الأوبك تعتبر أن مستوى المخزون الراهن لدى أمريكا مرتفع للغاية، حيث يبلغ ما يغطي نحو 99 يوما من الواردات الأمريكية الصافية من النفط الخام والمنتجات
فاجأ الرئيس الأمريكي ترامب الأسواق يوم الأربعاء الماضي (24 مايو)، وقبل يوم واحد من اجتماع منظمة الأوبك والمنتجين خارجها للتباحث في تمديد اتفاق خفض الإنتاج، بإعلان عزم إدارته بيع نحو نصف مستوى المخزون الاستراتيجي الأمريكي من النفط الخام (أي نحو 344 مليون برميل) على مدى عشر سنوات، لدعم الموازنة الأمريكية بخفض مستوى العجز الفيدرالي.. ويأتي هذا القرار ليوسع من قرارات سابقة للكونجرس اتخذت منذ عام 2015 ببيع جزء من هذا المخزون.. وقد أدى هذا القرار إلى خلط وتشوش كبيرين، بما يدفع نحو محاولة توضيح الصورة الإجمالية للقرار وما يمكن أن يتولد عنه من آثار في الأسواق العالمية.
عن أي مخزون نتحدث
بداية ينبغي أن نميز بين نوعين من المخزون في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهناك أولا المخزون التجاري من النفط الخام، وهو المخزون الذي تحتفظ به كل من الشركات والمصافي بغرض تأمين استخدامها لفترة زمنية قادمة، وكان هذا المخزون عرضة للتذبذب دائما، بناء على التطورات المختلفة التي يشهدها السوق سواء من حيث الأساسيات (العرض والطلب والأسعار)، أو في حالة حدوث تطورات غير طبيعية تؤثر على السوق بخلاف الأساسيات، وعلى الرغم من التذبذب، إلا أن هذا المخزون اتجه بشكل عام نحو الارتفاع منذ الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2014، حيث بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عند نحو 535.5 مليون برميل في نهاية مارس 2017، وذلك منذ البداية المسجلة لهذا النوع من المخزون في هيئة معلومات الطاقة الأمريكية في 20 أغسطس 1982.. وقد انخفض المخزون إلى 516.3 مليون برميل في 19 مايو الماضي، إلا أنه ما زال يعد مستوى مرتفعا للغاية، فمنظمة الأوبك تعتبر أن مستوى المخزون الراهن لدى أمريكا مرتفع للغاية، حيث يبلغ ما يغطي نحو 99 يوما من الواردات الأمريكية الصافية (أي الواردات مخصوما منها الصادرات) من النفط الخام والمنتجات، حيث بلغت هذه الواردات الصافية يوم 19 مايو الماضي نحو 5.2 مليون برميل يوميا، وهذا المخزون هو الذي تستهدف العمل على خفضه قرارات منظمة الأوبك بخفض مستوى الإنتاج.
الأوبك تعتبر أن مستوى المخزون الراهن لدى أمريكا مرتفع للغاية، حيث يبلغ ما يغطي نحو 99 يوما من الواردات الأمريكية الصافية من النفط الخام والمنتجات
أما النوع الثاني من المخزون فهو المخزون الاستراتيجي الذي بدأت الدول المستهلكة للنفط في تكوينه بناء على قرار من وكالة الطاقة الدولية التي تم تأسيسها في عام 1974، وينص قرار الوكالة على أن يكون مستوى المخزون الاستراتيجي والمخزون التجاري في الدول الأعضاء معادلا لثلاثة أشهر من الواردات الصافية من النفط الخام والمنتجات، وعلى أن يتم استخدام وتدوير هذا المخزون بين الدول أعضاء الوكالة (24 دولة من كبار الدول المستهلكة للنفط) إذا ما تعرضت الإمدادات النفطية لأي أحداث طارئة بخلاف التطورات الجارية في الأسواق، ويقصد بالأحداث الطارئة تعرض إحدى أو بعض الدول المنتجة أو المستهلكة الرئيسية لأي شيء يعرض الإمدادات أو العرض فيها للخطر مثل الحروب والحروب الأهلية والاضطرابات الداخلية أو الإقليمية أو الكوارث الطبيعية، ويتم بناء هذا المخزون بأموال عامة من ميزانيات الدول.
وقد اتجه هذا المخزون في أمريكا للزيادة من نحو 2.6 مليون برميل في أكتوبر 1977، ليبلغ أعلى مستوى له عند ما يزيد على 726.6 مليون برميل في ديسمبر 2009، ومع دخول ترامب للبيت الأبيض كان مستوى هذا المخزون يبلغ نحو 695 مليون برميل، وهو نفس المستوى الذي كان عليه منذ يوليو 2015، لينخفض مؤخرا بناء على قرارات الكونجرس لنحو 687.7 مليون برميل أي ما يعادل نحو 132 يوما من الواردات الأمريكية الصافية من النفط الخام والمنتجات.
وعلى الرغم من استخدام هذا المخزون في الأغراض التي تم بناؤه من أجلها، إلا أنه تم استخدامه أحيانا لدوافع سياسية أو اقتصادية؛ فقد استخدم قبيل الانتخابات الأمريكية في عام 2000، حينما أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قرارا ببيع 30 مليون برميل للتأثير على الأسعار التي كانت قد شهدت ارتفاعا واضحا في هذا العام، وقيل إنه فعل ذلك لمساعدة مرشح الحزب الديمقراطي آل جور في الانتخابات الرئاسية، بخفض أسعار مواد الوقود للناخبين، كما تم استخدامه (أو التهديد باستخدامه) عدة مرات أيضا للتأثير في أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية.
الآثار المنتظرة لقرار ترامب
هناك وجهتا نظر بشأن الاحتمالات الممكنة لانعكاس قرار الرئيس ترامب على أسعار النفط في الأسواق العالمية:
ترى وجهة النظر الأولى أن الكمية التي سيتم إطلاقها من هذا المخزون في الأسواق لن تؤدي إلى التأثير على الأسعار، لأن هذه الكمية ضئيلة للغاية قياسا بالمعروض العالمي، فالمفترض أن يتم إطلاق ما لا يزيد على 34.4 مليون برميل سنويا في المتوسط، أي ما يساوي نحو 94 ألف برميل يوميا، وهي كمية ضئيلة للغاية لا تزيد على 1% من الاستهلاك العالمي، بل وأقل خلال السنوات المقبلة، ومن هنا استبعاد تأثيرها على الأسعار.
أما وجهة النظر الثانية فترى أن الكمية التي ستطلق إذا ما جرى تقسيمها بهذا المعدل اليومي لن تكون مؤثرة، ولكن ليس هناك ما يلزم حقيقة بإطلاق المخزون بهذه الوتيرة المنتظمة، وتذهب وجهة النظر هذه إلى أن الأكثر منطقية أن يتم بيع كميات أكبر مع ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، لأن ذلك يحقق هدفين مزدوجين: الأول تحقيق أعلى دخل بما يكفل تحقيق المستهدف من خفض في عجز الموازنة الفيدرالية، والهدف الثاني هو التأثير على أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، فما زالت الولايات المتحدة وعلى الرغم من ارتفاع إنتاجها المحلي هي ثاني أكبر مستورد في العالم بعد الصين بمستوى صافي من الواردات من النفط الخام بلغ مؤخرا ما يزيد على 7.6 مليون برميل يوميا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة