دينيس روس لـ"العين الإخبارية": عقوبات أمريكا لا تكفي لتغيير سلوك طهران
مبعوث أمريكا السابق للشرق الأوسط يؤكد في حوار مع "العين الإخبارية" أن مشكلة إدارة ترامب تجاه إيران هي عدم التوافق بين أهدافها وأدواتها.
قال السفير دينيس روس، مساعد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، لشؤون الشرق الأوسط، إن العقوبات الأمريكية ضد إيران رغم قوتها إلا أنها غير كافية لإجبار نظام طهران على تغيير نشاطه الخبيث في المنطقة، مشيرا إلى أنه يتحكم في 4 عواصم عربية هي (بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء) لفرض أجندته على الإقليم.
وأوضح المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، الذي سبق وعمل مع إدارتي بوش الابن، وبيل كلينتون، خلال حواره لـ"العين الإخبارية" من واشنطن، أن مشكلة إدارة الرئيس ترامب، مع إيران تكمن في أن الوسائل التي تستخدمها غير متوافقة تماما مع سياستها ضد طهران، وهو ما يعطي نتائج عكسية أحيانا.
وإلى نص الحوار:
- سيطرت سُبل مواجهة إيران وتعزيز العقوبات ضدها على مباحثات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أثناء زيارته الحالية للشرق الأوسط، فما تقييمك لاستراتيجية الإدارة إزاء طهران لإجبارها على التوقف عن ممارسة دورها المزعزع للاستقرار في المنطقة؟
من الصعب للغاية أن تقف مكتوف الأيدي أمام الأنشطة العدوانية والخبيثة الإيرانية في الشرق الأوسط، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية المشددة ضد طهران هو جزء من هذا النهج.
وعلى الرغم من التأثير الكبير للعقوبات على الاقتصاد الإيراني، والذي يبدو أنه في حالة تدهور كامل الآن، كما يحاول الشعب أن يضغط على قادته بشكل أكبر، لكن يبدو أن السلوك العدواني لم يتغير، والآن بعد فترة من العقوبات لم تصبح طهران أقل عدوانية في المنطقة، قد تكون العقوبات أثرت إيجابا فقط في الضغط على تمويل بعض وكلائها مثل حزب الله.
لكن على العكس تماما على الجبهة الفلسطينية يبدو أنها قدمت مزيدا من الدعم لحماس والجهاد الإسلامي في غزة، منذ فرض العقوبات المشددة، والشيء نفسه تكرر مع الحوثيين في اليمن، وهناك مؤشرات على أنها عادت لتصبح أكثر نشاطًا مرة أخرى في سوريا بعد إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من هناك، وأحد الاحتمالات المثيرة للاهتمام أيضا هو أن الإيرانيين يمكن أن يكون لهم رد فعل عنيف في العراق إذا ما شعروا بفقدان السيطرة هناك.
وبشكل عام يبدو أن العقوبات الاقتصادية ضد طهران، أمر يعود بالنفع الجزئي على أصدقاء الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، لتحجيم الأنشطة الإيرانية في المنطقة، ولكن خارج العقوبات لا يبدو أن الإدارة مستعدة لاستخدام أدوات قسرية أخرى، ولذا تكمن مشكلة إدارة الرئيس ترامب في عدم التوافق بين أهدافها والوسائل التي تستخدمها.
- تحدثت عن دعم طهران للجمعات المتطرفة والانقلابية.. فكيف ترى الدور الإيراني في اليمن وسوريا ولبنان؟
بشكل عام النظام الإيراني عدواني يحاول تصدير عدم الاستقرار لجميع أنحاء المنطقة المضطربة، كما يعمل جاهدا لإطالة أمد الصراع كما في اليمن وسوريا.
اليمنيون والسوريون ليسوا منتصرين في هذه الحروب، إنما في الحقيقة هي إيران، والتي تسعى إلى استغلال الصراعات لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة، حيث يتفاخر قادتها بالتحكم في صناعة القرار في 4 عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
- في تقديرك.. هل تعتقد أن سحب القوات الأمريكية من سوريا قد يؤثر على خطط الولايات المتحدة للضغط على إيران؟
سحب القوات الأمريكية من سوريا دون محاولة استخدام هذا كورقة ضغط مع الروس على الأقل لإجبار إيران على الخروج من هذا البلد خطأ.
فالجميع يعلم أن روسيا تريد خروج الولايات المتحدة من سوريا، وكان بوسع واشنطن أن تستخدم تلك الرغبة في جعل الروس يضغطون على إيران حتى ينسحبوا من سوريا؛ لأنهم لن يفعلوا ذلك بمفردهم ولن يكون لديهم الوسائل أو الإرادة للقيام بذلك.
لكن كان بإمكانهم على الأقل الضغط على الإيرانيين لتقييد وجودهم في مناطق معينة وعدم نقل صواريخ متطورة إلى سوريا أو عرقلة مشروعهم بإقامة ممرهم الأرضي إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط، ولكن الآن لا يمكن استخدام الوجود الأمريكي لهذا الغرض، كما أن ضغوط واشنطن على روسيا في سوريا، وبالتبعية على إيران هناك، ستكون محدودة للغاية الآن، فالجميع سوف ينتظر ببساطة حتى يتم الانسحاب الأمريكي.
