محمد جلال الريسي
كاتب
كاتب
يسود لدى البعض اعتقاد أن الإعلام مجرد باب إنفاق لا يدر عائدًا ماليًا مباشرًا، لكن التجارب تثبت أنه استثمار طويل الأمد يولّد قيمة عالية، حتى لو لم يظهر أثره في دفاتر الحسابات اليومية.
أصبح الإعلام في العصر الحديث إحدى أهم أدوات القوة الناعمة للدول، فلم يعد دوره يقتصر على نقل الأخبار أو متابعة الأحداث، بل تحول إلى صناعة استراتيجية تسهم في صياغة السرديات وبناء الصورة الذهنية والتأثير في الرأي العام المحلي والعالمي.
يمثل الإعلام الوطني في العالم العربي ساحة اختبار لقدرة الدول على الجمع بين الثبات والمرونة في استراتيجياتها.
مع التطورات الهائلة في مجالات مختلفة، وبقيادة التكنولوجيا، لم يعد الجمهور كتلة واحدة ساذجة يمكن توجيهها بخبر مقتضب أو رواية أحادية.
لم تعد وكالات الأنباء مجرد منصات تنقل الأخبار، بل أصبحت إحدى أبرز أدوات القوة الناعمة للدول، وذراعًا إعلامية استراتيجية تدعم السياسات الاقتصادية وتقود السرد الدولي.
في زمنٍ لم يعد فيه الذكاء الاصطناعي مجرد خيار تقني، بل مكوّنًا أساسيًا في تفاصيل الحياة اليومية، يصبح الإلمام بأساسياته ضرورة ملحّة لا تقل أهمية عن تعلم القراءة والكتابة.
في ظلّ التطوّر السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بات واضحًا أنّ الأجيال القادمة ستعتمد على هذه النماذج الرقمية كمصدر رئيسي للمعرفة والثقافة، وليس فقط للمعلومات التقنية أو الترفيهية.
تحدثتُ سابقًا عن خطورة التزييف العميق (Deepfake) وما يحمله من تهديد للقيم المجتمعية وخصوصية الأفراد، واليوم نحن لا نقف أمام تحذير نظري، بل أمام واقع خطير بدأ يتجلى بوضوح، ويمس شرائح واسعة من المجتمع دون وعي بخطورته أو عواقبه.
بدأ العالم يشهد تحوّلًا حضاريًا هادئًا لكنه عميق، لم يعد مقتصرًا على انتقال القوة من الغرب إلى الشرق، بل يشمل إعادة تعريف مفهوم “الحضارة” ذاته، من حيث القيم، والابتكار، والإنسان، وأسلوب الحياة.