إيران تستغل هجوم الروضة الإرهابي لاستعراض مليشياتها أمام مصر
في رد فعل غير مسبوق، سارعت مليشيا الحشد الشعبي الموالية لخامنئي وطهران وحزب الله لإصدار بيانات تعرض على مصر تكرار تجربة الحشد.
سارعت إيران والمليشيات الموالية لها -بشكل غير مسبوق- لاستغلال الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة بشمال سيناء المصرية في استعراض قوتها، ودعوة مصر للاقتداء بتجربة توظيف مليشيات في مواجهة الإرهاب.
ففي بيان غير معتاد أصدرته مليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران في العراق، الجمعة، أدانت فيه الهجوم، قائلة: "نقف معكم في هذه المعركة التي بدأت داعش بتوسيعها في أجساد المصريين، كما وسعتها وأباحت أجساد مواطنينا في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وعلى امتداد خريطة العالم العربي الإسلامي".
وفي إشارة يدعو من خلالها مصر إلى تكرار تجربة مليشيا الحشد الشعبي الطائفية، قال إن "داعش الذي يضرب مصر اليوم ولا يستثني في ذلك مسجدا أو كنيسة أو مركز شرطة مارَس نفس النهج والأسلوب طيلة السنوات الماضية في العراق، لكن إرادة العراقيين وفتوى الإمام السيد علي السيستاني وقرار الدولة العراقية أوقفت هذا التنظيم الإرهابي، وأدبته، ونالت منه، وهو اليوم مطارد في الصحراء هارب لا يلوي على شيء".
وفتوى السيستاني مقصود بها ما أطلق عليه "فتوى الجهاد الكفائي" التي سارع المرجع الشيعي لإصدارها عقب اجتياح داعش السهل والمثير للتساؤلات للعراق 2014، وحينها تذرع بأن الجيش العراقي غير قادر على حماية البلاد، وأفتى بجواز تكوين مليشيات تحمل السلاح بحجة محاربة الإرهاب.
وخاطب المتحدث الرسمي باسم مليشيا الحشد الشعبي أحمد الأسدي في البيان المصريين قائلا: "لقد انتصر العراقيون بهمة الحشد الشعبي، والقوات المسلحة العراقية، ووحدة أبناء الشعب العراقي، ولن يواجه هذا التنظيم الإرهابي إلا بإرادة الأمة وأبنائها وإصرارها وقرارها الثوري".
ووضع الأسدي الحشد الشعبي قبل القوات المسلحة العراقية، في إشارة إلى تضخم دور هذه المليشيا، وإرجاعه الفضل فيما يسميه بهزيمة داعش إليها، كما يشير -كعادة المليشيات الموالية لإيران- بكلمة القرار الثوري إلى ثورة الخميني.
وتابع أن "المصريين أهل عزيمة وإرادة صلبة، ومن هنا فإن القضاء على هذا الوباء يتطلب إرادة جامعة للأمة للتصدي للفكر التكفيري المتطرف ونبذه ومحاربته".
وتحمل عبارة المتحدث باسم المليشيا الخاصة بـ"إرادة جامعة للأمة للتصدي للفكر التكفيري" الدعوات الإيرانية الحثيثة لمصر بإعادة تطبيع العلاقات معها، كخطوة ترجوها إيران لمد أذرعها في عروق مصر باسم السياحة لمزارات آل البيت والاستثمار والتعاون في مكافحة الإرهاب.
ووقع الهجوم الإرهابي بالتزامن مع صلاة الجمعة؛ حيث كان مسجد الروضة يحتشد بالمصلين، وزرع الإرهابيون عبوة ناسفة، وعقب انفجارها وهرولة المصلين خارج المسجد تلقاهم الإرهابيون الذين كانوا يحاصرون المسجد بالأسلحة الرشاشة التي أوقعت 305 شهداء وعشرات المصابين، واستهدفوا طواقم الإسعاف كذلك.
بصمات إيرانية
واستهداف المساجد أثناء الصلاة وطواقم الإسعاف أسلوب يحمل بصمات إيرانية تم استخدامه بكثافة في العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان، ولكن كانت تتوارى تحت أسماء تنظيمات إرهابية أخرى تدعي أنها سُنيَّة.
وكشف عن الدور الإيراني في ذلك زلماي خليل زاده السفير الأمريكي في العراق في الفترة من 2005- 2007.
وقال في مذكراته العام الماضي عن بعض أسرار التحالف بين إيران وأمريكا للإطاحة بنظام صدام حسين، ثم تهيئة العراق لعهد جديد، يسمح فيه لإيران حرية الحركة هناك أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش سمحت لإرهابي قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بمليشيا الحرس الثوري الإيراني بالدخول للعراق عام 2006، والمشاركة في ترتيبات ملف رئاسة الحكومة لتعيين شخصيات موالية لإيران، عبر تعيين نوري المالكي بدلا من إبراهيم الجعفري.
وأضاف أنه شخصيا كان قلقا من تزايد النفوذ الإيراني، خاصة مع مشاركة الإيرانيين في التفجيرات التي تسببت في إشعال الفتن الطائفية في العراق واستهدفت مساجد وتجمعات دينية ومدنية؛ في محاولة من طهران لتقديم نفسها للعراقيين الشيعة على أنها الحامي الوحيد لهم، وأن المليشيات الشيعية (التي يصنعها الحرس الثوري الإيراني) هي المدافع عنهم.
