في لحظة فارقة تحاول فيها الأطراف الإقليمية والدولية إعادة توجيه مسار الحرب في السودان نحو تسوية قابلة للتطبيق،
يظل نفوذ جماعة الإخوان وهيمنتها على قرارات الجيش عاملا حاسما في إطالة أمد الصراع.
ومنذ استيلاء الجبهة الإسلامية، الواجهة السياسية لتنظيم الإخوان في السودان، على السلطة عبر انقلاب يونيو/حزيران 1989، بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، تغلغل التنظيم في مفاصل الجيش السوداني، وأضحى متحكماً في قراراته.
ولم تستطع قيادات الجيش الحالية الانفكاك من دائرة نفوذ الإخوان، سواء داخل الجيش، أو في عموم المنظومة العسكرية والأمنية بالسودان.

وفي ظل تصاعد النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، يجمع كثير من المراقبين على أن الاستمرار في الحرب، وعدم الاستجابة لكل المبادرات الدولية والإقليمية الداعية للسلام، سببه تهرب قيادات الجيش السوداني من استحقاقات السلام، بسبب خضوعها لأجندة تنظيم الإخوان الذي أشعل الحرب بغرض العودة إلى السلطة محمولاً على أفواه البنادق والمدافع الثقيلة.
رؤية دولية واضحة
وعلى الرغم من أن الأسبوع الماضي شهد تطوراً مهماً في مسار الأزمة السودانية، حيث اجتمع في واشنطن وفدان من طرفي النزاع ، الجيش وقوات الدعم السريع، في محاولة لتقريب وجهات النظر.
إلا أن تطور المعارك الحربية في الفاشر بشمال دارفور غربي السودان، طغت على المشهد التفاوضي، وهو الأمر الذي ارتفعت معه أصوات الرافضين للحل السياسي مرة أخرى، ومجدداً عادت قيادات الجيش السوداني إلى خانة التردد والتهرب من مسارات الحلول السلمية.
الولايات المتحدة باعتبارها عضوا في المجموعة الرباعية التي تقود جهود حل الأزمة في السودان إلى جانب الإمارات والسعودية ومصر، أعلنت بوضوح أن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين وأنصار النظام السابق في مستقبل السودان "خط أحمر".
وعبرت الرباعية عن هذا الموقف بوضوح في خريطة طريق طرحتها في 12 يوليو/تموز الماضي بهدف الوصول إلى السلام في السودان.
كما أعادت الرباعية طرح خطة تتضمن وقفًا لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر كهدنة إنسانية، تمهيدًا لعملية سياسية تمتد لتسعة أشهر، بهدف إنهاء الصراع وتهيئة الأجواء لسلام دائم، لكن الجيش السوداني رفضها.
الإخوان وخطة الرباعية
وفي وقت حُظيت فيه جهود الرباعية بتأييد كبير من القوى السياسية المدنية السودانية الرافضة للحرب، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة في كيفية دفع قيادات الجيش السوداني للامتثال للحل التفاوضي السلمي بعيداً عن أجندة الإخوان.
وبحسب مراقبين في السودان، فقد شكل التدخل الخفي لتنظيم الإخوان في اختطاف قرارات الجيش السوداني، ومن ثم تجريفها بعيداً عن أي تسوية سلمية يترقبها الشارع السوداني، عنواناً بارزاً وراء كل الإخفاقات السابقة التي صاحبت تاريخ المبادرات الدولية والإقليمية لإنهاء النزاع في السودان.
فائز السليك، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، يرى أن "غياب الإرادة المستقلة لقيادات الجيش السوداني عن أجندة التنظيم الإخواني، يمثل أكبر عائق أمام أي جهود دولية وإقليمية لإنهاء الحرب، لارتباط ذلك بمستقبل الوضع السياسي للتنظيم وتشكيل المشهد لما بعد الحرب".
وقال السليك في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "هذه الحرب أشعلها التنظيم الإخواني بهدف إعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء، ولذلك لن يقبل أي وقف للحرب لا يعيد الأوضاع لما قبل أبريل/نسيان ٢٠١٩ (تاريخ سقوط نظام الإخوان عبر ثورة شعبية في السودان)".
وأكد أن التنظيم الإخواني المسيطر تماماً على الجيش السوداني وقراراته، إضافةً إلى وجود مليشيات تابعة له ومنخرطة في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، سوف يضع كل العقبات في طريق أي مبادرة لوقف الحرب.
وأشار السليك إلى دور التنظيم الإخواني في إفشال الجهود الدولية والإقليمية السابقة في "جدة" و"المنامة" و"جنيف" من خلال تحريك مواقف قيادة الجيش السوداني للهروب من أي التزامات قد تتمخض من تلك المبادرات السابقة.