- لديك خبرة واسعة في شؤون الشرق الأوسط، وعملت مع عدد من الرؤساء الأمريكيين في البيت الأبيض.. في تقديرك ما الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في المنطقة حتى الآن؟
حسنا، يمكن للمرء أن يقدم أسبابا متعددة، فالوضع في الشرق الأوسط معقد للغاية، هناك جهات فاعلة عدوانية مثل إيران وغيرها تسعى إلى الهيمنة على المنطقة، لكن في الحقيقة أيضا هي أن هناك أسبابا للصراعات هي ما أعطت فرصا لطهران أو المتطرفين لاستغلالها.
على المرء أن ينظر بعمق في أسباب عدم الاستقرار والصراع الدائم في تلك المنطقة، وصحيح أن البعض قد يرجح أن هذا بسبب أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، وهذا هو السبب الظاهري، أما إذا تعمقت في أسباب المشاكل فالوضع يختلف قليلا.
دعني أؤكد لك أن الفساد وسوء الإدارة والاضطهاد وعدم المساواة والفوارق الاقتصادية الهائلة وغياب سيادة القانون في العديد من الأماكن في الشرق الأوسط،أسهمت في خلق المساحات التي مكنت الإيرانيين والإرهابيين من استغلالها لإثارة القلائل والاضطرابات، هذا ما حدث في سوريا والعراق واليمن، وطالما لا يوجد أمل للناس العادية لتحسين حياتهم، أو حصولهم على فرص متكافئة في ظل سيادة القانون، فإن احتمال أن تستغل القوى الإقليمية والمتطرفون تلك المساحات سيظل مرتفعا.
- تحدثت عن إيران ودورها المزعزع للاستقرار في المنطقة.. فماذا عن قطر؟
قطر قصة مختلفة، فبرغم أن العوامل والروابط التي تجمعها مع جيرانها أكبر وأعمق من دول مثل إيران، لكنها تتخذ منحى مختلفا.. وشخصيا أود أن أرى الدوحة لا تدعم أجندة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط.
قطر يمكنها أن تؤدي دورا في إرساء السلام والاستقرار في المنطقة بدلا من جهودها العكسية، لقد ساعدت الدوحة على تهدئة الأمور في غزة لبعض الوقت، ولكن حتى هذا الدور كان يمكن أن يكون أكثر فاعلية إذا أصرت على ضرورة تسليم السلطة في غزة للحكومة الفلسطينية، وأن تسلم حماس أسلحتها، فحماس تعمل على إطالة أمد الصراع وخلق معاناة لا تنتهي لسكان القطاع.
وعلى قادة الدوحة أن يسألوا أنفسهم إذا ما كانوا مهتمين حقا بمستقبل غزة والفلسطينيين، هل إذا أراد المجتمع الدولي إعادة الإعمار في القطاع، هل يمكن أن يسهم المانحون بمساعدات جادة لإعادة البناء والاستثمار فيها إذا استمرت حماس في حفر الأنفاق، واستمرت في تطوير الصواريخ، وتصرفت وكأنها يمكن أن تثير صراعا في أي وقت؟ الجواب بديهي للغاية لكن ربما قادة الدوحة لا يدركونه.
- مرت أكثر من 25 سنة على اتفاقية أوسلو التي كانت ركيزة لعملية السلام في الشرق الأوسط وكنت طرفا فيها، كيف ترى فرص السلام الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
للأسف فرص السلام بين البلدين أصبحت منخفضة جدا الآن، فالإسرائيليون والفلسطينيون لا يثقون في بعضهم بعضا، ولا يبدو أن الإدارة الأمريكية مستعدة لتغيير هذا المناخ من عدم الثقة بين الطرفين.
- ماذا عن "صفقة القرن"؟ أو الصفقة الجديدة التي تعدها الإدارة الأمريكية؟
لا أتخيل جدية "صفقة القرن" كاتفاق نهائي بين الجانبين، ومن المرجح أن تكون الأفكار الأمريكية الجديدة حول عملية السلام، هي في الأساس رؤية دبلوماسية جديدة على أساس أكثر صلابة وهذا أمر جيد، لكنني استبعد أن تنجح هذه الصفقة في التسوية النهائية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، والحل الطبيعي المنطقي الوحيد هو دولتين لشعبين، فهناك هويتان وطنيتان وهما نتاج حركتين وطنيتين منفصلتين (الحركة الوطنية اليهودية والحركة الوطنية الفلسطينية)، أما ما يشاع عن أفكار لدولة واحدة لهويتين قوميتين مختلفتين هي وصفة لنزاع أبدي لن ينتهي.
- ما رأيك في دور الدول العربية في عملية السلام في الشرق الأوسط؟
مصر تؤدي دورا رئيسيا في عملية السلام منذ بدايتها، ويمكن لمصر والأردن، إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات والمغرب، أن يؤدوا بشكل جماعي دورا مهما في مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء لاتخاذ القرارات الصعبة التي يتعين على كل منهم اتخاذها، وسيكون لكل من مصر والأردن دور خاص للقيام بأي ترتيبات أمنية تشكل جزءا من اتفاقية سلام مستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.