استغلال إيراني
وفي إيران، أصدرت وزارة الخارجية بيانا يدين الهجوم على مسجد الروضة، قال فيه المتحدث باسم الوزارة برهام قاسمي إن مواجهة مثل هذا الإرهاب تتطلب من دول المنطقة مواجهته "بشكل جماعي".
وكذلك قالت مليشيا حزب الله الموالية لإيران في لبنان، في بيان لها حول هجوم مسجد الروضة المصري إنها تجدد الدعوة "للعمل الجاد والمسؤول" في مواجهة الإرهاب والدول التي تدعمه.
وتتوارى خلف "الكلمات المعسولة" التي توجهها إيران ومليشياتها إلى مصر الضربات الدامية التي شاركت فيها مليشيات إيران للشعب المصري ومؤسساته منذ دعمها لاغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات 1981 الذي طالما فضح جرائم مرشد إيران الأول الخميني، ومتاجرته بالدين، وعلاقته بإسرائيل.
ك
ودعمت إيران الجماعات الإرهابية التي نشطت في استهداف قوات الأمن ومؤسسات الدولة في تسعينيات القرن الماضي، وعلى رأسها "الجماعة الإسلامية".
وأثبتت عدة تحقيقات وتقارير أمنية ضلوع مليشيات موجهة من إيران مثل حزب الله، إضافة لمنظمات حليفة لها في قطاع غزة، في اقتحام الحدود المصرية وأقسام الشرطة والسجون وقتل الكثير من رجال الشرطة والمساجين والمتظاهرين عبر أسلوب القنص، ونشر أعمال الحرق والتخريب ضد مؤسسات الشرطة والقضاء وغيرها في أحداث 25 يناير 2011.
وهو ما باركه مرشد إيران علي خامنئي في خطبة وجهها خصيصا باللغة العربية إلى الشعب المصري يهنئه على تلك الأعمال "الثورية" التي تسببت في إعلان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تنحيه عن الحكم، وهو المعروف بتصريحاته العلنية التي تحذر من خطر إيران.
وبخلاف ذلك، تشارك إيران في محاولة إغراق مصر بالمخدرات، كما تفعل في العراق.
كما رصدت الأجهزة المصرية محاولات لتهريب شحنات محملة بالأسلحة الإيرانية إلى مصر، من بينها في إبريل/نيسان الماضي الذي عثرت فيه أجهزة الأمن على أسلحة مكتوب عليها بالفارسية "صنع في إيران" في مزرعة لأحد قيادات جماعة الإخوان الإرهابية -حليفة إيران- في محافظة البحيرة شمالي مصر.
ومن بين هذه الأسلحة المضبوطة ألغام وقنابل ومواد تستخدم في تصنيع المتفجرات.
وفي يوليو/تموز 2017، وجهت الخارجية الإيرانية رسائل "تهديد مبطن" إلى القاهرة في بيان تستعرض طهران فيه عضلاتها بأن الوضع تغير في المنطقة بعد أن تمددت في سوريا والعراق تحت لافتة "محاربة الإرهاب".
وفي البيان طالب برهام قاسمي كذلك مصر بأن تقدم "تسهيلات" للسائحين الإيرانيين في زيارة الأماكن التاريخية والحضارية.
وتتخذ إيران وجود من السياحة الدينية لأضرحة لآل البيت في مصر، وسيلة للتغلغل في مصر مثلما فعلت في العراق وسوريا، تحت لافتة "حماية المراقد المقدسة".
وتبدأ إيران في ذلك بإرسال سائحيها لزيارة الأضرحة، ثم تقدم تبرعات وأموالا بحجة ترميمها وتوسيعها، وتقيم تجمعات إيرانية حولها باسم الاستثمار، ثم تفرض ضغوطا وشروطا بالسماح للإيرانيين بممارسة الطقوس الدينية عند الأضرحة في المناسبات المرتبطة بها.
وعقب ذلك تعلن إنشاء الحسينيات (والتي تقيمها في البداية بشكل متستر تحت اسم الحضرات الصوفية)، تنشر خلالها فكرها الطائفي والولاء لإيران بين أهل البلد، وصولا إلى استقطابهم لتكوين مليشيا تحمل السلاح على غرار حزب الله في لبنان ومليشيات الحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن والحركة الإسلامية في نيجيريا، لتقوم بعمليات تغيير ديموغرافي في تركيبة السكان لصالح إيران.
وخلال الاجتماعي الوزاري الطارئ الذي عقدته جامعة الدول العربية العام الماضي، وجه وزير الخارجية المصري سامح شكري أصابع الاتهام لإيران في استغلالها للطائفة الشيعية في عدة بلدان كمبرر للتدخل المسلح في شؤون تلك الدول.
وجاءت هذه التصريحات ردا على التهديدات التي وجهتها إيران إلى المملكة السعودية بحجة أنها لا تحمي الشيعة المقيمين في شرق المملكة.
وقال إنه "من الواضح بالنسبة لنا في مصر أن التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية ساهمت بشكل كبير، فيما آلت إليه الأوضاع المتدهورة التي بلغناها من تراجع لمفهوم الدولة ودورها، ومن تنامٍ لمساحة الحركة المتاحة للاعبين خارجين عن القانون، من أهمهم المليشيات المسلحة والقوى الطائفية".