مع احتفالات الجيش المصري بذكرى العبور الحادية والخمسين شاهدنا عرضاً باهراً يليق بالحدث.
استخدمت في العرض الطائرات المسيّرة (الدرونز) التي رسمت شخصيات المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ والرئيس محمد أنور السادات يرحمه الله والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أتبعها بعبارة "شعب واحد".
المصريون أوفياء للتاريخ لأنهم هم الذين جاءوا أولاً ثم جاء من بعدهم التاريخ، أصحاب الحضارة الأقدم حتى وهم يزهون بانتصارهم المجيد يتذكرون بوفاء موقف الإمارات في حرب العبور 1973 فالدولة الإماراتية التي كانت للتو قد أعلنت استقلالها الوطني في 1971 قرر رئيسها وقف تصدير النفط للغرب للضغط حتى يتوقف دعم إسرائيل، كما أنه اقترض من البنوك البريطانية لتمويل شراء السلاح السوفياتي دعماً للقوات المصرية والسورية في الحرب العربية المجيدة.
ففي السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، دخل التاريخ العربي محطة مفصلية جسدت الوحدة والتضامن العربيين في أبهى صورهما. هذا اليوم لم يكن مجرد يوم عابر في الذاكرة العربية، بل كان لحظة فارقة تم فيها استخدام سلاح غير تقليدي في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو سلاح النفط. لقد كان هذا القرار بمثابة إعلان أن العرب لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام العدوان الإسرائيلي، بل سيستخدمون ما لديهم من إمكانات للدفاع عن كرامتهم ووجودهم.
كان ذلك اليوم تتويجاً لذروة التضامن العربي في دعم مصر وسوريا، اللتين كانتا تقودان المعركة لاستعادة الأراضي العربية المغتصبة. فبينما كانت الجيوش العربية تخوض معركة شرسة على الجبهة، جاء السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول ليشهد إعلان قرار غير مسبوق باستخدام سلاح النفط للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
في قلب هذا القرار التاريخي كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، رحمه الله، الذي لم يكن موقفه مجرد دعم معنوي، بل كان من أوائل القادة الذين وجهوا بتفعيل سلاح النفط. كلماته الشهيرة ما زالت تتردد في آذان الأجيال: "البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي". هذه العبارة لم تكن مجرد شعار، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن رؤية الشيخ زايد العميقة للأزمة، وعن إيمانه القوي بأن الثروات يجب أن تستخدم لخدمة القضايا العربية.
الشيخ زايد كان على استعداد لتقديم كل ما يمكن من أجل دعم مصر وسوريا في معركتهما المصيرية. كان يؤمن بأن العرب يمتلكون سلاحًا قويًا لا يقل أهمية عن الأسلحة العسكرية، وهو النفط. وقد أطلق هذا السلاح في وجه الدول التي دعمت إسرائيل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، دون تردد أو خوف من العواقب الاقتصادية. كان موقف الشيخ زايد واضحًا وصارمًا: إذا فتحت المدافع فوهاتها، سنغلق صنابير النفط. هذا القرار لم يكن وليد لحظة، بل كان نابعًا من إيمان عميق بضرورة استخدام كل الإمكانات المتاحة للدفاع عن الأرض والعرض.
لم يكن الشيخ زايد مجرد قائد يطلق التصريحات، بل كان قائدًا عمليًا يتخذ القرارات ويدعم تنفيذها. في خضم الحرب، وفر الشيخ زايد كل الدعم المالي لمصر وسوريا، بل وقام باقتراض 100 مليون جنيه استرليني من بنوك لندن لدعم المعركة. هذا المبلغ الضخم في ذلك الوقت كان تأكيدًا على أن الشيخ زايد لم يكن ينتظر أي مقابل، بل كان يقوم بواجبه تجاه الأمة العربية. الإمارات، تحت قيادته، جنّدت كل طاقاتها لخدمة المعركة، وكانت جاهزة لتقديم الدعم في أي لحظة.
الشيخ زايد لم يكن وحده في هذا الموقف التاريخي. إلى جانبه، فلقد انضم إليه قادة الخليج العربي، الذين اجتمعوا واتخذوا قراراً جماعياً بتخفيض إنتاج النفط بشكل تدريجي وصولاً إلى حظره تماماً على الدول الداعمة لإسرائيل. هذا القرار كان ضربة موجعة للغرب، وأثبت أن العرب قادرون على استخدام ثرواتهم بشكل استراتيجي لتحقيق أهدافهم السياسية.
في تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا، الداعمتين الأساسيتين لإسرائيل، وكان من الواضح أن الدعم الغربي لإسرائيل هو ما يطيل أمد النزاع. ولهذا، قرر العرب استخدام سلاح النفط للضغط على هذه الدول. وبالفعل، تراجعت الولايات المتحدة بعد أن وجدت نفسها تواجه أزمة وقود داخلية، حيث اصطف الأمريكيون في طوابير طويلة للحصول على البنزين، وشعروا لأول مرة بتأثير السياسة الخارجية لبلادهم على حياتهم اليومية.
القرار العربي باستخدام سلاح النفط في حرب أكتوبر كان رسالة واضحة للعالم: العرب لن يقبلوا بأن يتم استغلالهم أو استخدام ثرواتهم لخدمة مصالح الآخرين. كان ذلك القرار تعبيرًا عن الثقة بالنفس والإيمان بقوة الإرادة العربية، وهو ما جعل تلك اللحظة واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث.
ورغم أن سلاح النفط لم يكن الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي، فإنه أثبت أن للعرب إمكانات قادرة على تغيير موازين القوى في العالم. هذا السلاح لم يكن ليستخدم لولا الجرأة والشجاعة التي أظهرها قائد فذ مثل الشيخ زايد، والذي أدرك أن الوقت قد حان للوقوف في وجه القوى العظمى.
اليوم، ونحن نتذكر تلك اللحظة التاريخية، يجب أن نستعيد روح الوحدة والإرادة التي أظهرتها الأمة العربية في ذلك الوقت. لقد أثبت الشيخ زايد وإخوانه من قادة العرب أن القوة الحقيقية لا تأتي فقط من السلاح، بل من الإرادة الجماعية والشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة. حرب أكتوبر كانت نقطة تحول في تاريخنا، والدرس الأهم الذي يجب أن نتعلمه منها هو أن الوحدة والتضامن العربي قادران على تحقيق المستحيل.
يجب أن نعيد النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع قضايا الأمة العربية. إذا كان العرب قد استطاعوا في عام 1973 توحيد جهودهم واستخدام ثرواتهم بذكاء لدعم قضيتهم، فإنه لا يزال بإمكاننا اليوم أن نستلهم من تلك التجربة لبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، انطلقت الإمارات من منطلق دعم الدول الوطنية فكيف بعمود الأمة العربية وبجيشها وسيفها ودرعها الجيش المصري، فلذلك كان القرار بحجم الموقف الذي لا يزال عيال زايد يعيدونه مع مصر وهذا ما يعيد المصريون فعله في تكريم الإمارات حكاماً وشعباً كلما ذكرت أيام بطولات المجد العربية الخالدة أبداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة