ما الصمت العقابي.. وكيف يمكن أن يسيء إلينا عدم التواصل؟
ممارسة الصمت العقابي في العلاقات بين الأزواج ومع الأطفال يفسد التواصل، ويتسبب في أذى وإحباط يؤثر على الصحة النفسية.. اعرفوا كيف يمكن إيقافه والتعامل معه؟
كيف كان شعورك حين كان أصدقاؤك يرفضون اللعب معك صغيرا؟ وحين كان زملاء العمل يكتفون بحديث جانبي لا يهتمون خلاله بالتواصل؟ أو عندما تجاهلك زوجك بعد عودته متأخرا ورفض الحديق معك لأيام؟ الإقصاء ورفض التواصل وخلق رابطة اجتماعية سواء بالكره أو المحبة، هو واحد من التجارب القاسية التي تترك بالنفس ندوبا، وأحد أشكالها هو الصمت العقابي الذي حذر كثير من أطباء علم النفس من تأثيره النفسي والبدني.
ما هو الصمت العقابي؟
ليس المقصود به الصمت العادي حين لا تجد ما تقوله، أو لا تقوى على الكلام، ولكنه الصمت الذي يعلن عن موقف أو يتم استخدامه كاستراتيجية، فيتبع أحد الطرفين الصمت ورفض التواصل كسلوك مؤذي هدفه أن يُشعر الطرف الآخر بعدم القيمة أو الأهمية، أو رغبة في التجاهل وإنكار المسئولية.
حسب ما يطرحه موقع verywellmind يأتي الصمت كعقاب مزعج يتسبب في تآكل العلاقة بين أي طرفين، وكأنه إعلان من الطرف الآخر أنه لم يعد يعترف بوجودك، فإذا كان هناك خلاف حول أمر ما يرفض الحديث عنه بشكل تام، مما يجعلك تشعر بالإهانة والضعف والأذى، وأنك غير محبوب وغير راضي عن نفسك، ويتملكك الشعور بخيبة الأمل.
أسباب استخدام الصمت العقابي
فهم السبب وراء اختيار الصمت عند الخلاف أو نتيجة نقاش محتدم يبدو صعبا، ويحتاج لفهم سيكولوجية الطرف الآخر، فهل هو متعمد الإيذاء؟ ويرغب في التحكم بسلوكك وعقابك؟ أم أن تفاعله مع الموقف نابع من شعوره بالثقل وعدم القدرة على التواصل مع مشاعره وأفكاره؟ وقد يكون في حالة من الضيق العاطفي واضطراب الصحة النفسية الذي يدفعه إلى الانغلاق على نفسه وعدم القدرة على التواصل.
بينما يشير أحد متخصص علم النفس عبر موقع كليفلاند كلينك أن الصمت لعقابي قد يكون سلوك مكتسب اعتاده الشخص، ولا يدرك أنه خاطئ ومؤذي، على العكس يعدَّه طريقة جيدة لتجنب الصراع والمشاعر الصعبة، نتيجة نشأته في أسرة اعتمدت الصمت أسلوب للعقاب.
ولخص موقع Healthline الأسباب التي قد تدفع الأشخاص إلى استخدام الصمت لإعلان موقف إلى:
التجنب: محاولة لتجنب مواجهة مشاعر صعبة وعدم القدرة على اتخاذ رد الفعل المناسب أو الحديث لملائم، ولذلك يكون التجنب هو الحل بالنسبة لهم.
التواصل: عندما يفقد القدرة على التواصل والتعبير عن مشاعره، ويستخدم الصمت كوسيلة للتعبير عن إنزعاجه وضيقه من موقف ما، متأملا أن يلاحظ الطرف الآخر ذلك.
العقاب: هنا يتحول الصمت إلى شكل من أشكال التلاعب العاطفي والإساءة، فتعمد الصمت ليكون عقابا هدفه ممارسة السيطرة والتحكم بالشخص الآخر.
علامات الصمت العقابي
يجب التمييز بين الصمت الطبيعي الناتج عن الغضب أو عدم القدرة على التواصل في الوقت الحالي، والصمت الذي يهدف إلى النبذ العاطفي والتجاهل، ويمكنك تمييز إذا ما كان الطرف الآخر يمارس عليك العقاب بالصمت من خلال مجموعة من العلامات التي تظهر في العلاقة بينكما:
- التجاهل لأيام وأسابيع أحيانا عن عمد.