وزاد: "حتى لو وافق بعض العسكريين في الجيش السوداني، على نتائج الرباعية، وكانت لديهم رغبة في وقف الصراع، فلن ينجحوا لأنهم تيار ضعيف مقارنة مع تيار الإخوان المتمدد داخل مفاصل هيئة الأركان والاستخبارات للجيش السوداني"، على حد قوله.
تراجع عن المنامة
وفي بدايات العام 2024، وثقت منصات التواصل الاجتماعي في السودان، حملة إعلامية شعواء أطلقها أفراد وجماعات تنتمي للتنظيم الإخواني، ضد اتفاق "المنامة" الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى في 20 يناير/كانون الثاني 2024، بواسطة شمس الدين كباشي مُمثلاً للجيش السوداني، وعبد الرحيم دقلو مُمثلاً لقوات الدعم السريع، في مدينة المنامة عاصمة دولة البحرين، بعد شهرين من اتفاق جدة الثاني. وقد تمت تسمية الاتفاق المكوّن من 21 بنداً "وثيقة مبادئ وأسسِ الحلِّ الشامل للأزمة السودانية" (اتفاق المنامة).
وكانت الحركة الإسلامية، الواجهة السياسية للتنظيم الإخواني، أعلنت صراحةً رفضها التام للاتفاق، وعزمها على مقاومته بكل الوسائل.
وبحسب تحليلات مراقبين في ذلك الوقت، فإن معارضة "الإخوان" لاتفاق المنامة سببه أنه كان مُشروطاً بضرورة تفكيك نظام الإخوان وعزلهم، فضلاً عن تأكيده على الالتزام بالقبض على الملاحقين والهاربين من السجن من العناصر الإخوانية التي تم توقيفها بعد الثورة السودانية في أبريل/نيسان 2019.
وأضاف الاتفاق إلى ذلك صراحةً وبوضوح تيسير مثول المطلوبين من قيادات التنظيم الإخواني، والذين صدرت بحقهم أوامر قبض من المحكمة الجنائية الدولية.
وتراجعت قيادات الجيش السوداني عن المُضي في اتفاق المنامة بسبب هذه الحملة التي قادها عناصر التنظيم الإخواني لتقويض الاتفاق في مهده، وهو ما عدّه مراقبون دليلاً إضافياً على سيطرة التنظيم الإخواني على قرارات الجيش السوداني.
فشل تجربة جنيف
وفي أغسطس/آب من العام 2024، انعقدت في مدينة جنيف في سويسرا، الاجتماعات التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والهادفة إلى وقف الحرب في السودان.
وشاركت في هذه الاجتماعات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد ودولة الإمارات ومصر وسويسرا، إلى جانب أمريكا والسعودية (مجموعة ما عرف باسم "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام في السودان").
وتواصلت الاجتماعات على الرغم من مقاطعة الجيش السوداني لها، وعلى الجانب الآخر شارك وفدٌ يمثل الدعم السريع فيها.
ووفق مراقبين، فإن رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماعات جنيف، جاء بسبب ضغوط مكثفة مارسها التنظيم الإخواني على قيادة الجيش بهدف مقاطعة أي مبادرات قد تقود إلى تسوية سياسية تُخرج جماعة التنظيم من المشهد السياسي بعد إيقاف الحرب.
ورغم أن أن الجيش السوداني وافق تحت ضغوط ٍ دولية في 18 أغسطس/آب 2024 على إرسال وفدٍ حكومي إلى القاهرة للقاء المبعوث الأمريكي آنذاك، توم بيريللو، والحكومة المصرية، لبحث تنفيذ مخرجات جدة كمدخلٍ لمشاركة الجيش في اجتماعات جنيف.
إلا أن وفد الجيش السوداني لم يصل القاهرة، وحينها كتب بيرييلو الذي بقي في القاهرة لمدة يومين في انتظار الوفد على منصة إكس: "كانت الحكومة المصرية قد حددت موعداً لعقد اجتماع مع وفدٍ للحكومة قادمٍ من مدينة بورتسودان، لكن قيل لنا إنه قد تم إلغاء الاجتماع بعد أن خرق الوفد البروتوكولات".
 
                                                        
                                                     
                                                        
                                                     
                                                        
                                                     
                                                        
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                     
                                                            
                                                    