غزة بين ضغوط ترامب و«تعنت» نتنياهو.. تسوية على المحك

يبقى التساؤل حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قادرًا على إنهاء الحرب المستمرة منذ ما يقارب عامين مرتبطًا بمدى استعداده
مع بذل الرئيس الأمريكي جهودًا للتوصل لاتفاق «قريب» في غزة، يظل مصير تلك المساعي مرهونا بمدى قدرة دونالد ترامب على الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
هذا ما أكدته صحيفة «نيويورك تايمز»، التي قالت إن النجاح مرهونا بمدى استعداده للضغط على نتنياهو، الذي يبدي حتى الآن مقاومة شديدة لأي تنازل جوهري.
ومؤخرًا، تبلورت تصريحات ترامب حول مسارين متوازيين:
- الأول: محاولة ربط إنهاء العمليات العسكرية في غزة باستعادة أسرى إسرائيليين لدى حماس.
- الثاني: بلورة شكل إداري وأمني للمرحلة الانتقالية بعد وقف النار.
وقد أوضح مسؤولون أمريكيون، أن المقترحات المطروحة تشمل إشرافاً دولياً أو إدارة مؤقتة لغزة، وأن من بين الأسماء المطروحة تولي توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، دوراً رقابياً أو تنسيقياً في مرحلة ما بعد الحرب.
تسوية معقدة
وترى الصحيفة أن إمكانية نجاح أي تسوية قائمة على شروط أمريكية تبدو معقدة، فنتنياهو متمسك باستكمال الحملة العسكرية ضد حماس، ويؤكد أن إخراج التنظيم من معاقله الأخيرة ضرورة «لإتمام المهمة».
وقد أثار تصريحه أمام الجمعية العامة استهجاناً دبلوماسياً اتضح جليا في مغادرة عدد من الممثلين للقاعة أثناء إلقائه كلمته، بينما أبلغ مسؤولون أمريكيون وعرب عن قلقهم من استمرار العمليات التي تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع.
المعادلة، بحسب محللين، تحمل مفارقتين؛ فمن جانب، يملك ترامب نفوذاً ملحوظاً لدى القيادة الإسرائيلية، وهو ما يجعله مرشحاً جدياً للضغط على نتنياهو.
ومن جانب آخر، فإن حماس، بوضعها كفصيل مسلح يسيطر فعلياً على قطاع غزة، تمارس دوراً مركزياً لا يتيح للوسيط الأمريكي وحده فرض حل نهائي.
ويعتقد خبراء مثل ناثان ساكس أن أي اتفاق حقيقي يحتاج إلى تفاهم مباشر بين الطرفين: نتنياهو وحماس، مضيفين أن نفوذ واشنطن أقوى على تل أبيب منه على حماس.
حكم غزة
في السياق ذاته، تسارعت النقاشات حول صيغة الحكم المؤقت في غزة، لتخرج إلى العلن مقترحات بينها، ما يُعرف بمقترح «السلطة الدولية الانتقالية لغزة» الذي ينادي بوجود هيئات تقنية وإدارية دولية، مع قوة أمنية متعددة الجنسيات تؤمن المعابر وتمنع إعادة تسليح المليشيات.
وتتضمن الصيغة المقترحة آليات لإصدار «شهادات خروج محمية» تتيح لحامليها مغادرة غزة مع ضمان حق العودة، كما تقترح مفوضاً للإشراف الأمني لتنسيق عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج مع السلطة الفلسطينية.
إعلان نيويورك
وتقدم النسخة الفرنسية–السعودية المعروفة باسم «إعلان نيويورك» تصوراً موازياً يقوم على إشراف السلطة الفلسطينية على مرحلة انتقالية تُديرها لجنة تكنوقراط، مع التزام بإجراء انتخابات خلال عام وإجراء إصلاحات مؤسسية.
وتترتب على ذلك انسحاب للقوات الإسرائيلية من غزة ونشر قوة استقرار أممية. وقد اعتمدت الجمعية العامة بالأمم المتحدة هذا الإعلان بدعم واسع من 142 دولة، ما منح المقترح زخماً دبلوماسياً لافتاً.
خلافات راهنة
لكن الخلافات الراهنة لا تقتصر على الفاعلين الدوليين؛ فالسلطة الفلسطينية بدورها أعربت عن استعدادها لتحمل مسؤولية إدارة ما بعد الحرب، بينما يرفض نتنياهو أي دور فعّال للسلطة، واصفاً إياها بـ«الفساد حتى النخاع».
هذا الماضي من عدم الثقة بين القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية يزيد من صعوبة إيجاد صيغة جامعة تتسق مع شروط الأمن الإسرائيلية ومتطلبات الشرعية الفلسطينية والدعم الدولي.
وعلى الصعيدين، العربي والإسلامي بدا بعض القادة متفائلين بعد لقاءاتهم مع الوفد الأمريكي، لكن التفاؤل هذا يقابله تشاؤم واقعي لدى المراقبين الذين يشددون على أن العودة إلى السلام تتطلب أكثر من تصريحات وزيارات وبيانات.
ويرون أن الأمر يتطلب استعداداً عملياً من نتنياهو للقبول بتنازلات مؤلمة، واستجابة من حماس لتقديم تنازلات أمنية وسياسية هي الأخرى، فضلاً عن آليات رقابة دولية قادرة على منع فراغ أمني يؤدي إلى إعادة تسليح أو تصاعد جديد للعنف.