- رفض التحدث إليك أو التواصل بالعين، أو الرد على على المكالمات والرسائل النصية.
- لا يتحدث إلا إذا اعتذرت وقررت عدم الخوض في الموضوع مثار المشكلة الأساسية.
- هدف الصمت العقابي هو تحجيم محاولاتك للحديث وحل النزاع أو توضيح وجهة نظرك.
- عدم مشاركة تفاصيل اليوم، أو حتى إخبارك عندما يرحل أو يعود.
- يتعمد التحدث للآخرين أمامك، وعدم التحدث لك.
- تشعر في أثناء صمتهم بالقلق والذنب والخجل، وتفقد ثقتك بنفسك.
آثار الصمت العقابي على العلاقات
تأثير الصمت العقابي على العلاقات العاطفية قد يتسبب في كثير من الآثار النفسية والاجتماعية، فقد يؤدي إلى:
- ينتج عنه إهمال عاطفي وشعور الطرف الممارس عليه الصمت بالغضب والإحباط.
- الشعور بالارتباك والشك في الذات.
- عدم الرضا عن العلاقة، نظرا لأن الاحتياجات العاطفية لا يتم تلبيتها ويتعمد الطرف الآخر تجاهلها.
- يعاني الأزواج من ضعف التواصل وفقد الحميمية.
- تزايد الشعور بالقلق وعدم الاستقرار .
أسباب اكتئاب ما قبل الزواج.. وكيفية التخلص منه في 5 خطوات بسيطة
الصمت العقابي في الزواج
استخدام الصمت العقابي في الزواج ومع شريك العمر، يمكنه أن يدمر الشراكة الزوجية ويؤثر على الروابط التي خلقها الطرفان من محبة وحميمية وتواصل، ويبدأ عندما يشعر طرف في العلاقة بالغضب أو الرفض لموقف ما قام به الطرف الآخر، و عندما يقوم هو بفعل يريد التنصل منه، فيقرر الصمت والتجاهل والانسحاب.
ومع طول مدة الصمت، يحاول الطرف الآخر أن يتوسل للنقاش وحل الأمر، بينما يقرر الطرف الصامت ألا يخرج عن صمته إلا بإرضاخ الطرف الثاني (الزوج، أو الزوجة) لما يريده، ويسعى للسيطرة عليه، وعندها يجب اللجوء لطرق مختلفة للتعامل مع هذا الصمت، عن طريق:
- عدم الاستسلام لسيطرته والخضوع لصمته.
- ممارسة حياتك بشكل طبيعي، بالخروج والعمل وعدم التعامل مع صمته بشكل شخصي.
- إخبار الطرف الصامت أن الأمر لن ينجح بهذه الطريقة، وأنك مستعد/ة للحديث في الأمر وقتما أراد ذلك.
- عند التحدث، يجب الانتباه إلى مشاعره وأن اتباعه هذا الأسلوب نابع من عدم القدرة على التعبير عن المشاعر بصورة صحيحة.
- محاولة إدارة الحوار لصالحك، وعندما يبدأ في الهجوم وإلقاء اللوم، يتم تركه ينتهي من إفراغ مشاعره.
- طلب الهدوء، ثم منحه بعض الوقت كي يهدأ ويعود للنقاش بطريقة صحيحة.
- من الأفضل مساعدته على اللجوء لمتخصص دعم نفسي وعاطفي ومتخصص في العلاقات الزوجية، لتحسين التعامل مع هذه المواقف المتكررة.
من الممكن ألا تؤدي هذه الخطوات إلى تحسين الأمر على الفور، ولكن الامر يحتاج إلى صبر وتعاون وحرص على العلاقة الزوجية من الطرفين، ومحاولة إنجاح التواصل بينكما، وإذا لم يكن هناك أمل في التغير والتحسن، قد تقررا معا الحل النهائي، حتى يتوقف هذا النمط من العنف النفسي، ولا يتطور إلى أشكال أخرى أكثر أذية، ويجعل الزواج على بُعد خطوة من الطلاق.
الصمت العقابي والأطفال
للأسف، تبدأ ممارسات الصمت العقابي من الطفولة، فغالبا ما تعرّضت في طفولتك إلى هذا النمط من العقاب، حين يرفض الأب أو الأم الحديث إليك وتوضيح وجهة نظرهما أو الخطأ الذي قمت به، ويمتد تأثر الطفل بالصمت العقابي حتى مرحلة البلوغ.
وإذا كنت تظن أن الصمت العقابي قد يكون أسلوب جيد للتأديب، فالحقيقة أنه يجعل طفلك:
- يشعر الطفل بالعجز والخوف والقلق المستمر.
- تتسبب في شعور الطفل أنه غير مرغوب به، ولا يتمكن من التعبير عن مشاعره.
- يفقد الشعور بالأمان من والديه، وتنكسر الرابطة بينه وبينهم، وقد يزيد ذلك من سلوكه العدواني كرد فعل غير واعي.
- يظهر سلوك تجنبي على الطفل، ويسيطر عليه الشعور بالذنب وعدم احترام الذات.
- من الممكن أن يحوله إلى طفل اعتمادي، ولديه هاجس بالكمال والسعي إلى إرضاء والديه باستمرار.
- يجب أن ينتبه الآباء إلى السلوك التأديبي الذي يقوموا باتباعه، وتأثيره النفسي على أطفالهم في المستقبل.
كيفية التعامل مع الصمت العقابي
اتباع الصمت العقابي في العلاقات العاطفية يحولها إلى شكل من أشكال العلاقات السامة التي يفتقد فيها الطرفان القدرة على التواصل بطريقة صحية وواضحة، فمع وجود طرف سواء الرجل أو المرأة يتعمد الصمت لإيذاء الشخص وإجباره على تغيير سلوكه والتحكم به، يؤثر في النهاية على صحة العلاقة ويجعل الطرف الآخر يعاني من المشاعر السلبية.
وعندها، يجب اللجوء إلى طريقة للتعامل مع هذا الصمت ووقف تأثيره على صحتك النفسية من خلال:
وضع حدود صحية
يجب ألا تسمح للطرف الآخر بالتعدي، ولا تعتذر لإرضائه، فقط الاعتذار عندما تُخطئ، وأن تكون واضحا في إخباره بأن فعله مؤذي ةغير صحي لعلاقتكما.
التحدث بوضوح وثقة
أنت لست في موقف ضعف ولا تقع تحت سيطرة الطرف الآخر، ولذلك عليك باللجوء إلى التواصل الصحي الذي يضمن لك الحفاظ على سلامك النفسي، وحتى وإن كنت ترغب في الصراخ وينتابك الإحباط من صمته، فقد تقوم (أو تقومين) بالتحدث بشكل واضح عن مشاعرك، دون إلقاء اللوم لتهدئة الوضع، مثل قول "لقد شعرت بالأذى والإحباط"، أو ذكر موقف محدد "لقد استبعدتني عندما...، متى يمكننا التحدث عن الأمر ؟".
الرعاية الذاتية
من المنهك أن تتعرض للصمت ولا تملك القدرة على التعبير عن غضبك وإحباطك، في وجود شخص لا يتمتع إليك، لذلك يجب القيام بانشطة تخفف من الضرر الواقع عليك، مثل: اليقظة الذاتية التي تجعلك تدرك قيمتك وأهميتك بعبد عن هذا الصراع، كتابة يومياتك وما تشعر به، التحدث إلى صديق تثق به.
الأمر ليس شخصيا
لا تبقي بالمسئولية على نفسك، وتعتبر أن ما يحدث نتيجة لوجود عيب فيك، ولكنه اختيار من الشخص الآخر وخلل في تعامله مع مشاعره وأفكاره، وأن تدرك أن المشكلة ليست أنت، ولكنه الطرف لآخر الذي يحتاج إلى تطوير نفسه.
حافظ على هدوئك
من الممكن أن يبدو هذا طلب تعجيزي لا يمكن القيام به، في ظل التعرض لهذا الكم من الإرهاق النفسي والعاطفي، ولكن حاول أل تتأثر عاطفيا بما يفعله من تعمد للصمت والتجاهل، والإصرار على إهانتك عاطفيا وإهمالك، فيمكن لهدوئك أن يستفزه ويوضح وجهة نظرك بأن الصمت ليس هو الحل للتعامل مع المشكلة.
التعامل مع الصمت العقابي وفهم أسبابه ودوافعه يبدو مرهقا للصحة النفسية، ولكن إذا كنت تحرص على علاقتك مع الطرف الآخر فيجب أن تتحلى بالصبر، وتحاول أن تصحح المسار، في ظل رعايتك لذاتية لنفسك.
aXA6IDE4LjIyMC4yMDYuMTQxIA== جزيرة ام اند امز