في إقليم دارفور سقطت مدينة الفاشر من يد الجيش السوداني، لتتحول خسارتها إلى محطة فاصلة في الصراع، ليس فقط ميدانياً، بل سياسياً أيضاً.
إذ كشفت عن فشل عسكري متراكم وقرار سياسي خضع لتأثير التيار الإخواني الذي هيمن على المؤسسة العسكرية.
فالفاشر ليست مجرد مدينة في غرب السودان، بل بوصلة استراتيجية تربط بين دارفور الكبرى وشمال السودان ووسطه.
منذ قرون كانت مركزاً حضارياً مزدهراً وملتقىً للتجارة والثقافة، لكنها اليوم أصبحت عنواناً لمرحلة جديدة من الحرب، ورمزاً لسقوط مسار اختار السلاح بديلاً للتفاوض.
موقعها الجغرافي جعلها قلب دارفور النابض وممراً حيوياً بين مناطق السودان المختلفة، ولهذا ظلت المدينة تمثل مركز الثقل العسكري للجيش في الغرب، بينما اعتُبرت السيطرة عليها من قبل قوات الدعم السريع نقطة تحول رئيسية في موازين الحرب داخل الإقليم.
لم تكن خسارة الفاشر عسكرية فقط، بل سياسية أيضاً.
فمنذ اندلاع الحرب، ظل الجيش السوداني يتنصل من مبادرات السلام ويتراجع عن مسارات التفاوض الإقليمية والدولية الواحدة تلو الأخرى، مفضلاً خيار الحسم العسكري على أي تسوية سلمية.
هيمنة التيار الإخواني داخل المؤسسة العسكرية عمّقت هذا الاتجاه، إذ ظل القرار السياسي والعسكري في يد مجموعة متمسكة بالحرب كوسيلة لإعادة النفوذ الذي فقدته بعد سقوط نظام عمر البشير عام 2019.
وبينما كانت الفرص متاحة لوقف النزاع عبر وساطات متعددة، اختار الجيش الاستمرار في القتال، ما أدى إلى اتساع رقعة الدمار وتدهور الأوضاع الإنسانية في الإقليم.
ويجسد سقوط الفاشر فشلاً مزدوجاً ميدانياً في إدارة المعارك، وسياسياً في غياب الرؤية الوطنية للحل.
فالجيش فقد آخر معاقله في دارفور بعد أن تراجع نفوذه في معظم ولايات الغرب، كما فقد كثيراً من قدرته على التحكم في مجريات الحرب.
وأصبح فقدان المدينة دليلاً على أن الحرب تجاوزت حدود الميدان إلى أزمة قيادة وقرار، بعدما خضعت المؤسسة العسكرية لتأثيرات داخلية متناقضة حالت دون أي مسار واقعي نحو السلام.