تحمل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة إلى السعودية وقطر والإمارات، بين 13 و16 مايو/أيار، دلالات أعمق من مجرد جولة دبلوماسية تقليدية.
فالزيارة تأتي في لحظة إقليمية دقيقة، تشهد تحولات استراتيجية في ميزان القوى، وتعيد تشكيل العلاقة بين واشنطن وحلفائها التقليديين في الخليج.
في هذا التوقيت، تتراجع قدرة إيران على التأثير الفعلي، بعدما واجهت أذرعها في المنطقة انتكاسات متتالية.
الحرس الثوري وأذرعه لم يعودوا في موقع المبادرة كما كانوا، فيما تضررت صورة طهران بفعل سقوط نظام الأسد، وتراجع حزب الله وحماس تحت ضربات إسرائيل، وضعف الحوثيين أمام الضغوط الأمريكية.
ومع أن الفوضى في بعض دول المنطقة لا تزال توفر لطهران فرصاً للمناورة، إلا أن لحظة الضعف هذه تطرح سؤالاً مصيرياً: هل حان الوقت لبناء نظام أمني إقليمي جديد أكثر تماسكاً واستقلالاً؟
الجواب يرتبط بمدى قدرة دول الخليج على إعادة ضبط إيقاع شراكتها مع الولايات المتحدة. ففي الماضي، كان التنسيق الخليجي – الأمريكي يقوم على الضغط لردع إيران. اليوم، تغيّرت المعادلة: الإمارات والسعودية لم تعودا في موقع الباحث عن الحماية، بل اختارتا التهدئة الاستراتيجية لتأمين بيئة مستقرة تسمح بتحقيق طفراتهما التنموية الكبرى.
زيارة ترامب هذه المرة تختلف عن زيارته في ولايته الأولى. فالعلاقة مع الخليج لم تعد محصورة في المظلة الأمنية. الإمارات، على وجه الخصوص، فرضت نموذجاً جديداً في التعامل مع واشنطن، قائماً على الشراكة في صناعة المستقبل. استثمار إماراتي غير مسبوق بقيمة 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي، موزّع على قطاعات الذكاء الاصطناعي، الطاقة، التصنيع والتكنولوجيا، يؤكد أن أبوظبي تتحدث بلغة جديدة، والاستثمار أصبح أداة نفوذ، لا مجرد عائد اقتصادي.
الإمارات تدرك أن من يريد التأثير في العالم يجب أن يكون شريكاً في صناعات الغد، لا مجرد مستهلك لسياسات الماضي. من البنية التحتية الرقمية إلى الميتافيرس، ومن الطاقة النظيفة إلى أشباه الموصلات، تعمل الإمارات على ترسيخ موقعها كفاعل محوري في الاقتصاد العالمي الجديد. وهي بذلك لا تستثمر فحسب، بل ترسم سياسة وتبني تحالفات تعكس رؤيتها لعالم أكثر توازناً وعدلاً ما بعد الهيمنة الأحادية.
ورغم هذا التحول، يظل البُعد الأمني حاضراً. فأي تصعيد محتمل بين إسرائيل وإيران – لا سيما إذا بادرت تل أبيب وحدها بضرب المنشآت النووية الإيرانية – قد يترك تداعيات اقتصادية وأمنية على دول الخليج، حتى إن لم تكن طرفاً مباشراً في المواجهة. وهذا ما يجعل من الضروري الحفاظ على شراكة متزنة مع واشنطن، دون الانجرار إلى صراعات لا تخدم أجندة الاستقرار.
ورغم الجدل الدائم حول ترامب، إلا أنه يمتلك مفاتيح فهم التحول الخليجي. الخليج لا يبحث عن حامٍ، بل عن شريك استراتيجي يحترم طموحاته. وما تسعى إليه الإمارات بوضوح، ومعها باقي العواصم الخليجية، هو بناء بيئة إقليمية مستدامة للنمو والاستثمار، لا بيئة متقلبة ترتهن لصراعات النفوذ.
يملك الخليج فرصة نادرة لإعادة تعريف موقعه في النظام الدولي. فالقدرة على الجمع بين الطموحات الاقتصادية والواقعية السياسية باتت ممكنة، والعواصم الخليجية تمتلك اليوم أدوات التأثير والنفوذ، الناعمة منها والصلبة، بما يمكنها من صياغة مستقبلها وشكل الأمن الإقليمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة