عام على التحرير.. سرت الليبية عاصمة الوحدة ورمز الجهاد
تحل اليوم الأربعاء الذكرى الأولى لتحرير الجيش الليبي مدينة سرت من المليشيات التي كانت تسيطر عليها.
وشهدت مدينة سرت خلال هذا العام عددا من المراحل، بداية من التحرير وصولا إلى عاصمة الوحدة الوطنية، وهي ما تستعرضه "العين الإخبارية" خلال هذا التقرير.
قلب الطاجين
في الـ 6 من يناير عام 2020 قاد الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية خاطفة لم تستمر أكثر من 3 ساعات، تمكنت القوات خلالها من تحرير مدينة سرت المعقل السابق لتنظيم داعش الإرهابي.
وكانت عملية الجيش الليبي خاطفة وسريعة جدا بحيث لم يتمكن عناصر المليشيات الاحتماء بأسلحتهم أو مقاومة العملية، وفر بعضهم ولم يزل غداؤه على النار لم يطب بعد، ما دفع الجنود لإطلاق لقب "قلب الطاجين" على العملية العسكرية.
وقاد الجيش الليبي عملية تحرير مدينة سرت عبر 5 محاور برية وبحرية، إلى جانب تأمين الإسناد الجوي للعملية، حيث تمت السيطرة على أكبر المواقع الاستراتيجية في المدينة والمعسكرات خاصة قاعدة القرضابية الجوية وميناء المدينة ومقر كتيبة الساعدي سابقا والمداخل والمخارج قبل التوجه لوسط المدينة.
وخرج الأهالي مهنئين قوات الجيش الليبي التي دخلت المدينة، واحتفلوا معهم بإخراج المليشيات التي استنزفت مواردها وأساءت لسكانها منذ عام 2011 بسبب علاقتها بالنظام السابق.
وأمنت قوات الجيش الليبي المدينة والطرق الموصلة إليها جهة الغرب خاصة مع مدينة مصراتة، التي حاولت التقدم نحو سرت أكثر من مرة وتم التصدي لهم حتى إعلان مبادرة القاهرة ووقف إطلاق النار في يونيو 2020.
سرت خط أحمر
وبعد أن مر عام كامل على الحرب في محيط العاصمة الليبية طرابلس، لم يجد الفرقاء بدا من إيقاف إطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات.
وأعلنت القاهرة في الـ 6 من يونيو 2020 مبادرتها للسلام في ليبيا، على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي بوجود رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح والقائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر.
ورفضت تركيا الطامعة في النفط الليبي مبادرة السلام في ليبيا، وزادت من إرسال شحنات الموت من السلاح والمرتزقة بهدف تسهيل التقدم نحو سرت ومن ورائها الهلال النفطي.
وبعد طلبات متزايدة من مجلس النواب الليبي وشيوخ وأعيان القبائل الليبية والمظاهرات الشعبية الحاشدة الداعية لتدخل القاهرة، أعلن الرئيس السيسي على هامش زيارته للمنطقة الغربية العسكرية، بحضور قادة الجيش المصري، مدينتي سرت الجفرة خطا أحمر لن يسمح بتجاوزهما لأي طرف.
ومنذ حينها لم تجرؤ أنقرة على تحريك قواعدها باتجاه الشرق، ما هيأ المناخ لاستمرار عمليات الحوار السياسي والاجتماعي والعسكري وصولا لاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.
عاصمة كل الليبيين
ظلت الحوارات بين الليبيين في الخفاء، إلى أن رعت مدينة سرت المصالحة الاجتماعية بين الليبيين، فاحتضنت في 17 من أكتوبر 2020 مؤتمر "سرت2" لدعم الثوابت الوطنية والمصالحة.
وضم المؤتمر شيوخ القبائل والحكماء الليبيين من كافة المدن وتم توقيع ميثاق سرت 2 للمصالحة في إشارة إلى ميثاق "سرت 1922" الذي وحد الشعب الليبي في مواجهة الاستعمار الأجنبي.
ومهد المؤتمر إلى اتفاق على المصالحة الوطنية والتي تتضمن فتح الطرق وجبر الضرر وتبادل الأسرى والمحتجزين على الهوية، كاتفاق مبدئي ساهم في نجاحات الاتفاق العسكري فيما بعد.
وعلى التوالي، اقترحت عدة دول داعمة للمصالحة في ليبيا إلى أن تكون سرت عاصمة مؤقتة لليبيا إلى حين حل المشكلة بين الشرق والغرب، وهو ما لاقى قبولا من جميع الأطراف وأعلن عنه المستشار عقيلة صالح في أكثر من مناسبة كعاصمة مؤقتة تضم الأجهزة الحكومية والمؤسسات التنفيذية بعد توحيدها.
رمز الوحدة
في الـ 23 من أكتوبر 2020 وقع الليبيون اتفاقا تاريخيا لوقف إطلاق النار وفقا لمخرجات اجتماعات اللجنة العسكرية الموحدة 5+5 ، والتي سارت رمزا للوحدة بين الليبيين.
واتخذت اللجنة مقرا لها في مدينة سرت ولاقت اجتماعاتهم ترحيبا محليا ودوليا، فالسفير الألماني لدى ليبيا أوليفر رحب بالتئام لجنة العشرة في سرت، مؤكدا أنها "رمز ملهم للوحدة"، كما رحب المبعوث الأممي السابق غسان سلامة، باجتماعات العسكريين في سرت، وانطلاق الملتقى السياسي في تونس.
ومن سرت أعلن العسكريون الليبيون اتفاقهم على إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب وسحبهم من خطوط التماس، وفتح الطريق الساحلي، وتأمين حركة المواطنين المدنيين وتبادل الأسرى، وتسليم الجثامين والاستمرار في محاربة الجماعات المصنفة إرهابيا دوليا (القاعدة وداعش وأنصار الشريعة ومجالس الشورى وغيرها)، وإعادة النازحين قسريا.
وشرعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، مؤخرا، في تنفيذ قراراتها ضمن مخرجات اتفاق وقف إطلاق النار، حيث نفذت عمليات تبادل للأسرى، إلا أن المليشيات تقف عثرة في تنفيذ بقية البنود خاصة فتح الطريق الساحلي الرابط بين سرت ومصراتة.
ومن المقرر أن تكون سرت مقرا للحكومة الانتقالية القادمة التي ستقود عملية توحيد المؤسسات إلى حين الانتخابات المقبلة 2021.
سرت الأهمية والدلالة
وتأتي أهمية مدينة سرت الليبية كونها تحمل دلالة رمزية واستراتيجية مهمة، حيث كانت معقلا لتنظيم داعش الإرهابي في شمال أفريقيا، وتكتسب أهميتها من موقعها الجغرافي، فهي أكثر المدن الليبية امتدادا على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، وبداخلها العديد من المنشآت الاستراتيجية، مثل مطار القرضابية الدولي، وميناء سرت التجاري، كما تضم المدينة أيضا قاعدة جوية رئيسية في القرضابي، ويعد المطار والميناء من أهم المنافذ الرئيسية في ليبيا على العالم.
وبالسيطرة على المدينة الساحلية تمكن الجيش الوطني الليبي، من قطع الطريق على مليشيات حكومة السراج للوصول إلى حقول النفط الرئيسية في البلاد، إذ تعد سرت البوابة إلى حقول النفط في البريقة ورأس لانوف والسدرة، لتكون السيطرة على سرت نقطة انطلاق نحو تحرير كامل ليبيا من قبضة المليشيات الإرهابية.
كما تحوذ مدينة سرت نصيب الأسد من حيث الأهمية الاقتصادية، كونها بوابة الهلال النفطي، وأحد أهم وأبرز الأحواض النفطية في ليبيا كلها، وتعمل به العديد من الشركات النفطية العالمية الكبرى، إضافة إلى وجود ثلاث مكامن غاز في البحر مقابل سرت مباشرة.
إضافة إلى الأهمية الرمزية لمدينة سرت في التاريخ الليبي، التي منها تم إعلان تأسيس الاتحاد الإفريقي ومنها تم إعلان توحيد البلاد والجهاد ضد الاحتلال الإيطالي وشهدت الانتصارات عليه، وهي أول مدينة كاملة تخسرها المليشيات في معركة الجيش ضد الإرهاب.
aXA6IDMuMTQ0LjQyLjIzMyA= جزيرة ام اند امز