صحيحٌ أن المنطقة تغيرت جيوسياسيا عن فترة أوباما،ووفقا لأبسط مبادئ السياسة والمنطق، فإن المراهنين على التعامل وفق المعطيات نفسها واهمون.
اتجهت أنظار واهتمامات العالم كله والعالم العربي خصوصا إلى المعركة الانتخابية الساخنة بين المرشح الجمهوري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي الرئيس المنتخب جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الأسب باراك أوباما.
قبل الحسم، كانت التساؤلات اليومية عند الجميع، صباحا ورواحا، حول ماذا جدّ في نتائج ولايات بنسلفانيا وجورجيا ونيفادا وميشيجان وأريزونا؟ وهل حسمها ترامب أم أن لبايدن رأي آخر؟
جميعنا في المنطقة العربية نحبس أنفاسنا منذ أربعة أيام، وننام ونستيقظ، لنطرح السؤال نفسه: هل فاز بايدن أم ترامب؟ وكأننا ولاية من الولايات المتحدة.
حجم التهويل والتطبيل على صفحات السوشيل ميديا، خصوصا المرتبطة بمحور قطر وتركيا وإيران وخلايا تنظيم الإخوان، يصور الأمر وكأن بايدن سيبدأ يومه الأول في البيت الأبيض بقرار تنفيذي يلغي به قرار نقل السفارة الأمريكية من القدس، ويعيد سريان الاتفاق مع إيران، ويشطب اسم حماس من قوائم الإرهاب الأمريكية، بل سيختم يومه كذلك بقرار تنفيذي بفرض عقوبات على السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل.
قادة وصناع الرأي في محور الشر هذا يعلمون جيدا أن جماهيرهم واهمة في آمالها هذه، لكنهم يتعاملون مع الأمر على أنه حرب إعلامية تُقلب فيها الحقائق ويظهرون فيها مهاراتهم بتحويل الأبيض إلى أسود، وعن طريق البروباغندا يحاولون تسويق انتخاب جو بايدن على أنه سيكون لصالحهم، اللعبة القديمة المتجددة نفسها لمحاولة هزيمة شعوب محور الاعتدال في المنطقة نفسيًّا لا أكثر ولا أقل.
الرئيس المنتخب جو بايدن ظل عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي طوال 36 عاما الماضية، وكان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية فيه، وبذلك يعلم جيدا عمق العلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء التقليديين، خصوصا السعودية والإمارات ومصر، لكن قبل ذلك لدى الرجل من الأمور الداخلية ما يجعله أكثر انشغالا بالداخل، خصوصا أزمة كورونا التي تجمع الأغلبية أنها من أوصلته للبيت الأبيض.
صحيحٌ أن المنطقة تغيرت جيوسياسيا عن فترة أوباما، ووفقا لأبسط مبادئ السياسة والمنطق، فإن المراهنين على التعامل وفق المعطيات نفسها واهمون، فلن يتعامل بايدن أبدا مع المعطيات نفسها التي كانت موجودة في فترة أوباما.
لقد تجاوزت الأعاصير والعواصف والسحب منطق وزمن ما عرف بالربيع العربي، وتأكد الجميع أنه كان صيفا للشر، وفترة أطلقت فيها يدُ التطرف والإرهاب وزرع الكراهية في المنطقة.
قادة السعودية والإمارات ومصر أكثر توحدا اليوم، وبإمكانهم فرض ما يريدون على أي دولة ترغب في التعامل معهم، السياسة تحكمها المصالح، وكما تعامل قادة المنطقة بعقل ونباهة وفطنة مع ترامب غير السياسي متقلب الهوى، واستطاعوا أن يجيروه لصالحهم، فإنه مخطئ من يعتقد أن استثمار قادة المنطقة في ترامب هو استثمار في شخصه، بقدر ما هو علاقة مع بلد كبير ذي تراكمات مؤسسية وذي مصالح يعمل لأجلها في المقام الأول.
في المقابل لا شيء لصالح محور الشر من مواقف بايدن السابقة لانتخابه، يجب أن نعرف ونتذكر أن موقف بايدن من أردوغان قد يصل لدرجة الكره، وألا ننسى أن أردوغان العدو غير العاقل للمنطقة ما كان ليقوم بما قام به من سياسات خرقاء مؤخرا لولا الضوء الأخضر الذي كان يحصل عليه من الرئيس ترامب.
ويعتبر أيضا معطي تدهور العلاقات الأوروبية مع أردوغان ذا تأثير بالغ في علاقات بايدن مع أردوغان، تصرفات أردوغان غير الحكيمة في شرق المتوسط ومحاولته لعب دور أكبر من حجمه تجعل الأمريكيين مضطرين في أي لحظة لفرض عقوبات عليه.
وفيما يتعلق بإعادة الاتفاق النووي مع إيران فإن المصالح الأمريكية في المنطقة تقتضي أن يكون الاتفاق مع إيران مختلفا عن سابقه، بما يحمي ويؤمن الدول الحليفة في المنطقة، وينهي أي تخوف عندها من ضلع محور الشر الذي ينطلق من طهران.
لا ترفض المنطقة اتفاقا أمريكيا مع إيران، لكن قادة المنطقة يرغبون في اتفاق يحفظ مصالحهم ويغل يد إيران التي أسهم اتفاق أوباما معها في إطلاقها، خصوصا موضوع الصواريخ البالستية ودعم وكلائها في المنطقة مثل الحوثي وحزب الله والحشد الشعبي، الذين عملوا ضد هذه الدول، وهذا الموقف عبر عنه القادة صراحة خلال فترة إدارة أوباما.
غياب هذه المتطلبات والضمانات التي يبحث عنها أصدقاء واشنطن في المنطقة هو الذي دفع الرئيس ترامب لإلغاء الاتفاق.
والمراقبون الحصيفون لم يكونوا يستبعدون أن يدخل الرئيس ترامب في مفاوضات تقود لاتفاق مع إيران يأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفاء أمريكا في المنطقة، والكرة الآن في مرمى خلفه، والسياسة الخارجية الأمريكية لا تتغير حسب المزاج ولا التمني.
وأهم أيضا من يعتقد أن السلام مع إسرائيل كان مطلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوحده، فجميع رؤساء الولايات المتحدة كانوا يضعون أمن إسرائيل على أولوياتهم، ترسيخ السلام مهم للجميع في أمريكا والمنطقة وليس مطلبَ ترامب لوحده.
ومن ثم فإن استمرار مسار السلام ومحاولة كسر الجمود عن طريق اتفاقات تقرب الأطراف من بعضها، تمهيدا لحل يرضي الجميع ويجد فيه الجميع ذواتهم، ستكون مشغلا للرئيس المنتخب كما كانت نقطة اهتمام لأسلافه جميعا.
لم تكن مواقف محور الاعتدال في المنطقة العربية إرضاء لسيد البيت الأبيض المهزوم، ولن تكون لسواد عيون سيده الجديد، كانت لمصلحة المنطقة العربية والسلام والرفاه في الإقليم، وبحسابات الربح والخسارة لا جديد يمكن لمحور الشر التبجح بتحقيقه بفوز بايدن الذي اختاره الأمريكيون، ولن يحيد قيد أنملة عن نهج أسلافه.
لم ولن يخسر محور الاعتدال أيّ شيء، هو الرابح أياً كانت الإدارة الأمريكية، بايدن في النهاية لن يغُضّ الطرف عن الإرهاب قطعاً كما يتمنى محور الشر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة