشر القصة القصيرة مقارنة بالرواية؟
كان يحدث ذلك وكنا نندهش، وأظن الأمر أصبح أفضل الآن، إنما هناك اهتمام أكبر بالرواية، وأتصور أن الجوائز الأدبية لها دور في هذا، فالجوائز المخصصة للرواية أكبر عددا وقيمة، ونحن في زمن أصبحت الثقافة سلعة كأي سلعة، وعندما قلت هذا من قبل غضب مني البعض، لأننا شبهت الثقافة بسلعة مثل القميص أو الحذاء، أصبح ذلك هو الواقع، فلو ذهبتِ إلى أي متجر ضخم فستجدين الروايات تباع إلى جوار الملابس، هذا واقع، هناك نمط للتعاطي مع الأدب مختلف تماما عما كان يحدث في القرن الماضي، فأنا أول مرة أنشر كتابا كان عمري 37 سنة، لم تكن هناك جهة للنشر إلا مؤسسات الدولة، الآن هناك تنافس في النشر، إلى جانب التغطيات الإعلامية، والانتشار الواسع للإنترنت، كل ذلك ساهم في ظاهرة عصر الموضة في الكتابة، والنمط الاستهلاكي للأدب، والأدب أصبح سلعة، هناك إدارة رأسمالية تحرك هذا الواقع الثقافي، رأس المال يواكب تلك الموضة في العالم كله.
هل تشمل تلك الموضة قوائم "البيست سيلر" والاهتمام بعدد متابعي الكاتب على مواقع التواصل الاجتماعي؟
أقصد بالرأسمالية تعاطينا مع تلك المفردات، منها كذلك الحرص المبالغ فيه على الجوائز، وحول من يستحقها، وقوائم الـ"بيست سيلر" بالطبع، بها جانب كبير من الاحتيال التي تلجأ لها بعض دور النشر لرفع مبيعات كتاب جديد، هذا ما أعنيه بالحسبة الرأسمالية ، أي حساب الربح والخسارة، هذا هو الواقع، ويواكب ذلك حتى اختيار موضوعات الكتابة، فقديما كانت هناك مدارس أدبية في منتصف القرن الماضي، ثم تحولت إلى اتجاهات فتيارات ثم "موضات"، فعلى سبيل المثال مثلا انتشرت من فترة ظاهرة الرواية الساخرة، أو الكتاب الساخر في مصر، فوجدنا مثلا "كشري مصر"، "مصر من البلكونة"، ثم ظهرت بعدها موضة أخرى واكبت ثورة يناير، فوجدنا عشرات الروايات التي تدور جميعها في ميدان التحرير، ثم أصبحت الكتابة تميل الآن إلى تجاوز الواقع، واللجوء إلى الرواية التاريخية ورواية ما وراء الواقع.
كانت لك بداية مبكرة مع الفن التشكيلي.. لماذا لم تواصل هذا المشروع؟
بالفعل كان الرسم هو موهبتي الأولى منذ الطفولة، بشهادة الجميع، كانت فترة تجنيد جيلي وهي الإعداد لحرب أكتوبر طويلة ودون انقطاع، وفي السنة الأخيرة من التجنيد تعرفت بالصدفة على قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية، الذي كان سببا في بداية علاقتي بمجال الكتابة، فكتبت وكنت لا أزال في الجيش، وبالصدفة كذلك جاءتني فرصة المشاركة في مسابقة للقصة القصيرة عن حرب أكتوبر تابعة للجيش، وبالفعل كتبت وفازت قصتي بالمركز الثاني، ونالت قصتي اهتماما كبيرا، بما في ذلك إطراء خاص من وزير الثقافة آنذاك يوسف السباعي نفسه، وأجرت معي الكاتبة الكبيرة حسن شاه حوارا معي، ومنذ ذلك الوقت حققت نجاحات سريعة في البداية، وتفرغت للكتابة، وأصبح الفن التشكيلي موهبة جانبية، وكذلك التمثيل المسرحي الذي كنت أهواه وقطعت به مشوارا في بداياتي.
فأنا أمارس الرسم لمتعتي الشخصية، ووضعي كناقد لا يسمح لي بالانسحاب الآن، والتوفيق بين الكتابة والنقد والفن التشكيلي صعب للغاية.
ما الجديد الذي تقوم بالتحضير له الآن ؟
انتهيت من كتاب جديد عن نجيب محفوظ عنوانه "في حضرة المحترم"، وهو عنوان رواية له، تخيلت فيها أن نجيب محفوظ موجود وأنا أجلس في حضرته، الكتاب يجمع بين النقد والإبداع، يقدم قراءتي الخاصة لأعمال نجيب محفوظ ولقاءاتي المحدودة به، التي تركت أثرا ضخما داخلي، ورهبة كبيرة كذلك، كان عظيما واستثنائيا جدا ، في تقديري هو وديستوفيسكي أعظم من كتب في التاريخ، وكتبت في مقدمة الكتاب أنه "حضرة في حب نجيب محفوظ" .
ما هي أبرز قراءاتك لعالم محفوظ في الكتاب الجديد؟
نجيب محفوظ ظُلم كثيرا بحصر موهبته في منطقة الرواية، في حين أن إنجازه في القصص القصيرة رائع، وكان التصنيف في فترته يذهب لحصر محفوظ في مجال الرواية ويوسف إدريس في مجال القصة القصيرة، في حين أن القصة القصيرة لدى محفوظ بها درجة من التكثيف المدهش، فتقريبا 35% من إنتاجه قصص قصيرة وليست رواية، أي تقريبا ثلث إنتاجه، وبها تطور رهيب، "الحرافيش" نفسها كانت بدايتها قصة قصيرة، نشرت في مجلة، ثم تطورت بذرتها وهي قصة "فتوة العطوف" لتصبح ملحمة وتشكل عالم الفتونة، بعد 25 سنة وتتحول إلى "الحرافيش".
وماذا عن جديدك في الرواية بعد "شارع بسادة"؟
لدي رواية بدأت في كتابتها منذ فترة، وكتاب نقدي كذلك عن تحولات الرواية في الألفية الثالثة في مصر، وما شجعني هو عدم وجود مادة نقدية كافية عن هذه المرحلة وعن هذا الجيل من الكتاب، النقد في مصر في أزمة، أصبح يلهث وراء الندوات وحفلات التوقيع، ولم تعد هناك دراسات نقدية مطولة والأكاديميون مشغولون عن ذلك، أصبحت متابعات نقدية وليست دراسات.
aXA6IDMuMTQ0LjIxLjIwNiA= جزيرة ام اند امز